يعد المغاربة المقيمين بالخارج أحد أعمدة المغرب اقتصادياً وسياسياً. فبفضلهم يضمن المغرب مداخيل تصل الى 5 مليارات أورو سنوياً. وتبعا لذلك فهو مضطر لتغيير سياساته العمومية باستمرار، للمحافظة على هذه «الدجاجة التي تبيض ذهبا»، والى جانب الشق المادي، هناك جانب لا يقل اهميه، هو مساهمة آولئك المهاجرين «في العولمة من أسفل»، .وهو الشيء الذي أصبح يشكل ورقة رابحة للرباط. اذ بعد الهجرات قوية في الخمسينات والستينات لليد العاملة باتجاه فرنسا ودول أخرى في أوربا، شكلت المملكة العلوية مصدراً كبيراً للمهاجرين، ومازالت، فهي مصدر للهجرات إلى اليوم، بمتوسط سنوي يقدر ب 100.000 شخص. وبذلك تمت مضاعفة رقم المهاجرين المغاربة في الخارج بأكثر من الضعف بين سنتي 1993 (1,5 مليون) و 2007 (3,3 مليون)، حسب الأرقام الرسمية. بينما التقديرات تقدر أن الرقم وصل ل 4,5 مليون في 2011. ويرجع ذلك التكاثر في شق كبير منه، الى معدلات الولادة القوية التي تسجل في صفوف المهاجرين، خصوصا وأن التشجيعات التي تضعها الدول المستقبلة تساعدهم على ذلك. وهو الشيء الذي له تأثير اقتصاي واجتماعي وسياسي قوي. ويلزم البلد بانجاز قدر كبير من الأحكام القضائية والقوانين والسياسات الحكومية، وتنظيم مجموعات للبحث من أجل تأطير الهجرة والسعي للاستفادة، خصوصا فيما يتعلق بتطوير سياسة أكثر نجاعة وشمولية تسمح بالحفاظ على صلة وصل قوية مع المواطنين وأحفادهم، وضمان دوام التحويلات المادية و» »تحفيزها«« للمهاجرين. وعرف المغرب بناء على ذلك في العشر سنوات الأخيرة، تغييرات قانونية وسياسية وديبلوماسية أكثر من أي وقت مضى، فيما يتعلق بموضوع الهجرة، مثال ذلك التغيير الكلي للإطار القانوني الذي ينضم بالتفصيل الذي تشكله المادة رقم 02-03 ل 11 نونبر 2003 حول «»مداخيل وزيارات الأجانب للمغرب، الهجرة والهجرة غير المنتظمة«، وهو الشيء الذي لا سابق له منذ الحماية الفرنسية (1956/1912)، اذ اضطرت المملكة تحت ضغط الاتحاد الأوربي، لاستفزاز قدراتها المتعلقة بضبط حدودها من الهجرة التي توصف بالغير الشرعية، خصوصا أن داخل سياق ما بعد 11 شتنبر 2001، حين صارت الهجرة شيئا »»مخيفا««، لا سيما هجرة الأفارقة من جنوب الصحراء، مشكلة مصدر قلق رئيسي للأمم المتحدة. وحدث في ظل هذه الشروط الضاغطة، أن تطلع المغرب لزيادة التنسيق مع دول الاتحاد الأوروبي، باتفاقيات التعاون حول التنقل والإقامة ما يسر إلى حد ما زيادة رقم التأشيرات الممنوحة للمواطنين. خصوصا وأن المغرب، جعل من نفسه شريكا استراتيجيا للأمم المتحدة في رؤيتها التي كانت تقترب شيئاً فشيئاً من الرؤية الأمنية تجاه الهجرة، مستفيداً من مرور ملايين الأوروهات كمساعدات لضبط حدوده. وظهر سنة 2007، قانون الجنسية الممنوحة للأبناء عبر الأم ، أياً يكون مكان الازدياد. هذا النص الذي يلخص مواقف أخرى مأخوذة لأجل عدم ضياع العلاقة مع أطفال المهاجرين المغاربة، المولودين خارج البلد، ما قواه دستور 2011، الذي سمح بالجنسية المزدوجة. ممكنا المغاربة المقيمين بالخارج من المشاركة المباشرة في الانتخابات، على الرغم من أن ذلك، لم يطبق بعد واقعياً، وتم انشاء بالموازاة مع ذلك مجموعة من المنظمات المختصة ، والتي أهمها الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج ومجلس الجالية المغربية بالخارج. «باب الدخول» إلى أوربا وأصبحت الهجرة بناء على كل ما قدمنا، مسألة أساسية في السياسة الداخلية والخارجية، الذي لا يغيب عن المملكة استغلالها بانتظام ك »ورقة رابحة ديبلوماسيا« وتذكر مخاطبيها الاوروبيين بأنها قد تشكل موردا للهجرة المختارة، وطريقا أكثر أمانا ك »باب دخول« لأوربا، مشكلة شريطا استراتيجيا غير قابل للتجاوز. هي التي تطمح للاستفادة من موقعها الجغرافي والتأسيس لرغباتها في النمو ضمن علاقات شديدة الالتصاق بأوروبا ... وفعليا فالمغرب يحتل مكانة كبيرة في الحوارات بين المتخصصين والمتدخلين الأوروبيين في الحكامة، ما أصبح بالنسبة للبلد »وسيلة« في علاقاتها الدولية، في سياق أن الهجرة والتقدم كان إحدى أوليات الأجندة السياسية العالمية في السنوات الأخيرة. يتعلق الأمر بالقيام بتحركات متدرجة هدفها هو تنزيل اجراءات أمنية تحمي حدود تجاه الهجرة الغير الشرعية، وفي نفس الحين عبر إدراج أسئلة التنمية وسياسية إدماج في البلدان المصدرة للهجرات. وهكذا فالمغرب كونه أحد المصدقين على اتفاقية حماية حقوق العاملين المهاجرين، نجح في أن يصبح فاعلا ديبلوماسيا مهما، فيما يخص موضوع الهجرة، خصوصا لما برز في مبادرة اللقاء الوزاري حوار الاوروافريقي حول التطور المنظمة في الرباط سنة 2006. لكن ما وجب الانتباه له أن الهجرة الدولية ليست فقط ريعا ماليا وأداة سياسية، لكنها في نفس الوقت تجر سياسات المملكة الى الانفتاح على العولمة، ومعه تسارعت وثيرة الاجراءات البلد بأمل أن يتجذر في الفضاء الاورومتوسطي في ملتقى منذ تولي محمد السادس الحكم سنة 1999، وانطلق في المشروع الضخم للعولمة والتنمية الاقتصادية كرهان للانتشار من اجل جذب الاستثمارات المباشرة من الخارج، ومن أجل ذلك قام بتنمية البنيات التحتية وخاصة منها المتعلق بالاتصال والاتصالات، ومن جهة أخرى بتطوير المؤسسات والقواعد والمعايير اتجاه السياسة الاقتصادية الجديدة، والعمل من أجل الانخراط في مناطق التبادل الحر، وخلق مناطق حرة والخوصصات وانفتاح اضافي على التجارة مع حذف أو نقص العوائق الجمركية، وتخفيض كلفة التحويلات وقابلية صرف رؤوس الأموال، ومرونة أكبر في سوق الشغل الخ. ضمن استراتيجية المغرب في أن يصبح منطقة للتنقل والعبور وأرضية اقتصادية له... و يتم استعمال منطقة طنجةتطوان في الشمال الشرقي كرافعة لهذه الاستراتيجية، وخاصة في مشروع (طنجة ميد)، اذ بنت الدولة المغربية ميناء ضخما ومناطق حرة بالاضافة إلى نقط استجمام، وهناك كل شيء أو تقريبا مخصص للعبور بمختلف أشكاله، بما يحفز الترابطات البينية: الاستيراد والتصدير والتفريغ والتحميل والتجميع الآليات لأغراض الشحن، وإعادة التصدير ونقل الساكنة وانشاء خطوط النقل الفائق السرعة (التي جي في) وتسريع انشاء الطرق السيارة... إلى جانب متطلبات الترفيه ومراكز الاعمال الخ. وتعليقا على ذلك نسجل آن المغرب اذا كان بهذه الطريقة يتطور ويشتغل على التحديث من جهة، إلا آنه من الجهة الأخرى يحدث أن الفوارق بين الأشخاص والمناطق تتسع المناطق الفقيرة لا تستفيد اطلاقا من هذه التنمية المنتجة عبر الانفتاح على العولمة، وبنفس الطريقة بعض المغاربة لا يتوقعون ان تأتي الثروة نحوهم، بل يأخذون المبادرة ويستبعدون الاقصاء عنهم، وسيستغلون الاقتصاد الغير المهيكل ويتدبرون أمورهم بالامكانيات المتاحة، ويبنى على ذلك أنه وبشكل متلازم، يصبح القطاع الغير المهيكل أسهل وأكثر جاذبية بفضل تطور بعض القطاعات في المغرب من قبيل الطرق والانترنيت، والهواتف المحمولة وت والاسواق والوكالات المسهلة للتحويلات المالية الخ، وبالموازاة يزيد تنقل الاشخاص من بلدان الى أخرى وتتكثف بفضل التطورات السياسية والبنيات التحتية الممولة بشكل اساسي، من طرف الانظمة بهدف تطوير وتنمية بلدانها. بناء على ذلك فالنمو الاقتصادي النسبي الذي يعرفه المغرب هو بعيد عن ان ينقص الهجرة، بل بالعكس فهو في الحقيقة يشجعها، لذلك نستطيع أن نفهم ان الرابط بين التنمية والهجرة ليس بالبساطة التي يظنها بعض صانعي القرار. وتشكل سياسة التدبير في المدن الكبرى مثل البيضاءوالرباطوطنجة شيئا جالبا لما يمكن أن نسميه بملتقى للهجرة، اذ يهاجر آلاف المغاربة والمغربيات باستمرار إلى هذه المدن من اجل البحث عن حلول مساهمين بذلك في التمدن القوي الذي تعرفه البلاد، وإن كانو انطلاقا من هذه المدن الثلاثة يطمحون في الهجرة الى الخارج، اذ نسجل أنه في حين أن الاجيال السابقة كان السائد فيها أن الناس يهاجرون من البوادي والدواوير مباشرة، نجد آن اكثر من ثلث المهاجرين الجدد عاشوا في البيضاء آو الرباط أو طنجة على الاقل سنة من رحيلهم الى الخارج، ما يربطهم بها سواء في حالات الرجوع في العطل او العودة النهائية، فهم يفضلون ان يستقروا في مدينة قريبة الشبه من المدن التي عاشوا فيها في الخارج، بعيدا عن أي رغبة في العودة الي المناطق التي جاؤوا منها. وبالاضافة الى ذلك فالمدن موضوع الحديث تستقبل بشكل دائم مهاجرين اجانب اوروبيين، واسياويين ومغاربيين واكثر فاكثر أفارقة من جنوب الصحراء، باختصار لقد اصبحت ملتقى للمهاجرين، هؤلاد الذين في الأصل جاؤوا أحياء شعبية مهمشة هي غالبا كارينات قديمة، أصبحوا حاليا يبنون حياة اجتماعية جديدة، اذ في الواقع يعتمد الكثير من ساكني هذه الاحياء الهامشية عبر تحويلات اقاربهم من الخارج، والعديد من المنازل، بنيت عبر هذه التحويلات، مغيرة منظومة القصدير الي البناء الحديث، محولة بذلك الشكل الحضاري.. هؤلاء الذين كانوا غالبا في وضعية من الحرمان ساعة دخلوا المدن، أصبحوا يربطون تلك الاحياء على ايقاعهم، ما ينتج دعامة حقيقية للعولمة، صفتها آنها دعامة من أسفل . ويبني عامة هؤلاء الملاك الجدد منازلهم بالتدريج طابقا طابقا، ويمولون استثماراتهم وأعمال البناء بالتدرج عبر اكتراء أجزاء منها، لكرائين هم في الغالب مهاجرون من الداخل، والذين جاؤوا للانضمام إلى صفوف العاملين في العمل غير المهيكل، تاركين ورائهم عائلات يرسلون لها جزءا كبيرا من دخلهم المتواضع، ويقرر البعض منهم أن يستقر ويستبدل نوعية سكنه وأن يصبحوا أنفسهم ملاك أو / و ينجزون مخططا للهجرة باتجاه الخارج، ولكن يتم تعويضم بقادمين جدد باستمرار. يضاف إلى ذلك أنه وبنفس الطريقة منذ بداية العقد الأول من القرن الجديد، يمثل المهاجرون من جنوب الصحراء على الرغم من أنهم يمثلون جزءا كبيرا من المكترين ولو أن المغرب لا يشكل بالنسبة لمعظمهم إلا خطوة بتجاه أوروبا، وهم مساهمين في اقتصاد تدبير الأمور الذي يسمح لبعض العائلات المغربية بضمان مدخول صغير أو أن يصبحوا ملاك. نحن نشهد دينامية بين أنظمة مختلفة للتنقل والانبعاث واقتصاد الرواج، و بانفتاحه بهذه الطريقة يدخل المغرب بأجزائه كاملة في العولمة الاقتصادية، في أشكال مماثلة، ويحاول منسبو سياسة التنمية الاقتصادية هذه، والتي تحتوي لفحة من الليبيرالية المحدثة، يحاولون ضد أو مع الدولة هم أيضا أن يدخلوا بواسئلهم الذاتية، وفي حين أن الرباط تنمي بنايتها التحتية، وتحدث مخططاتها للتحرك بهدف الاندماج الاقتصادي والثقافي والسياسي لمغاربة الخارج، وتحمل ديبلوماسيتها وتواصلها في مسائل الهجرة، وتنجز سياسات مسهلة للتحويلات المالية والعودة. هذه الجموع تنتج عولمة من الأسفل مدمجة أكثر مما تتصور البلاد في المجال الأورومتوسطي. مجلة «مويان أوريون» الفرنسية أبريل - يونيه 2012