»السلفيون أيضا يدخلون النار« هو ذا عنوان الكتاب الصدر مؤخرا للكاتب والصحفي المصري العامل في «روز اليوسف» وليد طوغان. الكتاب صدر عن دار »صفصافة« للنشر ويتناول بالنقد التحولات الفكرية والاجتماعية التى أحدثتها تيارات الإسلام السياسى - خاصة التيار السلفى - فى المجتمع المصرى، منذ ثمانينيات القرن الماضى.. وما أفرزته هذه التيارات من ازدواجية فى الممارسة والأفكار فى آن واحد. ففى الوقت الذى ارتفعت خلاله - على سبيل المثال - نسبة الحجاب فى الشارع المصري 50% على الأقل مقارنة بما قبل 30 عاما مضت.. لم تنخفض نسبة التقاضى فى الحقوق أمام المحاكم.. ويفسر طوغان هذا التناقض بأننا نميل - عادة - إلى الطقس، أو »المظاهر الطقوسية«، أكثر من المضمون.. ونحتفل باللفظ أكثر من المعنى.. ففي حلقات الذكر مثلا، غالبا ما تتصاعد الأصوات بالتراتيل حبا فى النبي - صلى الله عليه وسلم - وجمال النبي، وكمال النبي.. بينما تندر قراءة القرآن في خيم المتصوفة، ولا تسمعهم يتجاذبون أطراف الحديث - كثيرا - في تفسير آياته! «جمدت التيارات السلفية الدين واحتفظت به في ثلاجات التاريخ، لتفسده المواد الحافظة، مع أن الله سبحانه وتعالي، شرعه لصلاح المجتمعات وإصلاح المجتمعات..لا توجد أدواته في «ثلاجات» التاريخ!» هذه هي مقدمه الكتاب الذي تحدث صاحبه عن التيار السلفي في مصر والذي وصفه بالجمود، فعلي حد قوله لم تطرأ علي التيار السلفي أيه تغيرات فكريه حيث لا يزال أبناؤه يتدارسون الأفكار القديمة والمسائل القديمة وحلول الصحابة القديمة لحل المشاكل الفقهية القديمة أيضا. ويضيف طوغان أيضا أن التيار السلفي رجع بالإسلام إلى الخلف وعلبوه وقالوا إنهم احتكروا ماركاته وخلطاته بسيرهم علي خطي السلف الصالح مع أن السلف لا أمروا ولا شهدوا والأقرب أنهم لم يكونوا ليرضوا لو عرفوا. ووصف طوغان محاولات السلفيين لتقليد السلف الصالح ومحاكاة زمانهم رغم تغير الظروف واختلاف البلاد والعباد، فاحشه تاريخيه ومقتا اجتماعيا وساء سبيلا. وأكد طوغان إن الإسلام ليس دينا سلفيا ولم تنص شريعته علي أن السلف الصالح كانوا هم الدين، مع ذلك لازال بعض الذين ولدوا بعد أكثر من ألف واربعمائة عام من وفاه ألصحابه يرون ذلك. ويشير طوغان إلى أن السلفيين ليسوا أحباب الله حتي لو قالوا ذلك فهم مقلدون تراثيون بينما الدين تقدمي، عفا الله عما سلف، أو ما مضي، قبل نزول الرسالة ووضعت شريعته المستقبل أمام عينها للذين يتفكرون بينما السلفية لا يفعلون. أسبوعية «عين المشاهير» أجرت الحوار التالي مع الكاتب بمناسبة نشر المؤلف واعتراضات سلفيي مصر على مضامينه: - بداية.. لماذا هذا الكتاب الآن؟ - هي وجهة نظري الخاصة التي استعنت فيها بقراءتي للواقع المحيط بنا، قد لا تكون الحقيقة كاملة، ولكنها على الأقل الحقيقة كما أراها، وفى النهاية هي حقيقة خاضعة للنقاش والاختلاف أو الاتفاق حولها، فلست ممن يظنون أنفسهم أصحاب الحقيقة المطلقة. - ولكن عنوان الكتاب مستفز وصادم خاصة أن الجماعات السلفية لم تقل إنها الفرقة الناجية من النار؟ - دعونا نعود إلى الوراء قليلا، إلى الأيام الأولى التي أعلنت فيها الجماعات السلفية باختلاف مناهجها دخول ملاعب السياسة، حيث أعلنوا منذ اللحظات الأولى أنهم سيدخلون إلى تلك الملاعب من أجل تنقيتها من الشوائب والمحرمات، وهذا يعنى أن لديهم اعتقادا راسخا بأنهم هم الدين، وأن الدين يتجسد فيهم، وهذا خطر كبير، خاصة بعد ما أثبتت تجارب الشهور الماضية أن فيهم من يتعامل مع الدين بطريقة نفعية وليس كاعتقاد راسخ في أعماقه. - تقصد حادثة البلكيمي؟ -البلكيمى مجرد حالة وهناك حالات أكبر وأهم منه، فهو مارس الكذب وادعى أنه سرق، وتم الاعتداء عليه ثم ظهرت الحقيقة، ولكن لدينا نموذجا مثل الشيخ حازم أبو إسماعيل الذي يمارس حتى الآن الكذب بطريقة مستفزة، وهو فى النهاية محسوب على المشايخ، الذين ينصت لهم العامة ويتأثرون بهم، وهناك أيضا الشيخ أبو الأشبال، الذي أفتى بأن من لن يصوت لمحمد مرسى فهو آثم وعقابه سيكون جهنم وبئس المصير! - ولكن في النهاية من الممكن أن يقال إن تلك نماذج فردية لا تعبر عن الأغلبية؟ - لا هي ليست نماذج فردية بل هي طريقة تفكير أغلب المدارس السلفية في مصر، وإذا تأملنا حوادث العنف الطائفي التي اندلعت في الشهور الماضية سنرى أن وراءها شيوخا سلفيين، بداية من فتنة إمبابة وكنيسة ماريناب، وغيرها من الفتن التي أشعلها شيوخ الطائفية، الذين مارسوا ما يؤمنون به من احتقار ورفض للآخر. - إذن أنت ترفض حضور المدرسة السلفية في ملاعب السياسة المفتوحة؟ - أنت تقول «المفتوحة»، والمفتوحة تعني قبول كل الآراء والاجتهادات، وهذا ما ترفضه المدرسة السلفية، التي ترى نفسها صاحبة العصمة والفضيلة، ويكفي ما قاله أحد نواب الجماعة السلفية في مجلس الشعب عندما أعلن عبر صفحات الجرائد أنه يسعى مع حزبه السلفي إلى تهميش دور الأزهر!! هل هذا معقول أن يهمش دور الأزهر بكل ثقله وتعاليمه لصالح مجموعة من الشيوخ. - في النهاية أنت ترفض المدارس السلفية؟ -إذا لعبت تلك المدارس أدوارا اجتماعية وسياسية فأنا معهم، لكن إذا أرادوا احتكار الدين لصالحهم كما يفعلون الآن فأنا لست معهم. - نعود إلى كتابك الذي تحدثت فيه عن اختفاء الدعاة الجدد بعد ظهور الطغاة الجدد فماذا كنت تقصد؟ - أقصد أن جيل الدعاة الجدد بداية من عمرو خالد وخالد الجندي ووصولا إلى معز مسعود ومصطفى حسنى لم يصمدوا طويلا أمام شيوخ السلفية الكبار، الذين استحوذوا على الجمهور، فالدعاة الجدد ليس لديهم قاعدة فقهية عميقة، واستعانوا بكتب التراث دون أن يراجعوا ما يقولونه، كما فعل عمرو خالد الذي روى قصة آدم في أربع حلقات تليفزيونية، بينما هي ذكرت في القرآن في آيات قليلة، وهذا معناه أنه استعان بكتب التراث دون أن يعيد مراجعة المروى فيها، وهذا المنطق الهش لم يصمد أمام شيوخ السلفية، الذين نعرف جميعا أنهم علماء وفقهاء من العيار الثقيل، ولكنهم أخذوا الجانب الأكثر تشددا وتطرفاً، ولهذا انهارت شعبية الدعاة الجدد بمجرد ظهور الطغاة الجدد. - معنى هذا أن هناك خطورة أن يتم سحب المصريين إلى التطرف والتعصب على أيدي الطغاة الجدد؟ - هناك تخوف بالطبع، ولكن في الفترة الأخيرة، وبعد أن انكشف التيار السلفي لم تعد ثقة المصريين فيه كما كانت، وهناك أيضا دور للأزهر لا بد أن يقوم به لدعم الإسلام الوسطي. - ولكننا نرى استعانة الدولة المصرية ببعض شيوخ السلفيين الكبار لحل بعض الأزمات؟ - نعم والمدهش أن تلك الأزمات يكون وراءها بعض شيوخ السلفية الآخرون، كما قلت، وهذا أمر لا يليق بالدولة المصرية(...). - هل ترى أن الفكر السلفي جزء من المشكلة أم جزء من الحل؟ - لا بد ألا يكون جزءا لا من المشكلة ولا من الحل فهو له دور معين عليه أن يؤديه في الدعوة، ولكن الآن هو جزء من المشكلة ولن يكون جزءا من الحل أبدا. - هل تفسر لنا تلك العبارة؟ -الفكر السلفي حكم أفغانستان عن طريق حركة طالبان، التي تعاملت مع تماثيل بوذا الأثرية على أنها من الأصنام، وهذا يعنى أنها أرجعت عجلة التاريخ 1400 عام إلى الوراء، إلى لحظة هبوط الوحي، وكأن الإنسانية لم تتجاوز تلك المرحلة، وكأن الإسلام لم يطهر النفوس من الشرك، وما يحكم طالبان من أفكار ورؤى هو ما يحكم الجماعات السلفية هنا في مصر، ولن أندهش إذا سمعت من يطالب بهدم المتاحف الأثرية لأنها بيت الأصنام. - في حالة وصول التيار السلفي إلى الحكم.. كيف ستكون الأمور؟ - هناك تيار سلفي داخل الكنيسة المصرية يتأهب للظهور هو الآخر، ففي النهاية التعصب لا يواجه إلا بتعصب. - والنتيجة..؟ - ربنا يستر!