الفنان عبد الرحمان السيرسي الدكالي، رجل الكونترباص بامتياز، من الرعيل الأول الذي عمل بالمعهد الموسيقي بشارع باريس بالدارالبيضاء. وفيما بعد التحق بمجموعة «الكولدن هاينز»، وكانت أول انفتاح مغربي على الموسيقى الغربية الحديثة بقيادة الأستاذ عبد القادر الراشدي. ازداد بمدينة الجديدة سنة 1945، انتقل رفقة أسرته إلى مدينة الدارالبيضاء، حيث استقرت بدرب غلف. وتلقى تعليمه الأول بالكتاب والزاوية التجانية ثم التحق بمدرسة «البيردورير» الابتدائية. في نهاية الخمسينات درس بمدرسة الرابطة الافريقية الحرة ليحصل على شهادتها، و بعدها اشتغل في شركة توزيع الصحف والمطبوعات «سوشبريس» ليصبح رئيس قسم المبيعات بها، ليغادرها سنة 1970 دون تقاعد. الفنان عبد الرحمان شارك في المسيرة الخضراء سنة 1975 . يقول عبد الرحمان بأنه دخل المجال الموسيقي من بوابة الشغف بالأنغام وهو في ريعان شبابه. وبحسه الفني ولج معهد الفنون الجميلة، ثم التحق بالمعهد الموسيقي ليدرس الصولفيج ثم آلة العود مع الفرنسيين وبعض اليهود. كان يتميز بمعانقته الوازنة لآلة الكونترباص (هذه الآلة التي تعتبر أقدم آلة موسيقية، و يرجع تاريخ ظهورها بألمانيا سنة 1892، وكان قد اقتناها من الفنان عبد القادر قائد أولى فرق الحداثة في الموسيقى المغربية) التي يعتز بها ويعشق العزف عليها ببراعة يشهد له بها كبار الفنانين المغاربة. شارك عبد الرحمان في عدة حفلات وفي مختلف الأجواق الكبيرة مثل «جوق السعدي» و«جوق الدكالي» وفي أجواق بالرباط والدارالبيضاء. عرف وجوها فنية مرموقة، كما كان ضمن الجوق الوطني لفترة. بدأ مساره الفني منذ سنة 1961، عبر الأغنية المغربية. وفي بداية سنة 1964 ساهم في تأسيس جوق «الشروق» بدرب غلف رفقة حسن الصويري وفنانين آخرين، وكلهم من طلبة المعهد الموسيقي بالدارالبيضاء. في سنة 1965 أسس الموسيقار عبد الوهاب الدكالي جوق «العهد» وكان العازف عبد الرحمان يشارك فيه بالكونترباص. كان يعتبر سنوات 1964- 1968 قمة عطاء جوق «العهد». وكان أول تسجيل له أغنية «كاتعجبني» لعبد الوهاب الدكالي و «أومالولو» لفويتح و«عشاق» و«لعروسة» لمحمد لمزكلدي، وفيما بعد تم تسجيل أغنية عبد الوهاب الدكالي «ما أنا إلا بشر». عمل كمساعد في تسجيل بعض المقطوعات من خلال الرحلات والجولات عبر الأقاليم، وأصبح عضوا أساسيا في «جوق الدارالبيضاء»، مكان الفنان لبليدي عازف «الكونترباص»، بعد إصابة هذا الأخير بتوعك يمنعه من الوقوف. وعندما توفي لحبيب الشراف عازف الكونترباص بالجوق الوطني تحت قيادة أحمد البيضاوي، طلب هذا الأخير من عبد الرحمان مساعدته في إدارة الجوق، ثم التحق بالإذاعة، وطور العزف على آلته من مجرد النقر بالأصابع إلى العزف بالقوس (الآرشي). كما أشرف على إدارة فيلم «دموع الندم» لمخرجه الشاعر والفنان حسن المفتي، وكانت آخر أغنية سجلها مع الجوق الوطني «وقتاش تغني يا قلبي» وثلاث قطع أخرى للمطرب الحياني. يتأسف على تراجع كبار الملحنين وانزوائهم في بيوتهم، ولا أحد يلتفت إليهم. أصيب الفنان بوعكة صحية مؤخرا، نتمنى له الصحة والمزيد من العطاء الفني.