في براغ، في أكرا، في القاهرة أو في استوكهولم، رسم الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما تصوره للعالم، لكنه اضطر لملاءمته وتعديله تماشياً مع حقائق الواقع وإكراهات الزعامة الأمريكية، إلى درجة أنه أصبح من الصعب تحديد »عقيدة« أوباما في مجال السياسة الخارجية... مازال الخبراء في مجال الجيو ستراتيجيا يبحثون عن التعريف المناسب. كيف يمكن وصف عقيدة أوباما في السياسة الخارجية؟ كيف يمكن إعطاء تعريف لسياسة رئيس تسلم جائزة نوبل للسلام عشرة أيام فقط بعدما قرر إرسال 30 ألف جندي إضافي الى أفغانستان؟ هل هي »واقعية«, هل هي »مثالية«؟ في براغ، في أكرا، في القاهرة أو في استوكهولم، رسم الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما تصوره للعالم، لكنه اضطر لملاءمته وتعديله تماشياً مع حقائق الواقع وإكراهات الزعامة الأمريكية، إلى درجة أنه أصبح من الصعب تحديد »عقيدة« أوباما في مجال السياسة الخارجية... مازال الخبراء في مجال الجيو ستراتيجيا يبحثون عن التعريف المناسب. كيف يمكن وصف عقيدة أوباما في السياسة الخارجية؟ كيف يمكن إعطاء تعريف لسياسة رئيس تسلم جائزة نوبل للسلام عشرة أيام فقط بعدما قرر إرسال 30 ألف جندي إضافي الى أفغانستان؟ هل هي »واقعية«, هل هي »مثالية«؟ مثال على شيزوفرينيا رئاسية« حسب تعبير الباحث والتر روسيل ميد, رئيس أوقف مجزرة مؤكدة في ليبيا, لكنه غض الطرف عن القمع في البحرين. وضع حداً كما وعد للحرب في العراق لكنه لم يغلق غوانتانامو، رغم أنه التزم بذلك أمام العالم كله عندما تلقى جائزة نوبل. السفير الأمريكي السابق مارتن انديك اختار وصفاً يلخص تناقضاته: »براغماتي تقدمي«, »باراك أوباما« واقعي في مقاربته... لكنه لا يقتصر فقط على رد الفعل تجاه الأحداث. لديه تصور قوي عن النقطة التي يريد أن يوصل إليها أمريكا والعالم«. زميله مايكل أوهانيون يفضل تعبير »واقعي رغماً عنه«. رايان ليزا من صحيفة »نيويوركر« يستعمل تعبيرا »نتائجيا« لتعريف الاتجاه للحكم على الأساس الأخلاقي للعمل وفقا لنتائجه. محلل آخر يرى أن أوباما يمد يده، يقيس رد فعل المعني ثم يقرر رد فعله مستشارو الرئيس يتحاشون الجواب عندما يطرح عليهم السؤال حول »عقيدة« أوباما. يقول دفيد السيلرود بنوع من الدعابة إنه »لا إيديولوجي ممارس«. ونفهم من تعليقاتهم أن أوباما ليست له عقيدة. يردون باستمرار أن »لكل وضعية عناصرها«. ويفضلون ترك قضية »العقيدة« للمؤرخين. السؤال طرح عليهم كثيراً بعد التدخل في ليبيا. هل يتعلق الأمر بسابقة؟ هل هي إعادة تحديد لشروط تدخل الولاياتالمتحدة في الخارج؟ في كل مرة ينفي الرجل الثاني في مجلس الأمن القومي الأمريكي قائلا: »نحن لا نتخذ قراراً حول قضية مثل التدخل على أساس انسجام أو سابقة. نقرر على أساس ما يمكن أن يحقق بأفضل الطرق، مصالحنا في المنطقة«. ربما الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي الرابع والأربعين أمام لجنة جائزة نوبل يوم 10 دجنبر 2009، يجدد بشكل أفضل تصوره. وبعد 94 يوماً من المناقشات داخل إدارته، اتخذ الرئيس أول قرار له حول أفغانستان، قسم »الإجاصة إلى نصفين« حسب تعبير والتر روسيل ميد، ضاعف أعداد القوات وأعلن في نفس الوقت سحب التعزيزات خلال 18 شهراً، أرسل مدنيين مهندسين وخبراء فلاحة معلنا في نفس الوقت، بأن بناء الدولة مهمة مستعجلة تضطلع بها الولاياتالمتحدة، قرار سياسي بامتياز، يرضي جزئياً الجنرالات وقادة الجيش ويرضي في نفس الوقت، القاعدة الانتخابية للديمقراطيين. في خطابه أمام لجنة نوبل, شرح تناقضات عالم تكون فيه الحرب »في بعض الأحيان ضرورية« في الوقت الذي هي »تعبير عن الجنون الإنساني«. خطاب مليء بالنبرات الأخلاقية التي تزعج زبيفنيو بريزينسكي (»إنه لا يضع الاستراتيجية، إنه يلقى مواعظ). ويذكر بأنه رئيس دولة في حرب، وأنه ملزم بالتعامل مع العالم »كما هو«. بعد سنتين، جاءت المأساة السورية لتذكر بحدود »الحرب الضرورية«، كما يراها أوباما. وخلافا للعملية التي نفذت ضد أسامة بن لادن، والتي تمت من جانب واحد في بلد له سيادة, فعقيدة أو لا عقيدة أوباما تقر أن أي تدخل في سوريا لا يمكن أن يتم إلا تحت إشراف دولي. ويصف هارون دفيد ميلر المفاوض السابق لبيل كلينتون في الشرق الأوسط، تصور البيت الأبيض كالتالي: »سنتحرك للمساعدة إذا أمكن، إذا كان هناك مبرر أخلاقي، إذا كان لنا حلفاء، وإذا كان ممكناً الخروج دون أن نغرق...«. صورة تشد أعصاب المحافظين الجدد، ويصف أحد كتاب الأعمدة في صحيفة »وول ستريت جورنال« بتهكم قائلا: »في سعيه المعلن لعدم قيادة العالم، نجحت إدارة أوباما بشكل رائع، لا أحد يستطيع الشك في الإضرار الأمريكي على عدم التحرك قبل الايطاليين أو بدون موافقة السعوديين، أو دون قرار من الأممالمتحدة« ولكن حيث يرى البعض نوعا من »التبعية« التي لا تستقيم مع القوة الأمريكية، يشير آخرون إلى وجود تكتيك ذكي بعدم الوضع في المقدمة في عالم يكون فيه التهديد حقيقيا. الإدارة الأمريكية تطورت، فبعد التعاون الكلي الذي يميز بداية الولاية مع الأولوية لمجموعة 20. فقد اكتشف أن العالم مازال يرغب في الدركي الأمريكي. يقول المؤرخ والمختص في الشؤون الأمريكية جوستان فايس» »اقتنع أوباما وكلينتون بأن لغة التواضع لا تعطي أرباحا. لقد عدلوا تصورهم للعالم وفق متطلبات الزعامة« «ويرى الباحث، الذي نشر كتابا تحت عنوان «»السياسة الخارجية لباراك أوباما»«, أن الكلمة الأساسية لسياسة أوباما الخارجية هي كلمة »محور« ,حتى قبل وصوله الى البيت الأبيض كان قد قرر الانتهاء من العراق وتحويل مركز الدبلوماسية الأمريكية نحو منطقة آسيا - المحيط الهادي »(وليس فقط نحو آسيا، بل أيضا تحويل القضايا الأمنية نحو المشاكل الاقتصادية الشاملة، من الأحادية و اليد القوية نحو التعاون واليد الممدودة من الشرق الأوسط نحو العالم الصاعد بشكل عام«) ويذكر الباحث أن مرحلة جديدة بدأت وهي الثالثة بعد الحرب الباردة، وبعد مرحلة تدبير تفكيك الإمبراطورية السوفياتية، وبعد عشرية 11 شتنبر 2001 التي انتهت بمقتل أسامة بن لادن وبداية »الثورات العربية« (ولكن خلال هذه الفترة كانت الصين تدفع ببيادقها على الرقعة, بينما كانت الولاياتالمتحدة غارقة في الأزمة المالية). والمرحلة التي بدأت ستكون مرحلة »إعادة صياغة الزعامة الأمريكية« في عالم تغير كثيرا. باراك أوباما بدأ ولايته بسرعة كبيرة من خلال سلسلة من الخطب كانت تفاصيلها معدة منذ مدة، في براغ حدد هدفه في قيام عالم بدون أسلحة نووية. في غانا دعا الأفارقة إلى أخذ مصيرهم بأيديهم، ارتكز على قوى متوسطة: كوريا الجنوبية، تركيا، اندونسيا. في القاهرة اعترف بأن القضية الإسرائيلية / الفلسطينية هي محور العلاقة بين العالم الإسلامي والولاياتالمتحدة، قبلها ذهب أوباما إلى السعودية للتعبير عن تقديره للملك عبد الله, أول فشل: العاهل السعودي غير مستعد للقيام بالإشارات التي كان يتوقعها الأمريكيون. يقول مارتن انديك» »أوباما كان يريد التحليق بعيدا وعاليا، لكن الواقع لحق به. ومحاولة الوساطة الأمريكية في الصراع في الشرق الأوسط تبقى اعنف فشل له» وحسب الدبلوماسي مارتن إنديك، فإن باراك أوباما ليس مستعدا للانخراط سريعا في هذا الملف، والولاياتالمتحدة لم تعد تستورد أكثر من10%من حاجياتها البترولية من منطقة الشرق الأوسط. أسبوعان بعد خطاب القاهرة ليوم 5 يونيه 2009، خرج الإيرانيون الى الشوارع. فاجأ الحدث كليا باراك أوباما. وبينما كان يمجد تطلعات الشعوب للتحرر من القيود، بعث برسالة سرية، ثم رسالة ثانية إلى المرشد الأعلى الإيراني خامينئي يقترح عليه التهدئة, تلاها شلل قاتل لمدة أسبوع لم يقم بأي رد فعل، كما لو أنه لم يتمكن من الاقتناع بأن مخططاته لم تنجح. ويشير جوستان فيس بأن »العديد من المؤشرات توضح أنه أعطى الأولوية للملف النووي, فأوباما محرر غامض«. رد الفعل تجاه «»الربيع العربي«« نوقش داخل فريقه، كما يحكي جيمس مان في كتاب حول الحرس المقرب للرئيس، وحكومته منقسمة بين الصقور الإنسانيين (سوزان رايس، سامانتا باور، مايكل ماكفول) والواقعيين (روبيرغيش، توم دونيلون، دنيس ماكدونوغ). وفي كل الأحوال أوباماهو الذي يحسم، لم يسبق لرئيس أن انخرط شخصيا الى درجة أنه أملى بنفسه عبارات العملية في افغانستان, في مذكرة من ست صفحات، وهو ما سمح له بالتخلي عن حسني مبارك بعد أقل من ستة أشهر على استقباله بالبيت الأبيض. حتى النجاح البارز لأوباما نجاح سياسي: تغيير النموذج الذي يعطي للديمقراطيين ضعفا بنيويا في مجال الأمن القومي. وهذه الظاهرة من شأنها أن تعيد تشكيل الطبيعة الانتخابية لسنوات. ربما الرجل الذي يسكن اليوم البيت الأبيض، واستاذ القانون الدستوري السابق في جامعة شيكاغو، لم يتوقع أن يكون « »رئيس الحرب»« الذي أصبحه، والعالم غير أوباما أكثر مما غير أوباما العام).