انتقد رئيس مقاطعة فاسالمدينة بشدة تجاهل التقرير الذي قدمه مفتش التعمير بفاس للنسيج المعماري المتهالك بالمدينة العتيقة خلال اللقاء الجهوي الذي نظمته وزارة السكنى والتعمير وسياسة المدينة مؤخرا ، مؤكدا ان هناك 4000 بناية مهددة بالانهيار بالإضافة إلى عدد من الفنادق وورشات الصناعة التقليدية وعدد من الفنادق والحمامات . وفي نبرة حزينة أضاف قائلا .. إن سكان المدينة العتيقة سئموا من التباكي على أرواح ضحايا الدور التي انهارت ،ليحث بعد ذلك وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة الذي ترأس اللقاء، على اتخاذ الإجراءات الضرورية لمعالجة هذا المشكل المؤرق الذي بات يهدد حياة السكان كلما حل فصل الشتاء . ومن المعلوم أن استراتيجية الإنقاذ بفاس انطلقت في الثمانينات ليبدأ مسلسل الإنقاذ الفعلي في التسعينات باعتماد مقاربة جعلت الإنسان محورا أساسيا في كل عملية إنقاذية ، حيث سبق للمجلس الاتحادي الأسبق قبل التقسيم الإداري، أن رفع شعار «إنقاذ فاس العتيقة رهين بإنقاذ سكانها» ، وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن تكلفة مشروع الإنقاذ بلغت خلال سنوات 1987الى 2008 أكثر من 797 مليون درهم بمساهمة جهات متعددة جعلت من فاس مدينة تحرسها الأعمدة الخشبية المثبتة على جدران عدد كبير من المنازل في اغلب الأحياء السكنية انطلاقا من البطحاء ومرورا بالطالعة الكبرى والصغرى وصولا إلى أعماق الدروب والأزقة بالمدينة العتيقة ،وان كانت هذه العملية ساهمت في المحافظة على النسيج العمراني من الانهيار ،إلا أنها توحي لزوار المدينة العتيقة وفاس الجديد انها على وشك الانهيار ،غير أن ما يلاحظه عموم المواطنين أن هذه الأعمدة الذي كان دورها مؤقتا أصبحت مزمنة حيث بدت عليها الشيخوخة والتلاشي ،وما تبقى منها لم يسلم من السرقة ليصبح مسلسل الإصلاح يسير ببطء شديد رغم ما راكمته وكالة التنمية وإنقاذ فاس من تجربة جعلت منها المؤسسة التي تحظى بثقة المنظمات الدولية وفي طليعتها البنك الدولي ومنظمة الألفية الثالثة الأمريكية واليونسكو ،إذ استطاعت هذه الوكالة بالإضافة الى عمليات تثبيت الأعمدة الخشبية، أن تقوم بعمليات مهمة تجلت في ترميم مايزيد عن 26 كلم من الأسوار التاريخية المحيطة بفاس وعدد من المدارس العتيقة التي ترجع إلى العصر المريني وفي طليعتها مدرسة العطارين والمدرسة البوعنانية زيادة على العمليات التشاركية بينها وبين سكان الدور العتيقة الراغبين في إصلاح دورهم ، حيث تدعم أرباب المنازل بما قدره 5 مليون سنتيم لاتدخل فيها عمليات الزخرفة الخشبية أو الجبصية وكذا الفسيفساء . ورغم هذه المجهودات المبذولة إلى جانب المجهود الجبار الذي قام به الخواص وخاصة المنعشين السياحيين الذي احيوا عددا من الدور والقصور وجعلوا منها اقامات سياحية تستقطب فئات عريضة من السياح الأجانب الذين يفضلون قضاء عطلهم في أحضان هذه القصور يتذوقون الأطعمة المغربية ويتجولون في الأسواق التقليدية منبهرين بعظمة الهندسة المغربية وعبقرية الصانع المغربي الذي استطاع أن يجعل من فاس لوحة نادرة لاتقدر بثمن ، مع ذلك استمرت فواجع الانهيارات وفي طليعتها مأساة مسجد عين الخيل الذي خلف 11ضحية إلى جانب حوادث أخرى مازالت محفورة في ذاكرة أهل فاس ،وتشير ارقام رسمية إلى أن 70 في المئة من ساكني الدور العتيقة مكترون فقط بسومة كرائية يبلغ متوسطها 300 د شهريا ويشغلون مساحات متفاوتة تصل إلى 21 مترا مربعا ،مما جعل اغلب الدور العتيقة تعرف مشاكل الاكتظاظ حيث تحولت هي الأخرى إلى شبه مدن قصديرية وملاذ للمهاجرين من البوادي القريبة من فاس ،مما جعل طابع الاكتظاظ هو السمة الأساسية في المدينة العتيقة وفاس الجديد ، وبالتالي تحولت الدار التي كانت تقطنها أسرة واحدة إلى قلعة يؤمها ما يزيد عن 8 الى 10اسر مما جعل طبيعة بنائها تتغير وتصبح قابلة للانهيار . القائمون على تدبير ملف الإنقاذ يؤكدون وجود إستراتيجية التدخل تعتمد تحديد البنايات المهددة التي تستدعي المواكبة القانونية ،وفي الحالات الأكثر خطورة يتم التدخل السريع لتدعيم البنايات وإنجاز الأشغال وتقوية الهياكل حسب الأولويات . إيقاف مسلسل التدهور وإطلاق برنامج الإصلاح والترميم واكبته مشاريع تنموية للمحافظة على التراث فيما رصدت 280 مليون د لانجاز مشاريع متعلقة بالسكن خلال الفترة المتراوحة بين سنة 2007الى 2017 بينها 76 مليونا رصدت من طرف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وبلدية فاس لانجاز المشاريع المتعلقة بترميم المآثر التاريخية بين سنوات 2008 و2013 . غير أن صعوبات تعترض وكالة التنمية وإنقاذ فاس عند تنفيذ برامج معالجة البنايات المهددة بالانهيار من بينها الوضعية المالية المعقدة والمراجع القانونية التي تسهل معالجة البناء المهدد والكلفة المرتفعة للإصلاح والسرقة المستمرة للأخشاب ،كما تصادف البرامج الإنقاذية مشاكل أخرى مرتبطة بالمواد المستعملة في البناء التقليدي والدراسات وتعقد تركيبة نظام الملكية ،وغياب بنيات استقبال المعنيين بالإصلاح واستمرار الظواهر السالفة وخاصة الاكتظاظ الذي تعرفه المدينة العتيقة وفاس الجديد.