يعيش المغرب مفارقة غريبة في مجال الطباعة، فبينما يحتل موقعا عالميا متميزا في مجال طباعة الأوراق النقدية والطوابع البريدية وجوازات السفر وبطائق التعريف البيومترية، فإنه يعتمد بشكل كبير على المطابع الأجنبية في طباعة الكتب المدرسية المقررة في المستويين الابتدائي والإعدادي التي يقدر عددها بحوالي 28 مليون نسخة، والتي يصل رقم معاملاتها إلى ما يزيد عن 28 مليار سنتيم منها أكثر من 20 مليار سنتيم تدفع بالعملة الصعبة للمطابع الأجنبية. المفارقة الغريبة لها كلفة اقتصادية ما أحوج المغرب إليها في هذه الظرفية الصعبة المتميزة بتفاقم العجز التجاري، وتراجع مستوى الموجودات من العملة الصعبة، ولها كذلك كلفة اجتماعية لأنها تحول دون توفير المئات من مناصب الشغل القار، بل لها كلفة ثقافية لأنها تحول دون توفير شروط تقليص كلفة طبع الكتاب الثقافي. ما الذي ينقص لكي يتحول المغرب من زبون يعتمد على المطابع الأجنبية في سد حاجياته من الكتب المدرسية إلى منتج يغطي الحاجيات الوطنية وحاجيات دول الجوار؟ . الذي ينقص هو القرار السياسي الذي يضمن الاستثمار ويحدد المسؤوليات، وخاصة منها تلك المرتبطة بتحسين جودة الطباعة وبإقرار أسعار في نفس المستويات المعمول بها عند الطبع في الخارج. القرار السياسي المطلوب اتخاذه من طرف الوزير الوصي على القطاع ستكون له انعكاسات إيجابية على كافة المستويات، ولعل أبرزها هو الحصول على الاستقلالية ووضع حد لمخاطر حرمان التلاميذ من الكتب المدرسية في حال تعرض المطابع الأجنبية لأوضاع تحول دون الوفاء بالتزاماتها تجاه الناشرين المغاربة أو في حال شل الحركة ببعض الموانئ الأوربية. المستوى الثاني يتمثل في كون الطباعة بالداخل تؤمن طبع الكميات الصغيرة في فترات زمنية قصيرة بينما الطباعة في الخارج لا تكون ممكنة ومربحة إلا في حالية الكميات الكبيرة، وخاصة منها الكتب الخمسة المقررة في السنة أولى ابتدائي والتي يصل مجموعها إلى حوالي 2 مليون نسخة. من المحقق أن القدرة الإنتاجية الحالية للمطابع المغربية لا تسمح بطبع حوالي 28 مليون نسخة ما بين يونيو وشتنبر من كل سنة باعتبار أن المصادقة على المقررات الجديدة غالبا ما تكون في بداية يونيو، ولكن المعلومات المستقاة من المهنيين تؤكد أن كل المطابع، بما فيها المطابع المخصصة لطباعة الجرائد، قادرة على أن تتحول إلى وحدات لطبع الكتاب المدرسي، وحتى إذا تعذر على البعض منها الاستثمار في التجهيزات المكملة، فإنه يمكنها الاستفادة من علاقات المناولة مع المطابع الكبرى المتوفرة حاليا. وترى نفس المصادر أن الظرفية ملائمة جدا للاستثمار في القطاع لأن الأزمة الاقتصادية العالمية أدت إلى انخفاض أسعار تجهيزات الطباعة بما فيها الجديدة والمستعملة، وحتى المستعمل منها صار يسوق بأسعار محفزة مع ضمانة من طرف الشركة الأم، نفس المصادر ترى أن اتخاذ قرار طبع كل الكتب المدرسية المقررة في المستويين الابتدائي والإعدادي سوف لن يكلف الدولة ولو سنتيما واحدا، ولكنه سيمكن قطاع المطابع من استغلال مرحلة الأزمة في الاستثمار المضمون الربح وسيعطي للمغرب فرصة التخفيف من العجز التجاري، إذ فضلا عن كلفة الطباعة التي تؤدى بالعملة الصعبة، فإن تزايد الطلب المغربي سيساعد على تكوين تعاونيات لاستيراد الورق ومواد الطباعة بكلفة منخفضة، بل إنه سيحيي مشروع صناعة الورق بالمغرب وسيفتح آفاقا جديدة أمام كل المهن التي لها علاقة بالكتاب المدرسي، وخاصة منها صناعة الورق المقوى وخدمات النقل، فضلا عن كونها ستؤمن توظيف خريجي المعاهد التقنية لفنون الطباعة. إن القرار السياسي الذي جعل المغرب في مصاف الدول المتقدمة في مجال طباعة الأوراق النقدية وجوازات السفر، قادر على أن يضح حدا لهيمنة اللوبيات المستفيدة من الطباعة في الخارج، ويحول المغرب إلى مركز لطباعة الكتب المدرسية المستعملة في دول شمال إفريقيا، فهل الحكومة جاهزة للتحاور مع الأطراف المعنية حول الحقوق والواجبات التي تؤمن الانتقال السلس والسريع من تكبد الخسائر المادية والمعنوية المترتبة عن طبع الكتاب المدرسي في الخارج إلى الشروع في جني ثمار طباعته داخل أرض الوطن؟