الكتاب الناجحون ليسوا بالضرورة أولئك البشعين، ببطون مترهلة كما تحاول الصورة النمطية أن تنقل، بل بوسع الكتاب أن يملكوا أجسادا أنيقة أيضا، بل وأن يجعلوا تخففها موضوعا للكتابة والإبداع، تلك هي القناعة التي وصل لها الكاتب الياباني الشهير هاروكي موراكامي، لما كان في سن الثالثة و الثلاثين، وتوقف عن التدخين وبلع المثلجات والسهر (كان يدخن ثلاث علب سجائر)، ووضع قدميه في حذاء الرياضي، وبدأ يسابق الريح من يومها. وحدث في فاتح أبريل سنة 1978، أن قرر موراكامي بيع نادي الجاز -الذي كان يملكه رفقة زوجته-ليكتب رواية، لكنه اكتشف وهو جالس على كرسيه طاولته، أنه بدأ في اكتساب الوزن تدريجيا، ما دفعه للانطلاق في بناء جسده، وهو الأمر الذي ما ندم عليه قط، بل وبدونه لما كانت كتاباته كما هي ، فالجري مكنه من تربية صبره وتجاوز نفسه وقدراته، كتب: «الجري هو فن الاستهلاك الأمثل للقدرات الذاتية، وهو أيضا مبدأ الحياة، وفي الكتابة أيضا عندي.» يأتي ذلك في كتابه «السيرة الذاتية لعداء المسافات الطويلة»، الذي خصص لتأمل ذاته كعداء، وجسده كواحد موحد، بعثه على هذا الكتاب، الجملة التي كان قد قرأها في جدار القاعة الرياضية في طوكيو التي بدأ تمارينه فيها، حيثُ طبع على الحائط عبارة: «يصعب اكتساب العضلات ويسهل خسارتها، كما يسهُل اكتساب الدهون ويصعب خسارتها». وهو يجري منذ ذلك بمعدل عشر كيلومترات في اليوم، لست أيام في الأسبوع، وماراثون من 100 كيلومتر سنويا، موسيقى الروك في أذنيه، بدون التفكير في خط النهاية، كما في الحياة، فالجري لا يحصل قيمته في خط النهاية، بل في الطريق إليه. أقوى تجربة جسدية عاشها وركز عليها في سيرته، هي تجربة الألترا مارتون 100 كيلومتر شمال اليابان، في سنة 1996، حيث وصل للنهاية لكن أطرافه شكلت جوقا فوضيا نتيجة الارهاق، وكتب فصلا عن معاناته من أجل الوصول، و التحدي الذي كان قد وصل لحدوده القصوى، تحدي نفسه لا الآخرين، ليخلص: «ما يجعلنا نشعر بأننا أحياء هو المعاناة التي نسعى إلى تخطيها». ويوصف صاحب رواية كافكا على الشاطئ، حالته لما يكون مندمجا في جذبته الرياضية بالقول: «تقريبا في تلك اللحظة، يولد ويتضخم داخلي انطباع جديد، شيء يمكنني أن أوصفه بأنني أقبل التحدي وأجد داخلي القوة، وأصارع؛ سعادة ذاتية قصوى، ارتخاء في أمثل حالاته، تلك الحالة من تخفيف الضغط أقوى من أي احساس آخر بالمتعة، وكأن عقدة قوية داخلي تنفك، شيئا فشيئا.» اختلاط الكتابة بالعدو في الحياة الابداعية -لهذا الروائي القياسي المبيعات-، جعلته يوصي بأن يكتب على قبره إلى جانب اسمه «كاتب و(عداء)»، وشدد على أن توضع كلمة عداء بين القوسين، فهو في الأصل كاتب، والتأليف أيضا مجهود جسدي يولد عبر دينامية من الجهد.. لكن بدون ذات القوسين، لما خُففت الأولى منهما، وهو ما يعترف به لما يقول «لو لم أقرر أن أركض مسافات طويلة لكانت الكتب التي وضعتها مختلفة جدا».