حافلة منقلبة على جانبها الأيسر على طول طريق افسو غرب الناظور منهم من قضى نحبه فورا، ومنهم من انتظر حتى تمارس عليه تقنية الإهمال المتعارف عليه محليا. الى جانب من سلمه الله وفقد جزءا أو عضوا منه..« هذا ما صرحت به فدوى اسعيدي بحرقة وعيناها تنزف دما حارا، خط له مسارا على وجنتيها. فهي الشابة التي تحول أسعد أيامها وزواجها الى نكبة ستبقى محفورة في ذاكرتها وأسرتها كلها. ابتدأت فصول هذه المأساة بعد ليلة عرس بهيج، حضره أفراد الأسرة بالدار البيضاء قادمين من الناظور يوم السبت 7 يوليوز. في الساعة التاسعة ليلا من اليوم الموالي توجهوا نحو محطة اولاد زيان ليعودوا من حيث أتوا. تقول فدوى اسعيدي »في تمام الساعة السادسة والنصف صباح يوم الاثنين تلقيت اتصالا من أختي نجاة اسعيدي وهي في حالة صدمة تخبرني أن الحافلة انقلبت والجميع ميت حولها.. بالنسبة لبناتها فواحدة بترت يدها والأخرى توفت في الحين«. حسب فدوى دائما «ظننت انني في كابوس سأستيقظ منه بعد حين، عاودت الاتصال بها لأتأكد م ما سمعت لتطلب مني سيارة اسعاف. تذكرت فدوى جيدا ما قالته اختها وقتها بالضبط: سيارة اسعاف، سيارة اسعاف، سيفطوا لينا les ambulances في غياب جميع أفراد العائلة بالناظور، حاولت فدوى الاتصال بكل الأشخاص القريبين من مكان الحادثة والذين يمكنهم مساعدة الضحايا. كنا متجهين الى الناظور، فعرجنا على بوزنيقة لنقل أخ لي، في طريقنا علمت أن أبي اتصل بصديق له بالمستشفى الحساني بالناظور، هذا الأخير قام بإرسال 3 سيارات اسعاف، اثنان منهما للوقاية المدنية. طوال الوقت تابعنا الاتصال بنجاة التي كانت بالحافلة المنقلبة، رغم اصابتها هي الأخرى بجروح بليغة، حاولت فتمكنت من اجراء مكالمات والرد على أخرى لمساعدة وإنقاذ باقي المصابين» هذا ما عبرت عنه فدوى اسعيدي. في نفس السياق تضيف ان الحادث وقع في الساعة الخامسة وخمسين دقيقة صباحا وسيارات الاسعاف لم تلتحق بعين المكان الى حدود الساعة الثامنة، الثامنة والنصف. لكثرة الضحايا وقلة الامكانيات سيارات الاسعاف، كانت تنقل جثت الموتى والمصابين الى مستشفى الحساني بالناظور وتعود لنقل المتبقين. عند وصولهم الى المستشفى لم يتمكنوا من اسعاف المصابين جميعهم لدهشة المسؤولين من العدد الهائل للضحايا، وخطورة اصاباتهم، وخصوصا بسبب قلة أو بالأحرى ضعف إمكانية المشفى. تقول فدوى اسعيدي «حوالي الساعة الواحدة زوالا وصلنا الى مدينة الناظور، اتجهنا مباشرة الى مستشفى الحساني، حيث تلقيت خبر وفاة ابنة خالي لطيفة علالي 29 سنة محققة قضائية بالديار الألمانية، وابنة عمي نوال اسعيدي 19 سنة من سلوان، والصغيرة ابنة اختي نجاة البالغة من العمر 4 سنوات مريم فورش الحاملة للجنسية الاسبانية. بناء على ما قالته نجاة لفدوى، وحسب ركاب ناجين آخرين، فإن سبب وقوع الحادثة يعود بالدرجة الاولى الى الحالة الميكانيكية المهترئة للحافلة والبنية التحتية الطرقية الهشة بالمنطقة، يعزى الحادث كذلك الى السرعة المفرطة للسائق واستعماله للهاتف النقال أثناء القيادة، وكذا عدم وقوفه لأخذ قسط من الراحة طوال فترة السياقة سوى نصف ساعة كمدة للعشاء بوادي امليل«. طار النوم من عيون الركاب نتيجة تهور السائق، لكن غفوة حتمها القدر وجدوا أنفسهم بعدها غارقين في دمائهم. ونحن في المستشفى وجدنا أهالي بعض الضحايا الذين تلقوا خبر ما وقع. انتقلنا الى مستودع الاموات.. تقول فدوى «كانت أول مرة أزور فيها مكانا مثله «. في نفس الصدد تؤكد أنه شيء لا يصدق رائحة كريهة، كريهة للغاية، موتى مكدسون فوق بعضهم، مجردين من جميع الملابس ودون أغطية، منهم من وضعت على جثامينهم كارطونات.. لا يمكنني وصف ما رأته عيني وما شعرت به حينها« بالاضافة الى كل التجاوزات التي حصلت، فإن أعضاء بشرية مبتورة تركت عرضة للشمس بموقع الحادث الى عشية نفس اليوم ولم تؤخذ مع أصحابها لإرجاعها اذا أمكن ذلك. مؤكدة أنه «فعل شنيع وغير انساني يعتبر انتهاكا لحرمة جثث ضحايا عائلتها وكل ضحايا حادثة الناظور«. بعدما علمنا أن أختي نجاة وابنتيها المتبقيتين نقلن الى جانب رجل آخر الى مليلية، اتجهنا مباشرة الى مستشفى كوماركال بمليلية، وجدنا المصابين في حالة صحية مزرية: نورية فورش 11 سنة بها جروح بليغة على مستوى يديها الاثنتين وفقدت أجزاء من أصابعها في اليد اليمنى. صوفية فورش التي تكبرها بسنتين ومحمد حدو ماحي (53 سنة) فقد كل كل منهما يده اليسرى بسبب زجاج نافذة الجانب الايسر الذي انقلبت عليها الحافلة. وأخيرا أختي نجاة اسعيدي 36 سنة والمصابة بمرض السكري، تعرضت لجروح بليغة في سائر جسدها وحروق خطيرة على مستوى رجلها اليمنى«« هذا ما قالته فدوى السعيدي.مضيفة ما يلي: «بعدما اطمأننا على حال المصابين، ظلوا يحكون لنا ما جرى مسترسلين في كل تفاصيل الحادثة: الاشخاص الميتون، الاعضاء المبتورة المتطايرة، والحافلة التي انقلبت وكيف تمكنوا من الخروج من نافذة صغيرة لصعوبة فتح الباب لهم، والشيء الذي ظل عالقا بذاكرة نجاة هو انه »بعدما تمكنوا من الخروج من داخل الحافلة شاهدت هي وآخرون السائق يفر هاربا، وهو يحرق أقراص السرعة». صبيحة يوم الثلاثاء، عادت فدوى ومن معها إلى الناظور ليحضروا مراسم دفن كل من لطيفة ونوال ومريم. تقول فدوى » «الموتى كانوا لايزالون في مستودع الأموات بمستشفى الحساني. حوالي الساعة العاشرة صباحا، اتجه والدي السيد عبد العزيز السعيدي الى مكتب الدرك الملكي بالعروي للاستفسار عن الوثائق والاجراءات المتعلقة بالدفن، في الوقت الذي يتحدث فيه والدي إلى رئيس الدرك، تلقى هذا الأخير مكالمة من النيابة العامة، سمع من خلالها أن المسؤول رد قائلا: الكل سيتكلف به صاحب الجلالة نصره الله«، بعدها أخبر رجال الدرك والدي أنه يجب عليه التوجه الى المحكمة الابتدائية بالناظور من أجل معرفة جميع التفاصيل الأخرى«. تتابع فدوى السعيدي قائلة: »كان من المقرر دفن الجثث بعد صلاة عصر يوم الثلاثاء. لهذا السبب وبعد إكمال جميع الاجراءات اللازمة للدفن، اتجه كل من والدي وأخي الى مستشفى الحساني للحصول على الجثث لدفنها في الوقت المناسب المتفق عليه. في هذه الأثناء، تلقى والدي أمراً من باشا سلوان بأن ينتظر سيارة الإسعاف التابعة لبلدية سلوان من أجل نقل الموتى، ووفداً يحضر مراسيم تشييع الجنائز. شكر والدي السيد الباشا على الالتفاتة القيمة تجاههم وظلوا ينتظرون. مرت ربع ساعة على الموعد المحدد، اتصل أبي بالباشا للاستفسار عن سبب تأخر سيارة الإسعاف، أجابه أنه ينتظر »مفتاحا ماً«. تقول فدوى »مع العلم أن الجميع في مسجد سلوان في انتظار وصول الجثامين لصلاة الجنازة، وأن المسافة التي تفصل بين المستشفى بالناظور والمسجد بسلوان هي 15km«. مكثوا ينتظرون وصول الوفد الذي قيل عنه دون نتيجة. للإشارة، »فبسبب حضور هذا الوفد للمستشفى وخلافاً لما كان عليه مستودع الأموات بالأمس، لا أغطية على الجثث ولا فضاء شاسع لاستيعابهم، بالإضافة إلى الإهمال واللامبالاة من بعض المسؤولين... أصبحت الغرفة، بل المكان بأكمله نظيفاً ومرتباً ورائحته عطرة زكية«. تقول فدوى السعيدي «»لا أثر لسيارة الإسعاف التي وعد بها السيد الباشا بعد، اضطر والدي الى اتخاذ قرار ليتكفل بكل المستلزمات لوحده طالباً سيارتي إسعاف خاصتين«. وفي هذا السياق، حسب فدوى السعيدي، فإن والدها يقول »»مع احتراماتنا الخالصة لصاحب الجلالة والمهابة للملك محمد السادس، وقبولنا على الرحب والسعة أوامره المطاعة بتحمل مصاريف مراسيم الجنازة لكل الضحايا دون استثناء»«.وصلت سيارتا الإسعاف الخاصة، وبينما يستعدون للخروج مقلين الموتى، تقدم السيد الباشا وهو يعترض بسيارته الخاصة الطريق مانعاً على سيارات الإسعاف المرور. هذا ما جعل السيد عبد العزيز السعيدي يتدخل فورا، راجياً من الباشا أن يفتح لهم الطريق حتى يتمكنوا من الوفاء بالوعد ودفن الموتى مع صلاة العصر، ليرد الباشا قائلا: »إلا ماتدفنوش ليوم يدفنو غدا«. تقول فدوى »مما زاد من غضب والدي وأخي ودخلوا في مشاداة كلامية استدعت تدخل شخصين من السلطة الاقليمية للسماح لهم بالذهاب، مقابل ذلك، سحبت من والدي السيد عبد العزيز السعيدي بطاقة تعريفه الوطنية من طرف السيد الباشا«. »اتجهوا إلى المسجد بمدينة سلوان لصلاة الجنازة، بعد ذلك، أخذوا كلا من نوال ابنة عمي والصغيرة مريم ابنة أختي نجاة إلى مدفن سيدي علي بسلوان، أما لطيفة ابنة خالي فدفنت بمقبرة الغريبة بالقرب من أفراد من العائلة، وذلك تحت طلب والدها«. مرت مراسيم تشييع الجنائز بحضور السيد الباشا ورئيس دائرة سلوان والقنصل العام الإسباني وآخرين وغياب أي » فقيه« يتلو ما تيسر من الذكر الحكيم على روح الضحايا، مما أثار فضول أسرة السعيدي التي كانت قد انتظرت التكفل بكل تلك الأمور وغيرها، وذلك طبقاً لما أمر به جلالة الملك المسؤولين بالجهة. »تقدم رئيس الدائرة الى عبد العزيز السعيدي لتقديم التعازي، فنبهه هذا الأخير لغياب »فقيه« لتلاوة القرآن، فأمر السيد رئيس الدائرة بإحضار »فقيه« حالا وهو ما كان فعلا، رغم أن عملية الدفن كانت قد أوشكت على الانتهاء«. تضيف فدوى دائما، أنه بعد انتهاء عملية الدفن مباشرة، طالب صاحب سيارة الإسعاف بتسوية الأوضاع بأدائه تعويضاً عن مهمة نقل الموتى قدره 3300 درهم«. في ليلة نفس يوم الثلاثاء، أصدر السيد الباشا أوامر لمنظم حفلات لنصب خيام تقليدية أمام بيوت أهالي الضحايا من أجل استقبال »المعزين وإطعامهم. لم ينفذ الأمر بذلك حتى حدود الساعة الحادية عشر ليلا، علماً بأنه كان هناك غياب للإنارة داخل الخيام...«. أكدت فدوى »أن والدها السيد عبد العزيز السعيدي بصفته جد الطفلة مريم وعم الآنسة نوال رحمة الله عليهما، توصل بغلاف مالي قدره 2000 درهم، شأنه شأن عائلات الضحايا الآخرين«. وفي في حديثها عن الالتفاتة السامية والهبة الملكية المقدمة من طرف جلالته لهم، وكذا رسائل التعزية التي توصلوا بها، تذكرت فدوى السعيدي استهتار وعدم اهتمام الشركة المسؤولة »»شركة الغزالة» للنقل الطرقي«، وعدم قيامها بأي مجهود للوصول إلى أهالي الضحايا ومواساتهم. وبالتوازي مع هذا، فقد وجدوا أشخاصاً بسيارة تحمل نفس اسم الشركة »الغزالة« يحاولون محو اسم »»الغزالة»« وكذلك الرمز من الحافلة بصباغة لونها أزرق فاتح، ودليلا على هذا الفعل، توجد بحوزة الدرك الملكي بالعروي الذي حضر النازلة صورا تبرر ما قيل. بالإضافة إلى التصريح الذي نشر في عدة مواقع وبوابات إلكترونية بأن السيد عباد أزيزا مدير شركة الغزالة للنقل قال »إن ما وقع قضاء وقدر«، مما يبين أن الأمر في غاية البساطة وأنه غير مسؤول وحافلته وشركته عما حدث!.