على مدار مشاركات العرب في الألعاب الأولمبية، انفردت منطقة شمال إفريقيا بالأفضلية الكاملة على عرب آسيا، حيث كانت لأبطالها الغلبة في حصاد الميداليات بمختلف الألعاب، وهو الوضع الذي بدأ يتغير قليلا في السنوات الأخيرة، مع دخول دول مجلس التعاون الخليجي في دائرة المنافسة. وحصد العرب في الأولمبياد 82 ميدالية متنوعة (21 ذهبية و20 فضية و41 برونزية)، كان نصيب شمال إفريقيا منها 68 ميدالية متنوعة، من بينها 19 ذهبية ما يعني أن عرب آسيا لم يحصدوا على مدار مشاركاتهم سوى ذهبيتين اثنتين فقط. وانفردت مصر بكونها صاحبة الراية العربية الأولى، التي تُرفع في المحفل الأولمبي، وكان في دورة ستوكهولم عام 1912، ليقتصر الوجود العربي على الفراعنة حتى ظهور العراق في دورة لندن عام 1948، عقب نهاية الحرب العالمية الثانية. ومع البداية المبكرة لأبناء النيل، كان من الطبيعي أن تأتي مصر على رأس قائمة الميداليات في الجدول العربي بسبع ذهبيات (35 % من إجمالي 20 ذهبية عربية) ومثلها من الفضيات، فضلا عن عشر برونزيات لتصبح صاحبة الرصيد الأعلى في الفئات الثلاث. واحتاجت مصر 16 عاما حتى تنال أولى ميدالياتها الأولمبية، وهو ما تحقق بالفعل في دورة أمستردام عام 1928، حين حصدت ذهبيتين عبر المصارع إبراهيم مصطفى والرباع السيد نصير، الذي بدأ قصة عشق بين الفراعنة ورفع الأثقال، فضلا عن فضية وبرونزية في الغطس، سجلهما فريد سميكة في فئتين مختلفتين. ومع ارتفاع الحصيلة المصرية إلى 24 ميدالية متنوعة، تبقى دورة أثينا عام 2004 الأبرز في تاريخ المشاركة العربية، حيث شهدت تصالحا فرعونيا مع المنافسات الإغريقية، باقتناص خمس ميداليات متنوعة، بعد انقطاع عن التتويج استمر 20 عاما منذ فضية محمد رشوان في الجودو عام 1984 في لوس أنجليس. وفي آخر ظهور لها قبل لندن، لم تحصل مصر على أكثر من برونزية واحدة في بكين 2008، جاءت عبر بطل الجودو هشام مصباح، الذي تُعقد عليه الآمال في إحراز ميدالية أخرى بعد أيام. وشأنها شأن باقي العرب، انحصرت الميداليات المصرية في الألعاب الفردية فقط، حيث توزعت على رفع الأثقال، والمصارعة، والملاكمة، والجودو والتايكوندو والغطس. ويأتي المغرب في المركز الثاني خلف مصر بحصده 21 ميدالية متنوعة، بواقع ست ذهبيات، وخمس فضيات وعشر برونزيات، علما بأن ألعاب القوى حازت على نصيب الأسد من هذه الغلة برصيد بلغ 18 ميدالية، مقابل ثلاث ميداليات فقط للملاكمة، لينحصر تتويج أسود أطلس في اللعبتين. ولم ينتظر المغرب كثيرا لارتقاء منصات التتويج، فأحرز العداء عبد السلام الراضي فضية الماراثون في دورة روما عام 1960، التي عرفت أولى مشاركات بلاده، واكتفى بها مواطنوه لمدة 24 عاما حتى حان تجديد العهد مع التفوق الأولمبي. وستبقى دورة لوس أنجيليس 1984 عالقة في أذهان المغاربة، بعد أن شهدت ذهبيتين دفعة واحدة بفوز نوال المتوكل بسباق 400 متر حواجز للسيدات، بينما فرض سعيد عويطة سطوته على سباق خمسة آلاف متر للرجال بنيله الميدالية الذهبية. ويفتخر المغرب بكونه البلد الوحيد الذي قدم للعرب رياضيا يفوز بذهبيتين دفعة واحدة، وهو ما ينفرد به العداء الأسطوري هشام الكروج حين حقق المركز الأول في سباقي 1500 متر وخمسة آلاف متر في دورة أثينا 2004، معوضا اكتفائه بفضية السباق الأول في دورة سيدني 2000. وتأتي الجزائر في المركز الثالث خلف مصر والمغرب مؤكدة أفضلية الشمال الإفريقي على المستوى العربي، حيث نجح رياضيوها في حصد أربع ذهبيات وفضيتين اثنتين وثماني برونزيات، جاءت كلها في ألعاب القوى والملاكمة وأخيرا الجودو. وعلى الرغم من تقدمها في الجدول العربي، لم تعرف الجزائر مذاق الذهب سوى عام 1992 في برشلونة عبر حسيبة بولمرقة التي فازت بسباق 1500 متر للسيدات، وهو نفس السباق الذي فاز بفئة الرجال فيه نور الدين مرسلي في أتلانتا بعدها بأربع سنوات، حين أضاف أيضا مواطنه حسين سلطاني ذهبية للملاكمة. وربما كانت دورة سيدني 2000 هي الأنجح لأبناء الجزائر وآخر عهدهم بالتتويج الأغلى، حيث شهدت خمس ميداليات متنوعة على رأسها ذهبية نورية مراح بنيدة في سباق 1500 متر. أما تونس، التي تأتي رابعة بذهبيتين وفضيتين وثلاث برونزيات، فتعتبر مدينة بدرجة كبيرة لأسطورة العدو محمد القمودي، الذي سجل الذهبية الوحيدة في سباق خمسة آلاف متر في مكسيكو سيتي عام 1968، قبل أن يحرز فضيته بعدها أربعة أعوام في ميونيخ، علما بأنه يحظى أيضا بفضية عشرة آلاف متر في طوكيو عام 1964، بجانب برونزية عشرة آلاف متر في دورة المكسيك اللاحقة. وخلال دورة بكين 2008 الماضية، أهدت تونس للعرب ذهبيتهم الوحيدة في المنافسة عبر قرش قرطاج أسامة الملولي، الذي فاز بسباق 1500 متر للسباحة الحرة، ليزيد من الآمال المعقودة عليه في تكرار الإنجاز في لندن. واستكمالا للجناح الإفريقي، ينسى كثيرون أن جيبوتي تحظى بموقعها في جدول الميداليات ببرونزية وحيدة سجلها حسين أحمد صلاح في ماراثون دورة سيول عام 1988، مؤكدا أن التعداد السكاني الصغير لبلاده لا يقف عائقا أمام طموحاتها الأولمبية. واقتنصت السودان في بكين أولى ميدالياتها على الإطلاق في صورة فضية إسماعيل أحمد في سباق 800 متر للرجال، وهو الإنجاز الذي يبدو بعيدا عن تكراره في لندن. وتأتي سوريا في الصدارة آسيويا بثلاث ميداليات موزعة على الألوان الثلاثة، إلا أن ذهبية غادة شعاع في السباق السباعي عام 1996 في أتلانتا كان لها مذاق خاص، في حين مازال يبحث الجار لبنان عن أولى ميدالياته منذ دورة موسكو 1980 على الرغم من حيازتها لفضيتين وبرونزيتين. وبدأت دول الخليج مؤخرا في الدخول إلى دائرة الضوء بميداليات متنوعة، إلا أن الإنجاز الأكبر كان بالعبور إلى حيز الذهب عبر الشيخ أحمد بن حشر آل مكتوم، الذي رفع العلم الإماراتي على أعلى نقطة بمنصة التتويج في سباق الحفرة المزودجة ضمن منافسات الرماية في أثينا عام 2004. وجاءت ذهبية آل مكتوم كتقدم في الأداء العربي في مسابقة الحفرة المزودة تحديدا، والتي شهدت تسجيل الكويتي فهيد الديحاني برونزية بلاده الشهيرة في سيدني عام 2000، مما يؤكد أن ثمة مجالا آخر صار العرب فيه من أبرز المنافسين على الميداليات. ولا يختلف الأمر كثيرا عن السعودية التي سجل لها هادي الصومالي فضية 400 متر حواجز في سيدني، وهي نفس الدورة التي فاز فيها خالد العيد ببرونزية في منافسات الفروسية، وهما الميداليتان الوحيدتان للمملكة. وسجلت قطر أيضا في عقد التسعينات تقدما كبيرا عبر برونزية محمد سليمان في 1500 متر رجال في برشلونة 1992 وبرونزية سعيد أسعد في رفع الأثقال في سيدني 2000.