لم أفهم شخصيا الطمأنينة التي يتحدث بها الرسميون المغاربة، وهم ينقلون إلينا الخبر الحدث، الخاص بفتح صندوق النقد الدولي للقرض لفائدة المغرب يفوق 600 مليار درهم.. وسؤالي البسيط، كعبد ضعيف إلى ربه، وتواق إلى مغفرته في هذا الشهر المبارك، هو: هل البلاد التي تحتاج إلى «ضمانة» مالية بهذا القدر يقدمها صندوق النقد الدولي، تعتبر بلدا قابلة للفرح والزغاريد؟ وهل بلغت الوضعية كل هذا الحرج، إلى درجة أن أكبر قرض، ربما في تاريخ البلاد في العشرينية أو الثلاثينية الأخيرة، هو الوحيد لكي يدخل البسمة على الوزراء ومقدمة النشرة الإخبارية والمدافعين عن التدبير الحالي؟ طبعا، لا أجد جوابا، وأفكر مثل رب أسرة: لنفترض أنك حصلت على دين مفتوح من طرف البنك، وقد يبلغ مثلا 5 آلاف درهم! وأن هذا التسبيق أو التسهيلات البنكية، كما يقول كل ذوي الدخل المحدود، أمنح لك وأنت تعيش أزمة مركبة، الوالدة في المستشفى، والأخ الصغير يريد رخصة السياقة من أجل مهنة حرة، والابنة تنتظر مصاريف المدرسة و«مول لكرا» مازال ينتظر سومة شهرين متتاليين؟ ماذا ستفعل؟ ستفعل ما سيفعله البركة بعد أيام هو ورئيس الحكومة؟ ستستعمل التسبيق أو التسهيلات البنكية، ثم تستعملها إلى حين يسحبون منك البطاقة البنكية الممغنطة.. هل سيحدث ذلك للحكومة؟ الحكومة تواجه أولا، ضعفا في الاستثمارات الخارجية المباشرة، ووحدها الصحف الحكومية تبشرنا «بانتعاش كبير في الاستثمارات» يوما واحدا بعد خطاب الملك الذي يدعو فيه الحكومة إلى البحث عن التمويلات الخارجية والخليجية. الحكومة تواجه نقصا غير مسبوق في السيولة، والحكومة تسرب إلى الصحافة بأن الأمر فيه مؤامرة على الحكومة وأن الموضوع كله «مفبرك» (كذا) ويريد «خنق الحكومة بنكيرانية»، والحال هو كيف يمكن لشيء مفبرك أن يخنق حكومة، اللهم إذا كانت هي افتراضية كلها! الحكومة تواجه لأول مرة في تاريخ البلاد عجزا في ثقة المستثمرين في سندات بنك المغرب، وهو وحده دليل على الأجواء الحاصلة في البلاد اليوم؟ الحكومة تواجه أزمة القروض والتفاوتات بين الودائع وبين المبالغ المتداولة في السوق.. أي أنها تواجه أزمة رب الأسرة الذي يجد الوالدة والوالد والشقيق والابنة في لحظة طلب عاجل للمال وسد الحاجيات.. نتمنى ألا تسحب منها بطاقة الائتمان. لكن الواضح الآن هو أن الحكومة وضعت أول خطوة على طريق الاقتراض الكبير، وبذلك دخلت إلى دوامتها وإلى كماشة صندوق النقد الدولي، الذي لم نتخلص من نكده إلى أن جاء التناوب السياسي وحكومته التي وضعت من أولوياتها سيادة القرار المالي للبلاد. ولا يمكن أن نفرض على أنفسنا الخوف بالفعل من سيادة المغرب على قراره المالي، حتى ولو كنا الدولة الوحيدة، في المغرب الكبير أو في المشرق العربي التي حصلت على هذه «الدفعة» من الهواء المالي الدولي.. لحد الساعة تقول الحكومة إنها لن تستعمل هذه الأموال، وأنها مجرد ورقة للتطمين . وبالدارجة «الضامن بشكارتو»، والحكومة اليوم مثل الذي يتوجه إلى «مول الحانوت» ويطلب ما يريد ثم يخاطب صاحب الدكان بالقول «فلوسي في الدار ما تخافش»! وغالبا ما يبتسم الزبون في هذه الحالة لطمأنة بائع ينظر إليه بارتياب كبير وهو يقول «مللي عندك الفلوس ف الدار علاش ما هازهاش معاك»!! ومع ذلك، تبقى أغلى ابتسامة في العالم وفي تاريخه هي ابتسامة بن كيران والتي تبلغ 600 مليار درهم! فلن تساوي أمامها ابتسامة الموناليزا فلسا. 600 مليار درهم ، فقط لا غير!