في قديم الزمان ، وفي إحدى قرى الأطلس ، كانت هناك فتاة جميلة تدعى « تيسليت « وقع في حبها شاب يسمى « إيسلي « ينتمي إلى قبيلة أخرى معادية لقبيلة الشابة ، وبسبب قصة الحب هذه ازدادت العداوة بين القبيلتين ونشأت بينهما حربا طاحنة ، مما أدى بالحبيبين إلى فرار كل واحد منهما إلى جبل ، والجبلان متقابلين ، فظلت هي تبكي ، وهو كذلك ، بدموع غزيرة كانت هي منشأ «واد إيسلان» ، التي تعني العروسان ، وهو الواد الذي أصبح لاحقا قبلة العشاق بالمنطقة إلى يومنا هذا خوصا خلال موسم الخطوبة بإميلشيل هذه الأسطورة ألهمت الكاتب المسرحي سعد الله عبد المجيد الذي ألف مسرحية تحت عنوان « تيسليت « والتي سيخرجها سنة 2003 عبد الإله عاجل كثاني مسرحية له ضمن «مسرح الكاف» بعد مسرحية «بوتليس» كما تمت الإشارة إلى ذلك في الحلقة السابقة كان النص المسرحي الذي سلمه عبد المجيد سعد الله إلى عاجل مكتوبا بخط اليد ، ماتزال النسخة موجودة إلى حدود الآن ، حوالي 160 صفحة ، وبين كل مشهد وآخر لوحات مرسومة تبلغ جميعها حوالي 10 صفحات بالإضافة إلى ملخص للمسرحية كانت الإشكالية التي واجهت عاجل خلال إخراجه لمسرحية « تيسليت « تتجلى في أن المشاهد عبارة عن لوحات تتغير بسرعة وفي رمشة ، ولإيجاد حل تقني لذلك سيلجأ إلى تقنية خيال الظل الملون التي تعتمد في تطبيقها على قوانين فيزيائية وكيميائية على شاكلة ديكور مكمل لخلفية الصورة يمتد من 11 إلى 90 درجة وضع عاجل ملف المسرحية لدى لجنة الدعم التي وافقت على ذلك ، لكن أعضاء اللجنة واجهتهم مشكلة في تحديد مبلغ الدعم الضروري للمسرحية ، فاتصل أحمد الصعري ، عضو اللجنة المكلف بالاتصال بالفرق المسرحية ، بعبد الإله عاجل ووضح له أن التقنية التي يريد استعمالها في ديكور المسرحية ، تقنية جديدة ولم يسبق لأعضاء اللجنة أن تعاملوا معها ، ولذلك فهم بحاجة إلى توضيحات أخرى مفصلة تتضمن أيضا التكلفة المادية للأدوات التي سيتم استعمالها . قدم عاجل لأعضاء اللجنة ما طلبوا منه لتحظى المسرحية بدعم وصل إلى 11 مليون سنتيم ، أكثر من الدعم الذي حصلت عليه مسرحية بوتليس الذي وصل حينها إلى 9 ملايين سنتيم خلال العرض الاول للمسرحية ، الذي تم في مركب مولاي رشيد بالدار البيضاء ، حضرت لجنة الدعم التي كانت مكونة من أحمد الصعري ، عبد اللطيف هلال ، حسن النفالي وعبد الرزاق البدوي ، واستغلت الفرصة لمعاينة هذا الديكور، الذي رغم تعقده إلا أنه ديكورا صغير الحجم يسهل نقله وهو ما أثار إعجابهم شارك في المسرحية إلى جانب عبد الإله عاجل كل من عبد اللطيف الخمولي ، الزوهرة نجوم ، حنان الإبراهيمي وسعيد لهليل استمرت التداريب حوالي ثلاثة أشهر، وقد كان على الممثلين خلال المسرحية ضبط تحركاتهم بشكل آلي لتشبه تحركات الدمى ، وهكذا سيطلب عاجل من سعيد لهليل مثلا أن يضع جبيرة حول عنقه لتساعده على التعود على حركة الدمية ، كانت الملابس والماكياج الذي تم استعماله في هذه المسرحية يشبه نوعا من المسرح معروف في اليابان باسم مسرح الكابوكي ، حيث يشخص الرجل دور المرأة باللجوء إلى الماكياج ، ويمكن لممثل واحد أن يؤدي سبعة أدوار ، الشيء الذي جعل سعيد لهليل يقترح أن يسمى نظيره في المغرب مسرح التقنزيز ، بعد مرحلة التداريب حصل الانسجام اللازم بين الممثلين وحان موعد بدء العروض بدأ الاستعداد للمشاركة في المهرجان الوطني للمسرح بمكناس ، الذي كان آنذاك قد وصل إلى دورته الخامسة ، يوم السفر ، وكان ذلك حوالي الثامنة صباحا ، انطلاقا من المركب الثقافي مولاي رشيد بالدار البيضاء ، تم إحضار سيارة نصف شحن ، «صطافيط» لنقل الديكور ، تأكد عاجل من إتمام المهمة بنجاح ، وتوجهت الفرقة إلى العاصمة الإسماعيلية ، ليبدأوا مباشرة في وضع اللمسات الأولية فإذا بهم يفاجأوا بعدم وجود خمس بذل خاصة بالدور الذي ستؤديه الزوهرة نجوم ، رغم أن عاجل متأكد أنهم حملوها من قاعة الملابس بالمركب الثقافي ووضعوها في السيارة ، ليبقى التفسير الوحيد لعدم وصولها إلى مكناس هوأن يدا امتدت إليها ذلك الصباح ، يد تريد أن تعرقل عرض المسرحية وتحرمها من النجاح الذي تسعى إليه أصاب ذلك الزوهرة نجوم بانهيار وأصبحت تبكي بشكل هستيري ، فهي لن تستطيع أن تصعد إلى الخشبة بدون الملابس الخاصة بالدور، والمسرحية لا يمكن أن تعرض بدونها ، عاجل حاول إيجاد حل وبسرعة فقام الاتصال بأخيه محمد لكن الهاتف الخلوي كان يخبره أن رصيده لا يسمح بإجراء مكالمة ، وهو شيء غير منطقي فالليلة الماضية عبأه ب200 درهم ، وتحت وطأة الغضب رمى الهاتف بقوة فانشطر إلى ثلاثة أجزاء ، لكنه لم يصب بعطب لأنه رماه فوق موكيط ، بعد أن هدأت أعصابه أعاد تركيب الهاتف فكانت المفاجأة أنه اشتغل فاتصل بأخيه وطلب منه أن يذهب مباشرة إلى المركب الثقافي ويتصل بالحارس ويبحث عن ملابس الزوهرة .. أخبره محمد أن سيارته أصيبت بعطب فطلب منه أن يتصل بأخيهما الآخر عبد الحق ويذهبان بسيارة هذا الأخيرن وعندما يجدان الملابس يتوجهان مباشرة إلى مكناس ، شريطة أن يتكفل محمد بالسياقة لأن عبد الحق ، الذي يعيش بفرنسا ، لن يسوق بسرعة تكفي لكي يصلا في الوقت المناسب إلى العاصمة الإسماعيلية ، والوقت كان شيئا ثمينا آنذاك عثر الأخوان على الثياب مرمية في الدرج ، وهو ما زاد عاجل اقتناعا بأن ذلك من فعل فاعل ، فلو كانوا نسوها لظلت في مستودع الملابس ، وفعلا توجها إلى مكناس التي وصلوها حوالي الرابعة والنصف بعد الزوال ، أي قبل نصف ساعة من بداية العرض ، الزوهرة ، التي رفضت وضع الماكياج قبل حضور الملابس ، تنفست عندها الصعداء وعادت الطمأنينة ومعها الحيوية إلى باقي أعضاء الفرقة حظيت المسرحية باستقبال كبير ونالت إعجاب المشاهدين ، ومن مجموع جوائز المهرجان السبعة حصلت « تيسليت» على أربعة جوائز، وهي جائزة أحسن نص مسرحي التي فاز بها الكاتب سعد الله عبد المجيد ، جائزة أحسن إخراج التي فاز بها عبد الإله عاجل ، جائزة الأمل التي فازت بها حنان الإبراهيمي ثم الجائزة الكبرى لأحسن عرض متكامل ، كما حظيت بتغطية إعلامية مهمة وكان عنوان إحدى الجرائد التي كتبت عنها « المسرحية التي حصدت جوائز المهرجان»، ومن ضمن أعضاء لجنة التحكيم الذين منحوا المسرحية كل هذه الجوائز، الراحل محمد سكري ، الذي أعجب بهذا العمل أيما إعجاب ، وعبر عن ذلك لعدد كبير من أصدقائه وزملائه خلال وبعد نهاية المهرجان وقد عرضت المسرحية أزيد من 25 مرة ، وحظيت جميعها بإعجاب المشاهدين