منذ اعتلائه السلطة سنة 1987 ، حول ابن علي تونس الهادئة إلى ثكنة كبيرة، فقد بررت الحرب ضد الاسلاميين كل أشكال العنف الممنهج الذي مورس على المجتمع المدني برمته، حتى المعارضون الأقل اصطداما بالنظام كان مصيرهم الاعتقال والتعذيب والسجون بعد محاكمات صورية تفتقر لأدنى شروط النزاهة. لماذا تدير فرنسا ظهرها لفظاعات الجنرال بنعلي ؟ لماذا تتم محاباة هذا النظام من طرف الصحافة الدولية ومراكز المال والأعمال؟ يحاول كتاب «صديقنا بنعلي» أن يكسر الصمت ويظهر الوجه الآخر « للمعجزة التونسية « حسب جاك شيراك. في هذا الكتاب أيضا نتتبع مسار بنعلي منذ أن انتخب سنة 1989 و 1994 بنسبة تصويت بلغت 99%، سيظهر هذا المسار غارقا في دماء ضحايا كثيرين ذنبهم الوحيد أنهم عاشوا فترة حكم واحد من أكبر المجرمين الذي يقتلون بدم بارد ويقضي، بعد ذلك ساعات، أمام المرآة كي يظهر بمظهر رجل لا يشيخ، وذلك باعتماده على الماكياج وصباغة الشعر . الشاب بن علي شهادة البكالوريا. البعض يدعي أنه غادر الثانوية في السنة الخامسة ثانوي. ثلاث سنوات قبل الباكالوريا حسب النظام التعليمي لتونس. من هنا جاء لقب »باكلوريا ناقص ثلاثة« الذي أطلقه عليه النمامون وتلقفته يومية الاكسبريس الفرنسية. من المؤكد أن بن علي البشوش والرفيق الوفي والمقبل على الحياة، كان يعاني عقدة حقيقية مع الدراسة. لم يتردد الرئيس التونسي، في حوار مع جون دانييل صاحب مجلة النوفيل أوبسرفاتور، وذلك خلافا لكل توقع، في الإعلان أنه درس القانون بعد استقلال تونس. كما صرح بيير بوركوفوا، هذا العصامي الآخر، أنه يخصص ساعتين في اليوم لدراسة الاقتصاد. بداية الخمسينيات، كانت ثانوية سوسة معقلا نشيطاً لمساندة الحركة الوطنية. وقد راح كتاب سيرة بن علي يفسرون كيف أن بن علي امتلكه »»حب الوطن» بهذه المؤسسة، »وجاء من خلال واحد من الكتيبات المخصصة لمسار بن علي، أنه نشأ على احترام التقاليد وعبادة العمل المتقن بالإضافة الى تمتعه بروح المسؤولية. منذ مرحلة الشباب، دفعته وطنيته الى العمل النضالي، وقد تميز بمهمات ربط الاتصال بين البنى الاقليمية لحزب الدستور الجديد، الذي تمخض عنه الحزب الاشتراكي الدستوري، وبين حركة التحرير الوطني، مما أدى إلى سجنه والتشطيب عليه من مجموع المؤسسات التعليمية بالبلاد«. وبرغم ذلك، لا أحد يتذكر مشاركة الشاب بن علي إلى جانب المقاومة التونسية ضد الاحتلال الفرنسي. ويفيد الصحفي سلامي حسني، واحد من أصدقاء النظام، في سيرة مدح خصصها لابن علي سنة 1991 (لم تعرف طريقها للنشر): يقول »ليست هناك شهادة صحيحة تثبت أو تنفي مشاركة الزين ابن علي في أي عمل مناهض للكولونيالية خلال الفترة الممتدة بين 1952 و 1956«. يضيف هذا الصحفي: »إن الأمر لا يدعو للغرابة، فخلال تلك الفترة، كان الزين قاصراً« و »أنه لم يُسجل اسم أي قاصر في سجلات الشرطة«. لم يبدأ المسار المهني لابن علي إلا بعد الاستقلال سنة 1954، بعدما قرر مجموعة من الضباط الوطنيين، باعتبارهم نواة حرس الباي، تكوين عسكريين على وجه السرعة. كان أول المجندين من حاملي شهادة البكالوريا بامتياز شيء نادر في تونس بعد الاستقلال والذين تلقوا تعليماً عادياً ب »سانت سير Saint - Cyr من ضمن هؤلاء، كان عبد الحميد الشيخ الذي سيشغل فيما بعد منصب وزير الخارجية، أما الآخرون الذين لم يحصلوا على شهادة الباكالوريا فقد تم اختيارهم من طرف حزب بورقيبة (الدستور الجديد) من أجل تكوين سريع لمدة ستة أشهر داخل الجيش الفرنسي. كان بن علي من بين هؤلاء بالإضافة إلى صديقه حبيب عمار الذي سيشغل منصب وزير الداخلية والعقل المدبر للإطاحة ببورقيبة وبشكل يدعو للاستغراب، اختفى الأرشيف الخاص بهذا الفوج. في المدرسة الأمريكية بعد عودته من فرنسا، استقر الطالب الضابط ابن علي بحي ضباط الصف، على مقربة منه توجد فيلا الكولونيل كيفي، ضابط سابق في الجيش الفرنسي، وأصبح بعد ذلك على رأس القيادة العليا للجيش التونسي، لم يتأخر ابن علي من التقرب إلى ابنته ثم تزوجها بعد ذلك. بفضل مساندة الصهر، ذهب ابن علي الشاب الى الولاياتالمتحدةالأمريكية والتحق بالمدرسة العسكرية العليا للاستخبارات والأمن في بالتيمور من أجل متابعة دروس لمدة تتراوح بين العشرين شهراً. عندما تسلم الرئاسة سنة 1987، أكدت صحافة ما وراء المحيط مستهزئة أن المرور بمدرسة أمريكية للاستخبارات سيحطم أي مسار سياسي لأي زعيم بالعالم الثالث باستثناء تونس طبعاً. بعد عودته من الولايات م. أ، عُين الضابط بن علي مساعد مدير ثم مدير الأمن العسكري بالقيادة العليا، في حين تم تعيين رفاق فوجه بباقي الثكنات. إن جهاز الأمن العسكري التونسي لأشبه في شيء نظيره بليبيا والجزائر، إذ يشكلان العمود الفقري للدولة. بن علي هو الذي تلقى مع ذلك المتهمين بإثارة الشغب في الجامعة، والذين صدرت في حقهم أحكام مع وقف التنفيذ غذاة أحداث 1966 رُحِّلوا إلى معتقلات التأديب على الحدود مع الجزائر. قال لهم بطريقة يبدو معها عطوفاً: »أنتم تعلمون أنني لست رجل سياسة، أنا أطبق الأوامر«، ومضى يُعدِّد فضائل المؤسسة العسكرية: »سترون، إن الجيش يكون الرجال«. وبحس رجل المخابرات، دس مخبراً بين الطلاب الشباب. لقد اكتشف التونسيون اسم بن علي لأول مرة سنة 1974 خلال الوحدة التي لم تعمر طويلا بين تونس وليبيا. في 12 يناير 1974، أعلن بورقيبة ومعمر القذافي ولادة حكومة جديدة، الجمهورية العربية الاسلامية. لقد تم الاحتفال بذلك في فندق فخم بجزيرة جربة. سيشكل البلدان جمهورية واحدة تتوفر على دستور واحد وعلم واحد ورئيس واحد وجيش واحد. في نفس اليوم، اقترح الرئيس الليبي أربعة أسماء لتونسيين من أجل شغل مناصب