1 - من الطبيعي أن لا يمكن التساؤل عن رهان لكذا مؤتمر، من غير وضعه في السياق العام الوطني أو الدولي. وبدون الدخول في التفاصيل على هذا المستوى، قد نكتفي بالتذكير هنا فقط بالخطوط العامة لذلك، والمتجلية بالخصوص في التلاقي بين المشروعين المجتمعيين: المشروع المخزني القديم والذي قد يتخذ لنفسه في كل مرة تلاوين جديدة، ثم المشروع الأصولي كجزء من المد الإسلامي العام في المنطقة والذي استفاد من رياح الربيع العربي ليصل إلى السلطة. وهو التلاقي الذي حدث بعد الاخفاق الذي مني به المشروع اليساري الديمقراطي منذ حكومة اليوسفي، وبعد الفشل الذي تعرض له مخطط الدولة للاستحواذ والتحكم في مجمل الحقل الحزبي المغربي عبر تجربة حزب البام. غير أنه إذا كان مشروع الدولة قد يبقى مستمرا إلى مدى غير منظور، خاصة بعد تخطيه بنجاح لإعصار الربيع العربي، فإن المشروع الأصولي، وبالنظر إلى طبيعة النسق السياسي المغربي نفسه، والتحولات المحتملة في السنوات القادمة، سينتهي به المطاف بالضرورة إلى التآكل والضمور كما هو حال كل من مارس السلطة السياسية لمدة معينة. فقد يصمد بنكيران بدون شك بفضل الزخم الشعبي الذي حظي به حزبه إلى حد الآن، في قيادة سفينة حكومته حتى نهاية ولايتها، وقد تتوفر له ربما حتى فرصة لأن يربح رهان ولاية ثانية. غير أن هذا الاحتمال يبقى مرتبطا بعدة متغيرات، ومنها قدرة الحقل الحزبي المغربي على تجديد نفسه في المستقبل وتهييء بدائل للإسلاميين، وهو ما قد يتجسد إما في قطب ليبرالي قوي من حول البام والأحرار، أو في قطب يساري ديمقراطي متجدد من حول الاتحاد الاشتراكي وشركائه من اليسار. وفي هذا الإطار بالضبط, نضع نحن السؤال أعلاه حول رهانات المؤتمر التاسع، و عن قدرته في تمهيد الطريق أمام الحزب لأن يكون هو ذلك البديل المنتظر, إما في انتخابات 2016، أو بالخصوص في انتخابات 2021 . غير انه وبالنظر إلى الوضع الحالي للحزب الغارق في المشاكل التنظيمية و تضارب الحسابات بين قيادييه ، سأبدو متشائما ولا آمل كثيرا أن ينجح هذا المؤتمر في رسم أفق ما أو الخروج برؤية واضحة لخارطة الطريق للسنوات المقبلة. أصدر حكمي هذا وأنا أشتغل من داخل اللجنة التحضيرية للمؤتمر، وأتساءل إن كان في مقدورنا فعلا أن نقدم أجوبة حقيقية على أسئلة الهوية المطروحة، أو أسئلة التصورات الاقتصادية والاجتماعية التي قد نقترحها على المجتمع. هل سيكون من جدوى لتلك التقارير التي سنصوغها أم أنها ستبقى كسابقاتها مجرد متمنيات كلامية لا قدرة لنا على تحويلها إلى فعل ملموس في الواقع؟ وهل سننجح حقا في توضيح الخط السياسي للمرحلة القادمة، أم أن كل ما سيتمخض عنه الأمر هو إصدار بيان عام فضفاض لا رائحة له ولا مذاق, بحيث يجد كل واحد فيه ما يريده أويقرأه كما يشاء؟ هل الإطارات التنظيمية المتوفرة حاليا تتيح لنا فعلا أن نتناقش بحرية وبعمق، حول كل ما يتعلق بهويتنا ومشاريعنا وخطنا السياسي، أم أن آلية النقاش داخل الحزب هي الآن معطلة، ولا تسمح بأن يسمع من خلالها غير الصدى المتردد لبعض الخطابات بعينها المجترة والمسؤولة عن مصائب المرحلة السابقة؟ 2 - في العديد من المناسبات ونحن نحث على ضرورة إيجاد الآليات المناسبة لتدبير الاختلاف بيننا، وترسيم الحساسيات والتيارات داخل الحزب كسبيل وحيد ممكن لتحرير عقول الاتحاديين من خلال تشجيع المنافسة على الاجتهاد والإبداع الفكري, كنا نواجه دائما بأنه ليس هناك اختلافات مهمة بيننا حتى نبرر الحاجة للتيارات. لكننا نتساءل، هل نحن فعلا وفرنا المجال المناسب لسماع رأي كل الاتحاديين والاتحاديات في مختلف القضايا المطروحة، حتى نعرف إن كنا نتفق أم نختلف، أم أننا نعمد عنوة إلى إغلاق المنافذ أمام باقي الآراء الأخرى المختلفة والتي لا تجد من يدافع عنها من داخل أجهزة الحزب المقررة، وبالتالي نصم أذاننا ونتظاهر أننا لا نسمع غير الأصوات التي يراد لنا سماعها؟ هل يستطيع أحد فعلا أن ينكر واقع اختلافنا حول قضايا عديدة، وبالتالي ضرورة أن يظهر ذلك بالملموس خلال أشغال المؤتمر من خلال أوراق وأرضيات ولوائح للمرشحين متنافسة فيما بينها حول تصورات وبرامج، عوض أن يبقى المجال عرضة فقط لإبرام وتمرير التوافقات والتسويات الفوقية بين أطراف محدودة من القيادة بما يخدم فقط حساباتها الخاصة؟ هل سينكر أحد أنه في الوقت الذي تعالت فيه عدد من الأصوات مثلا، للدفاع عن تصور معين لطريقة ممارستنا للمعارضة، بالتركيز على مركز الدولة وعلى المسؤولية الكبرى التي لا زالت تتحملها المؤسسة الملكية نفسها في كل ما يقع، نظرا للصلاحيات الواسعة التي احتفظت بها لنفسها في الدستور الجديد، يصر البعض الآخر على تقليم أظافر هذه المعارضة ويحصرها فقط في مجرد مناقشة الملفات ومشارع القوانين من داخل قاعة البرلمان، وفي اصطياد ما قد يصدر من أخطاء عن الحكومة الحالية؟ وهل ينكر أحد أنه وبناء على هذين التصورين المتناقضين لدورنا في المعارضة، ستختلف أيضا رؤانا فيما يتعلق بالتحالفات، فهل سيكون اختيارنا على هذا المستوى، أن نتجه نحو إعادة ربط وتمتين علاقاتنا بمختلف القوى المناضلة في الشارع المغربي من هيئات نقابية وحركات احتجاجية للفئات الاجتماعية المتضررة وللقرى والأحياء المهمشة ولحركة 20 فبراير وغيرها ... أم أن نعتبر أن كنه وظيفتنا هو في البحث عن دعم لمعارضتنا من داخل البرلمان نفسه، اي ما قد يترجم عمليا بالتقرب من الأحرار والبام مع ما يمثل ذلك من خطر أن يحتوينا هذا الأخير على المدى البعيد؟ وفي الأخير هل سيكون اختيارنا وبالنظر إلى هذا المنطق أعلاه، أن نبحث عمن يمكن أن يدعمنا في مهمة استرجاع موقعنا في ساحة النضال الاجتماعي والسعي إلى استرجاع قاعدتنا الانتخابية الحقيقية من بين الفئات الوسطى والمتعلمة و تلك المنظمة عبر قنوات المجتمع المدني، ومن ذلك البحث جديا عن الآليات المناسبة لتجميع مكونات اليسار والعائلة الاتحادية كما الدفع إلى توحيد الإطارات النقابية الموجودة، أم سيكون اختيارنا هو البحث عن أصوات انتخابية مفترضة، باعتماد نفس أساليب الأحزاب المخزنية القديمة التي كنا ننتقدها، أي تشجيع علاقات الزبونية وتبادل المنافع مع بعض الفئات الهشة بمنطق ما يسمى عمل القرب المفترى عليه؟ هذه بعض من الخلافات الأساسية التي تفرقنا حاليا داخل الحزب، وما نتمناه أن يبرز ذلك عبر أوراق وأرضيات متنافسة فيما بينها. 3 - غير أنه أمام هذا السؤال، هل سينحاز المؤتمر إلى هذا الرأي أو ذاك، فليس ذلك هو المهم الآن في اعتقادنا، بل فقط كيف سننجح في توضيح وتحديد قواعد اللعب بيننا بما سيسمح لاحقا لمختلف هذه الرؤى أن تتنافس بكل شفافية وديمقراطية. أو بتعبير آخر أن الرهان الأساسي للمؤتمر ليس في أن يحسم منذ الآن في الخط السياسي، ولكن يكفيه أن يتوفق في حل الإشكالية التنظيمية التي تشله حاليا، وذلك عبر رسم قواعد ومساطر حاسمة يخضع لها الجميع على قدم المساواة، أو ما نعبر عنه بضرورة الانتقال من ثقافة الشخصنة والولاءات للأشخاص، إلى الحزب المؤسسة وإلى العلاقات التي لا تحتكم إلا للضوابط التنظيمية المتفق عليها، ثم بعد ذلك فليتنافس المنافسون. إن الرهان هو تنظيمي بالأساس، يقوم على هدفين: من جهة، الحفاظ على وحدة الحزب وسد الطريق عن كل محاولة للابتزاز والتلويح بورقة الانشقاق وتعطيل أشغال المؤتمر، ومن جهة أخرى، إيجاد الآليات المناسبة لتدبير الاختلاف بما يفتح المجال لكل الآراء والأطروحات لأن تعبر عن نفسها، بغض النظر عما سيختاره المؤتمرون بعد ذلك لتدبير وقيادة الحزب في المرحلة القادمة. إن هذا الرهان وإن كنا قد فشلنا في تحقيقه خلال المؤتمر الثامن، بسبب التوجه الذي كان سائدا آنذاك والقائم على التسابق بين عدد من القياديين للتقرب أكثر من مركز القرار في الدولة، يبدو أنه قد توفرت له شروط أفضل حاليا، خاصة بعد الفشل المريع لذلك التوجه السابق، وفقدان العديد من الاتحاديين لثقتهم في رموزه، ثم بالخصوص بعد بروز تحولات جديدة على صعيد البلاد انعكست في تزايد الأصوات من داخل الحزب نفسه المنادية بالقطع مع تلك الثقافة السابقة ومع من كان عرابها. من بين هذه الأصوات الجديدة، قد نميز هنا ثلاث حساسيات صارت تخترق الجسم الحزبي، ما يجمع بينها هو أنها تأتي من خارج المربع الضيق للقيادة الحزبية المسؤولة عن المرحلة السابقة، والتي يمكن لها إن هي توفقت في التنسيق بين مجهوداتها، أن تخلق توازنا جديدا خلال المؤتمر القادم بما قد يساهم في إحداث العديد من المفاجئات. - الحساسية الأولى هي ما يعرف باتحاديي 20 فبراير ككتلة من المناضلين الموجودين في القواعد أو داخل المجلس الوطني، والتي كان لها دور حاسم في دفع الحزب إلى موقف المعارضة، و جره إلى الإنخراط ومساندة حركة 20 فبراير. وموقف هذه المجموعة يتمحور عموما حول المطالبة بتوجيه المعارضة الحزبية نحو مركز الدولة نفسه إلى أن تتحقق الملكية البرلمانية كاملة، وإلى الارتباط بنضالات الشارع المغربي وضرورة توحيد اليسار. - الحساسية الثانية هي الحساسية النقابية، تلك التي كانت قد غابت عن التأثير في قيادة الحزب منذ الإنفصال عن الكنفدرالية الديمقراطية للشغل. غير أنها الآن وبعد أن اجتازت بنجاح خطر الانشقاق داخل الفيدرالية الديمقراطية للشغل، ثم اصرارها المستمر على إشاعة ثقافة الوحدة النقابية من البداية، إلى أن توج ذلك بالتلاقي التاريخي بين المركزيتين أعلاه في مسيرة الكرامة الآن ليوم 27 ماي السالف، من المنتظر أن تعود للتأثير من جديد في مسار الحزب، خاصة في الجانب المتعلق بأهمية تدعيم الجانب الاجتماعي في انشغالات الحزب، وفي المساهمة في التقريب ولم شتات العائلة الاتحادية. - ثم الحساسية الثالثة وهي المكونة من «المندمجين»، مناضلي الاشتراكي الديمقراطي سابقا، وهي المجموعة التي رغم مستوى أطرها النظري والسياسي الرفيع، لم يستفد منها الحزب لحد الآن، وذلك بسبب الظرفية الخاصة التي حدث فيها الإندماج. غير أن هذه المجموعة وهي التي تمتح من التراث النضالي والفكري لليسار السبعيني، لا زالت تختزن طاقات الحزب نضالية كامنة، قد تلعب دورا كبيرا إن هي وظفت بالشكل السليم، خاصة فيما يتعلق بتحديث آليات اشتغال الحزب وتطوير مستواه الفكري والنظري ، وبالخصوص في التوسط لدى مكونات اليسار الأخرى والمساهمة في تحقيق هدف الحزب اليساري الكبير.