خلال ثلاثين سنة فقط، سيصبح هذا المرض الغريب و المخيف، حين ظهر أول مرة في ثمانينات القرن الماضي، مرضا قابلا للعلاج، حيث يتعايش معه ملايين المرضى حاليا بشكل شبه عادي في انتظار إيجاد الللقاح القاضي عليه تماما. فقد تم الكشف عن مرض السيدا أول مرة سنة 1981. و خلال عشر سنوات التالية تم التركيز على سبل الوقاية منه، فيما سمح العقد الموالي بتطوير الأدوية القادرة على تجميد فيروسات هذا المرض القتال، بينما كان الهدف خلال السنوات العشر الأخيرة، وهو هدف أصبح قريب النوال، اختراع دواء شاف و تمكين جميع المرضى ،بمن فيهم مرضى الدول النامية، منه. وعلى عكس الأوبئة الأخرى، يلقى وباء السيدا اهتماما وتعبئة غير مسبوقين عبر العالم، ربما بسبب انتشاره في الدول الفقيرة والغنية على السواء، أو بسبب ارتباطه بالجنس. وقد كان الطريق صعبا و شاقا، يتسم حينا بتقدم معين و حينا آخر بالتراجع، بيد أن العالم قد التزم وتعبأ من أجل السيطرة على هذا المرض الفتاك. فالعشرية التي نعيشها تستهدف القضاء التام على وباء السيدا، أي القضاء على الفيروس المسبب للالتهاب. و هذا هو موضوع و لب المؤتمر الدولي التاسع عشر حول المرض الذي تم افتتاحه الأحد الماضي بواشنطن. بعد مؤتمر فيينا سنة 2010 و قبل مؤتمر ملبورن سنة 2014 ، ينعقد مؤتمر واشنطن العالمي حول السيدا، و هو مؤتمر ضخم ينعقد في لحظة تاريخية، إذ يؤكد جميع الخبراء أنه أصبح بالإمكان السيطرة على المرض. «قلب منحى الوباء للتوصل إلى جيل محرر من السيدا» ،هذا هو الموضوع الرئيسي للمؤتمر الكبير الذي ينعقد ما بين 22 و 27 يوليوز، بمشاركة حوالي 25 ألف خبير قادمين من 190 بلدا، من ضمنهم إضافة إلى الخبراء الباحثين شخصيات سياسية وأخرى من عالم الفن و الفرجة و مناضلي مكافحة السيدا. فمن ضمن الحضور زوج مهم جدا هو «بيل« و«هيلاري كلينتون» إضافة إلى عشرات الوزراء الأولين و رؤساء الدول، إضافة إلى خطاب من «أونغ سان سو كي» زعيمة المعارضة البيرمانية، ويعتقد الخبراء أنه بفضل ترسانة الأدوية المكتشفة واستراتيجية تقديمها أصبح منذ الآن من المتوقع القضاء على هذا الوباء المدمر، الذي تسبب في وفاة ثلاثين مليون شخص خلال ثلاثين عاما.فيما يعيش اليوم 35 مليون شخص عبر العالم? 97 بالمائة منهم يوجدون في بلدان ذات دخل محدود أو متوسط? حاملين لفيروس هذا المرض الخطير ومتعايشين معه. وفي هذا الصدد صرح الدكتور «أنطوني فاوسي» مدير المعهد الأمريكي للحساسيات والأمراض الالتهابية : يمكننا القول اليوم بثقة أننا قد وضعنا القواعد العلمية للقضاء على هذا الوباء, لا نعرف متى سنتوصل لذلك. كل ما يمكننا قوله، هو أن العلم بجانبنا... و أننا بدأنا ننظر إلى نهاية النفق» ويأمل الدكتور «فاوسي» من جهة ثانية في أن تتمكن الأدوية المقدمة للأشخاص غير المصابين والذين يربطون علاقات جنسية خطيرة (مثل بائعات الجنس أو مثليي الجنس)، من تقليص العدوى.و في هذا الصدد تم الترخيص في الولاياتالمتحدة لدواء من هذا القبيل يسمى «تروفادا». ومن شأن هذا الدواء أن يقلص بنسبة 75 بالمائة إمكانية الإصابة بالعدوى بالنسبة للأشخاص السليمين المرتبطين بالمرضى. و لا زال هذا الدواء ينتظر الترخيص له في أوربا. كما يمر القضاء على الوباء بضرورة معالجة جميع المرضى إذ من شأن علاجهم التقليل من معدلات العدوى وبالتالي تقليص انتشار المرض, من جهتها تقول السيدة «باري سينوسي» الحائزة على جائزة نوبل للطب بفضل اكتشافها سنة 2008 لفيروس السيدا :» يقول لنا العلم منذ وقت معين بأنه من الممكن واقعيا علاج السيدا و بأن الوقت قد حان لمحاولة إنجاز وسيلة للتوصل إلى العلاج». وفي هذا السياق أيضا يقول «بان كي مون» الأمين العام للأمم المتحدة أن عقدا واحدا من العلاج ضد الفيروس «قد حول الإصابة بالفيروس من حكم بالإعدام بالنسبة للمصابين إلى مرض مزمن قابل للتعايش» يقول أحد الباحثين أنه بالإمكان حاليا العيش رغم حمل الفيروس شريطة اتباع النظام العلاجي بشكل منتظم لكن ما أن يتوقف المريض عن تناول الدواء حتى يعود الفيروس و يتكاثر من جديد والسبب، هو أن الفيروس يبقى كامنا في خزانات الجسد (الغدد اللمفاوية ...) , لكن كيف يمكن إفراغ هذه الخزانات بحيث لا يبقى المريض مجبرا دوما على تلقي العلاج مدى الحياة؟ يقول البروفيسور «ديلفريسي»: «لدينا نماذج، لقد أخذنا مرضى تم علاجهم بعد بضعة أيام على إصابتهم، و قد تلقى هؤلاء المرضى? حوالي 15 مصابا ? العلاج مدة ثلاث سنوات تقريبا، و حين توقفوا عن تناول الدواء ظل الأمر عاديا و تحت السيطرة» ففي كافة الأحوال يكون المعالج قد شُفي تماما أو على الأقل شُفي وظيفيا بمعنى أن الشخص يبقى حاملا للفيروس لكنه فيروس لا يتزايد. وحسب الأرقام الأخيرة ل»أونيسيدا» التي تم نشرها الأربعاء الماضي، فإن أكثر من 8 ملايين شخص مصاب بالفيروس تناولوا حتى متم سنة 2011 أدوية مضادة للفيروس، وهو ما يشكل ارتفاعا بنسبة 20 بالمائة عن السنة التي قبلها مما أدى إلى تخفيض نسبة الوفيات ضمن هذه الشريحة بمعدل 24 بالمائة حسب أرقام الأممالمتحدة، و هو أمر محمود و مشجع. تم الإعداد من صحيفتي «لوموند» و«ليبراسيون» الفرنسيتين المال،المضاد الحيوي للفيروس قبل عشر سنوات ،في سنة 2002 و خلال مؤتمر برشلونة، وضع المنتظم الدولي على السكة، الصندوق العالمي لمكافحة السيدا و السل و الملاريا، و هي بنية غير مسبوقة لجمع المال من أجل محاربة هذه الأوبئة الثلاثة . وفي سنة 2012 ، كُلًل هذا المسعى بالنجاح، فلم يسبق أبدا أن كان التضامن العالمي بهذا الشكل الواسع من أجل قضية صحية. وهكذا خلال عشر سنوات،تمكن الصندوق من جمع مساعدات بلغت 22,6 مليار دولار موزعة على أكثر من ألف برنامج منتشر في 150 بلدا. و ليس هذا فقط، فإلى جانب هذه المساعدات المتعددة الأطراف، هناك مساعدات ثنائية، ضخمة في بعض الأحيان، على غرار البرنامج الأمريكي «بيبفار» (مخطط الرئيس الاستعجالي لعلاج السيدا) الذي تم إنشاؤه سنة 2003 و الذي قدم 48 مليار دولار خلال خمس سنوات. إضافة إلى نشاط عدة مؤسسات مثل مؤسسة بيل كلينتون. والخلاصة ما قاله البروفيسور «ميشيل كازاتشكين» المدير السابق للصندوق العالمي : «لدينا اليقين بأنه من الممكن السيطرة على الوباء،طالما أن الموارد متوفرة». و السؤال هل بالإمكان الوصول لذلك؟ يقدر الخبراء اليوم المبالغ التي يتم إنفاقها كل عام حول السيدا بحوالي 16 مليار دولار، « وهو أمر مشجع خاصة وأن 8 ملايير تأتي من الحكومات نفسها و |8 ملايير أخرى تأتي من المساعدات الدولية. «فالدول، بما في ذلك الفقيرة منها، بذلت وتبذل جهودا جبارة. فقد زادت من حصتها لكن هذا يعني أننا بحاجة ماسة للمساعدة الدولية» بيد أن السؤال هو ما إذا كانت هذه المساعدات ستقاوم الأزمة المالية؟ «أشعر بقلق شديد حول تراجع التعبئة السياسية لدى الدول المحركة، يقول كازاتشين، و المثال على ما أقول هو أن الدول الأوربية منقسمة في مقاربتها، ففرنسا وهي إحدى أكبر الدول المانحة التزمت الصمت,و في المقابل فإن إيطاليا لم تعد تدفع حصتها وكذلك إسبانيا. وخلال الاجتماع الأخير لمجموعة العشرين فإن التصريح المشترك لم يتوقف كثيرا عند موضوع مكافحة السيدا.و الأسوأ من هذا أن الدول المدعوة «بريكس» (البرازيل، روسيا، الهند، الصين،و إفريقيا الجنوبية) و التي كان يُتوقع منها الكثير، تتقوقع اليوم داخل حدودها غير راغبة في الالتزام بمساعدة الدول الأخرى,»فمنذ 2009 توقف مستوى المساعدات الدولية» يقول البروفيسور كازاتشكين. بيد أن هذا ليس هو رأي المدير الحالي للصندوق العالمي ، البرازيلي غابرييل جاراميو : «أنا متفائل، فالصندوق العالمي سيستثمر 8 مليار دولار خلال الأشهر العشرين القادمة، من بينها خمسة ملايير في إفريقيا» مضيفا أن الأمر «يتعلق بفرصة استثنائية، خاصة بفضل أرباح المردودية من الاستثمارات المشتركة مع الدول المستفيدة.و باعتباري بنكيا سابقا فإني أستطيع معرفة الصفقة المربحة حينما أراها» لكن ينبغي التأكيد على أن يتم استعمال هذا المال بشكل جيد و على أن يتوجه للوجهة الصحيحة. فبعد ثلاث قضايا من قضايا الفساد، أنهى الصندوق العالمي افتحاصا داخليا فتبين أن «3 بالمائة من القروض الموجهة ما بين 2005 و 2012 كانت موضوع نفقات مبالغ فيها أو اختلاسات أو أخطاء محاسباتية» ومع ذلك يقول البروفسور «جون بول مواتي» اقتصادي الصحة «أننا نتفق جميعا على أن هذا الظرف ظرف خاص,فمع الأدوات التي نملكها حاليا، بالإمكان الحديث عن القضاء على الفيروس أو على الأقل وضعه تحت السيطرة. ونعلم أن هذا الأمر يتطلب حوالي عشرة ملايير دولار سنويا من أجل الوصول إلى تغطية شاملة وهو أمر ممكن جدا». ويبدو أن التوافق موجود بين علماء الشمال و علماء الجنوب. صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية عدد22 يوليوز 2012