«تغبالوت» إسم يطلق على عين ماء بدوار أيت غمات في اتجاه الوادي بايت يحيى بجماعة أيت سدرات السهل الغربية ، وإلى أقرب وقت كان هذا الينبوع المائي محجا لساكنة الجماعة ، خاصة في فصلي الربيع والصيف، حيث يقضون فيه أوقاتا طويلة هروبا من الحرارة ويملأون جرارهم بمائه الزُّلل البارد، ويتناولون فاكهة التين التي تشكل ثُلُثي الغطاء النباتي بالمنطقة، ماء الينبوع هذا لا تستفيد منه الدواوير المجاورة لأيت غمات فحسب بل شُقَّت منه ساقية كبرى تمر عبر جنان «تيزي نيغجدر» إلى أن تصل إلى دوار «الوادي الأسفل».. وكان هذا الينبوع مصدرا مائيا مهما جعل هذه المنطقة دائمة الاخضرار حتى في سنوات الجفاف.. وبعد التقطيعات الجماعية التي هندستها عبقرية الداخلية في عهد البصري والتي أنبتت جماعات فقيرة بلا موارد، تم تقسيم جماعة أيت سدرات السهل إلى جماعتين هما: « ايت سدرات الشرقيةُ و أيت سدرات الغربية » المكونة من قبائل أيت يحيى وهي موضوع ورقتنا.. وأمام اجتهادات ونضالات فعاليات المجتمع المدني قامت الجماعة ببناء صهاريج مائية وحفر آبار لربط الدور بقنوات الماء الشروب، فاستبشر السكان خيرا معتقدين أنهم تخلصوا بشكل نهائي من معاناة الذهاب للينبوع، واعتقدت نساؤهم أنهن ارتحن من ثقل ملء الجِرار.. لكن الفرحة لم تدم طويلا ، فهذه الصهاريج لا تخضع إلى أية نظافة ومياهها تفتقد للمعالجة إلى درجة أن روائح كريهة تنبع منها ، بل تملأها الحشرات.. يقول أحد السكان: «مياه الجماعة تسبب لنا في الإسهال الحاد والقي وألم البطن و التسممات، الصهريج لا يتم تنظيفه إلا نادرا وتُرِك مهملا حيث تنبعث منه روائح كريهة، ونظرا لهذه العفونة أصبح عشا للحشرات والديدان الصغيرة السوداء ». العديد من السكان ألغوا تماما فتح صنابير بيوتهم وعادوا لآبارهم التي هجروها منذ سنين، يقول أحدهم : «أيت يحيى غنية بالمياه، بأراضيها يلتقي وادي مكونة بوادي دادس ليمتزجا معا في واد واحد، وهما الرافدان الأساسيان لنهر درعة، و المزودان الرئيسيان لسد المنصور الذهبي.. المنطقة أيضا غنية بالمياه الجوفية وهو الأمر الذي لم يستغل من طرف المسؤولين بشكل علمي وجاد لتوفير كل الشروط اللازمة التي تضمن ماءً مُعالجا صالحا للشرب بدلا من هذه الأزمة » . شاهدنا أن البعض وضع صهاريج بلاستيكية من حجم 50 و100 لتر فوق سطوح بيوتهم وربطوها بأنابيب لتزويد بيوتهم بالماء كحل مؤقت ، مستغنين عن ماء الجماعة ورغم ذلك فهم يؤدون ثمن الربط، والذين لم يكن لهم بُدٌّ من هذه المياه فإنهم يؤدون ثمنين، الأول من جيبهم، والثاني من صحتهم.. يقول أحد الفاعلين الجمعويين: «لقد راسلنا عدة جهات ونبهنا مسؤولي الجماعة والسلطات المحلية، وأعطيت لنا وعود آخرها أنه سيتم التغلب على هذا المشكل قبل نهاية هذه السنة، لكن السكان يتخوفون أكثر من أن تشتد معانتهم وهم مقبلون على شهر رمضان الذي سيأتي في عز الحر.. خصوصا أن الوعود مجرد كلام ليس إلا.. » . تبدو المشاهد الطبيعية للقرية جميلة هادئة، وخرير مياه الوادي يكسر هذا الهدوء، وتزيدها صخبا معاناة السكان مع الماء وهم يدركون أن بدونه لا يمكن للحياة أن تستمر..