بعيدا عن مدينة ميدلت، بنحو عشرة كيلومترات، وسط الجبال والمكسوة بالثلوج، وجريان مياه الأنهار والمناظر الطبيعية، الجميلة المتنوعة والخلابة.. في برودة طقس سجل محراره في ذات يوم الزيارة نحو خمس (5) فوق الصفر .. دخل المخرج و الفنان المغربي شفيق السحيمي، منذ حوالي ثلاثة شهور، في تحدي درامي كبير، إنجاز المسلسل التلفزيوني المغربي التاريخي الطويل «شوك السدرة»، مسلسل تمت تبيئته عن رواية «البؤساء» للفرنسي فيكتور هيكو، بمساعدة في الإخراج للابنة لودين لوفاسور. «شوك السدرة»، المسلسل الذي سيكون بعد عشرة أشهر من التصوير وأسابيع عدة من متطلبات التوضيب ( المونطاج) مؤهلا ليمر عبر شاشة القناة «الأولى» الجهة المنتجة، وذلك بعد نجاح عمليه التلفزيونيين الأخيرين «وجع التراب» و «تريكة البطاش»، اللذين بثتهما القناة الثانية في النوات الماضية، هذا المسلسل يتحدث عن فترة من تاريخ المغرب الحديث، فترة عانى فيها رجال مغاربة، ناضلوا وقاوموا - كما في مناطق أخرى كثيرة من المغرب - الاستعمار الفرنسي بجانب المرأة المغربية من سنة 1933 لغاية طرد الاستعمار من الوطن في 1956، سنة تحقيق الاستقلال و الانعتاق وإعادة الكرامة والحرية للشعب المغربي.. لقد اختار المخرج شفيق السحيمي منطقة «حي بلادن» لتجسيد الصور الحية التي عاشها المغاربة في معركة بوكافر بقبائل أيت عطا، المتميزة بنفس الطقس والأجواء الباردة، التي يسميها عموم المغاربة ب«الليالي» و قد سعى السحيمي، من خلال ذلك، إلى تجسيد جزء بسيط من تاريخ المغرب ، بأيامه، وشهوره .. بكل طقوسه. فلأول مرة في تاريخ إنتاج أعمال درامية مغربية كبيرة، يتم تشييد وبناء «استوديو» خاص وضخم بهذا الحجم، وكأن الأمر يتعلق باستوديو في مدينة ورزازات أو في مدينة الانتاج الإعلامي بالقاهرة.. فعند تجاوز بوابة «الاستوديو»، وحاجزه، يتفاجأ المرء بتواجده وسط حي من الاحياء، لنقل - تجاوزا - أحد فضاءات مدينة الدارالبيضاء.. ، هناك منازل «بنيت» وأعدت بنوافد وشرفات.. وهناك محطة بنزين، ومقهى شاسعة تحمل من الأسماء «الوطن»، ثم هناك فندق ومطعم لصاحبه الرخوي رفقة زوجته وابنتيه، هناك، أيضا، محل أطلق عليه «مكتب الدخان».. وقد «شيدت» بجنبات هذه الأماكن جميعها «ثكنة عسكرية» برايتها ثلاثية الألوان (الأزرق، الأحمر، والأبيض) - ألوان العلم الفرنسي - حيث كان يستقر الجيش الفرنسي، وبجنبات هذا الاستوديو المحدث، ثمة معمل لصنع الصوف وسوق تجاري، وكذا حي قصديري تتوسطه سقاية وحنفية للماء الصالح للشرب.. هي مجسمات، بنايات وديكورات عديدة .. توحي للمشاهد للوهلة الأولى، بأنه داخل فضاء «تاريخي» من فضاءات كاريان سانطرال بالدارالبيضاء في ثلاثينيات وأربعينيات وخمسينيات القرن الماضي. ومباشرة خلف هذا الحي / الاستوديو تتواجد بناية ذات ثلاثة طوابق وظفت لتصوير مشاهد لمكاتب البوليس والسجن.. كل هذا، وأكثر تطلب، حسب مصادر مكلفة بالتسيير الإداري والمالي لهذا الانتاج الدرامي المغربي ، الذي سيتجسد في ستين (60) حلقة، ميزانية فاقت 120 مليون سنتيم (1.200.000.00) التي اعتبرتها المصادر نفسها، رقما أساسيا، بل أكثر، في العملية الدرامية هاته حتى يكون الفضاء مغر لمشاهدة، ومتابعة المشاهد المغربي، يتناسب ويتناغم مع أحداث الفترة التاريخية المتحدث عنها، والتي تشكل فترة حاسمة في تاريخ المغرب الحديث..، وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذا العمل التلفزيوني المغربي الطويل سيكون، أيضا، مدعما بأفلام وصور حقيقية عاشها المغرب في تلك الحقبة الزمنية التي حددت في 23 سنة من الكفاح والمقاومة . بداية التصوير «شوك السدرة» كانت في أوائل شهر دجنبر الماضي (2011)، ومن المقرر أن ينتهي الفنان و المخرج شفيق السحيمي آخر مشاهده بهذه المنطقة - حسب المخرج ذاته - بعد حوالي شهر ونصف، حيث أكد من خلال محاورته ل«الاتحاد الاشتراكي» رفقة ابنته لودين لوفاسور، أنهما سيرحلان مباشرة، بعد ذلك، رفقة الطاقم التقني والفني إلى مدينة تازة، وبعدها إلى منطقة تاونات، فابن سليمان، والدار البيضاء، و الصويرة، و تارودانت، والاقاليم الجنوبية بالصحراء المغربية وبعض مدن المملكة الأخرى لاستكمال تصوير أحداث المسلسل.وفي هذا السياق أوضح شفيق السحيمي أنه قام رفقة ابنته، بزيارة لمدينة ميدلت منذ 2008 بحثا عن الاجواء والمناطق التي يعول من خلالها، على إعطاء صور ومشاهد حقيقية للتاريخ المغربي تنسجم وأحداث المسلسل، حيث عاين بدقة كل المناطق والمدن المغربية التي ركز عليها من خلال بحث ميداني و دراسة معمقة. و أضاف السحيمي أنه يقيم حاليا، ومنذ بداية التصوير، بالقرب من الاستوديو بأحد المنازل الشاسعة التي تركها الفرنسيون، وترافقه مساعدته في الاخراج ابنته لودين لوفاسور التي تقوم بعمل كبير، حيث تحرس كل الحرس على أن تمر أجواء التصوير في ظروف جيدة، من خلال الانضباط و الالتزام بالبرامج اليومية المسطرة لتصوير المشاهد، وتتبع متطلبات كل الممثلين والممثلات و كل الطاقم الفني و التقني ، وكذا التنسيق مع عناصر الشركة الخاصة بالانتاج، المكلفة بكل المواد المالية. وأوضح السحيمي أن هذه العملية برمتها تؤكد أن التصوير يسير بشكل الاحترافي وبكل المقاييس، بخلاف بعض أصحاب الشكارة الذين أصبحوا يمتلكون شركات الانتاج ويقومون بكل شيء، ومع ذلك تبقى مستحقات الممثل والعامل والتقني بذممهم عالقة. أثناء تواصل الحديث مع المخرج شفيق السحيمي بعد وجبة غداء الجمعة قبل الماضة، والتي تمثلت في طابق كسكس مغربي أعده طباخون ساهرون على إنجاز الوجبات اليومية، أوضح مخرج وبطل «شوك السدرة» أن هذا العمل سيعرف مشاركة 1500 ممثل، من ضمنهم كومبارس، 450 من الممثلين والممثلات ذوي حوارات... ولإعطاء صورة جيدة وعالية للمسلسل ولمشاهده، أضاف السحيمي، أنه تم استقطاب مدير تصوير أيطالي، يرافقه مكلف بالكاميرا يحمل الجنسية نفسها، بالإضافة إلى الاستعانة بكوميديين من السينغال. ومن بين الوجوه الفنية البارزة، التي صادفناها أثناء زيارة «استوديو» «شوك السدرة» بمدينة ميدلت، التي تقوم بتصوير العديد من المشاهد، هناك الفنانون مصطفى اهنيني، محمد حراكة، مصطفى الداسوكين، فتيجة واتيلي سناد بحاج، فاطمة حركات، خديجة عدلي، ماجدة، زهور السليماني، عبد الكبير حزيران، سعد الله عبد المجيد، بوغابة، زكرياء عاطفي، جميلة مصلوح، محمد التسولي، والطفلتين الصغيرتين خولة باهدي (9 سنوات) وأسماء الناصري (11 سنة)، بالإضافة إلى وجوه جديدة تتبعنا بعض عطاءاتها اللافتة من خلال بعض المشاهد الاولى للمسلسل التي خضعت لعملية التوضيب (المونطاج) الأولي بواسطة مساعدة الإخراج لودين لوفاسور، ويتعلق الأمر بنورا ابنة مدينة الرباط، وادريس، المحترف لفن الغناء و الطربل ، اللذين لم يسبق لهما أن قاما بأي دور رئيسي في عمل درامي، لكن في الحوارات التي شاهدناها وجسدا فيها شخصيات محورية في «شوك السدرة»، يتبين أنهما يكتسبان خبرة واسعة في المجال، كما سيتبينها المشاهد مستقبلا عند العرض المنتظر للمسلسل على شاشة قناة «الأولى»، حيث ستكون، في هذا السياق، مفاجآت على هذا المستوى تكشف أن المغرب يحبل بالعديد من المواهب الفنية لا ينقصها إلا رتاحة الفرصة لها.. وفي هذا الإطار أوضح شفيق السحيمي ل«الاتحاد الاشتراكي» أنه من المستبعد أن ينتهي من تصوير المسلسل نهاية شهر شتنبر القادم، كما أضاف، أنه وابنته لودين لوفاسور، فضلا أن لا يبث المسلسل خلال شهر رمضان، نظرا لتراكم الانتاجات والاعمال الدرامية والسيتكومات المغربية و العربية والدولية في القنوات المغربية والقنوات الفضائية الأخرى، وذلك حتى يفسح المجال لكل المغاربة بتتبع هذا العمل، خارج أي ضغط مشاهدتي وتيهان وسط دوامة الانتاجات الدرامية العربية، التركية والمكسيكية .. الكثيرة..