لايزال موضوع التعليم العالي الخصوصي ببلادنا حاضرا كمشكل من المشاكل التي تتصل بالوضعية القانونية لهذه المؤسسات التي تفتح أبوابها وتشرع في ترويج منتوجاتها بمقابل مالي سنوي غير متاح للجميع، ومع ذلك تضحي آلاف الأسر لتوفر هذه الفرصة لأبنائها الذين يفاجأون، وهم على أهبة التخرج بعد عدة سنوات من الدراسة والتحصيل، بأن الشهادة التي اجتهدوا لنيلها لن ينالونها أو لا تساوي شيئا ولا تخولهم حق ولوج مجال التشغيل. وقد كان الموضوع حاضرا على أثير الإذاعة الوطنية ليلة الأربعاء 30 ماي 2012 بفضل نضالية طالبات وطلبة المدرسة الخاصة للهندسة المعمارية بالرباط التي تفجرت بداية نهاية شهر مارس الماضي، وتناولت موضوعها مختلف المنابر الصحفية المكتوبة ( أكثر من 20 مقالا) وكثير من المواقع الإلكترونية. وقد عبر الطلبة على الأثير عن معاناتهم وطول انتظارهم، كما انفضح في ذات البرنامج سوء تدبير السياسات العمومية في ميدان التعليم العالي، خاصة الدور الرقابي المنوط قانونا بالقطاع الحكومي الوصي، والذي لو تم تفعيله لما كان هناك ضحايا. ومن المفروض أن تسير الاتصالات المجراة مع الوزارة الوصية في اتجاه إيجاد حل ينقذ الطلبة من الإحباط، وتعزيز صفوف العاطلين حملة الشهادات العليا، ويحمي الضحايا من مرارة النصب والاحتيال، ولا يشرع الباب لعدم مساءلة المسؤولين عن ذلك وإفلاتهم من المحاسبة، لكن يبدو أن الآفاق لا تبشر بأي حل جدي ومسؤول حتى الآن. لذا وحتى لا تتنصل الحكومة من مسؤوليتها التي أناطها بها المشرع، كاتب الطلبة وآباؤهم رئيس الحكومة ووزير التعليم العالي ووزير الإسكان، ملتمسين استقبالهم وإيجاد حل يخولهم الانخراط بإيجابية وفعالية في بناء الوطن من الموقع الذي اختاروه أي الهندسة المعمارية. لكن إذا كانت وزارة التعليم العالي قد فتحت أبوابها بخجل وبطء شديدين، وتحاول، حسب الظاهر، العثور على حلول ما، وإن طال زمن البحث ليتجاوز الشهرين إلى يومنا هذا، فإن وزير الإسكان ومعاونيه لم يتكرموا باستقبال المعنيين بالأمر وآبائهم وأوليائهم، رغم الرسائل المودعة في كتابة الوزير ولدى مساعديه وتذكيرات بالرسائل، ورغم الوقفات الاحتجاجية أمام مقر الوزارة، علما بأن وزارة الإسكان وصية بحكم القانون والاختصاص على قطاع الهندسة المعمارية مهنيا وتعليميا وتكوينا طبقا لما أناطها به المشرع بصريح النصوص. لذا يتساءل الضحايا المعنيون عن هذا الموقف الغريب لوزارة الإسكان ورفضها التواصل بجدية ومسؤولية مع ذوي المشكل، وعن وجود أو عدم وجود انسجام حكومي من المفروض أن يكون رئيس الحكومة، الذي توصل بمراسلات في الموضوع، حريصا عليه وعلى التعاطي مع مشكلة هي نتيجة لتدبير سيء للسياسة العمومية. فأي مصير ينتظر عشرات الطلبة الذين تابعوا دراستهم منذ عدة سنوات، في مدرسة تفتح أبوابها صباح مساء ولم تخضع لرقابة مختلف الجهات المسؤولة، وأي آفاق لتسوية هذا الموضوع تراعي مصلحة الطلبة وأولياءهم، واحتياجات البلاد من المهندسين المعماريين، إذا واصلت الحكومة تماطلها عن اتخاذ تدابير تنقذ الضحايا الحاليين وللحد من التسيب الذي ينتج مؤسسات للتعليم الخاص تنصب على المواطنين وتستغل حاجتهم إلى التعلم والمعرفة، بغية الاندماج في المجتمع والمساهمة في بنائه.