مرت الآن أكثر من خمسين (50) يوما من اعتصام المعطلين أمام إدارة الاستغلالات المنجمية بالمكتب الشريف للفوسفاط بخريبكة، والتي تخللتها مسيرات احتجاجية وإضرابات عن الطعام وعرقلة النقل الجهوي لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط ووقفات يومية أمام الإدارة ورغم الوعود المتكررة للسلطة المحلية، إلا أن الجميع أخلف الموعد وأداروا ظهورهم إلى الوراء وضربوا عرض الحائط كل الالتزامات الوردية وتركوا المتضررين وسط أكواخهم البلاستيكية أمام الإدارة يعانون من شدة البرد القارس ليلا وحرارة الشمس المفرطة نهارا والتساقطات المطرية غير مبالين بمعاناة أبناء المنطقة . ولتقريب الرأي العام من هذه القنبلة الموقوتة، قامت الجريدة بزيارة للمعتصم في ميدان التشغيل وعاشت مع المعتصمين لحظات نضالية بامتياز ونقلت معاناتهم. مرت أكثر من سنة كاملة على الأحداث الدموية التي عرفتها مدينة خريبكة، والتي نجمت عنها خسائر مادية جسيمة في المنشآت الفوسفاطية وإصابات بليغة في صفوف المتضررين والقوات العمومية واعتقالات بالجملة ومحاكمات وأحكام قاسية وذلك بسبب احتجاجات شباب المنطقة وأبناء المتقاعدين الفوسفاطيين على سياسة مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط الإقصائية في التشغيل وتسوية أوضاع العاملين بمقاولات المناولة وعلى تماطل السلطة في تنفيذ الوعود والالتزامات والحرمان من السكن الاجتماعي . لإخماد «البركان» الاجتماعي، قررت الإدارة العامة لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط عقد لقاءات مع الضحايا ومع الهيئات السياسية والنقابية والجمعوية بحضور السلطات الإقليمية والأمنية، واتخذت مجموعة من الإجراءات منها التوظيف المباشر (3800) والتكوين المهني (15000) ودعم مقاولات الشباب (120) في مختلف المراكز الفوسفاطية لكن العملية برمتها شملتها عدة خروقات وتجاوزات من محسوبية وزبونية والشطط في استعمال السلطة من التسجيل إلى التنفيذ ؛ مما زاد من التوتر واتساع رقعة الاحتجاج . قبل الزيارة الملكية للمدينة بأيام، عاد المحتجون إلى ميدان التشغيل أمام إدارة الاستغلالات المنجمية وأعلنوا عن اعتصام مفتوح منذ 13 مارس الماضي . معتصم لأكثر من خمسين يوما المعتصم عبارة عن عشرات الأكواخ البلاستيكية المرابطة بجانبي الشارع الرئيسي لإدارة الاستغلالات المنجمية، والذي يتواجد بها مدير المركز وطاقمه وبقرب من الأوراش المركزية ومرائب النقل الجهوي ونادي المهندسين ، وعلى بعد أمتار معدودة من الإقامة الملكية ، يتواجد بالمعتصم حوالي 400 شاب وشابة وأرامل ومتقاعدين ، والذين رابطوا بالمعتصم وإلى حدود الزيارة أكثر من خمسين يوما بدون انقطاع ، يبيتون في الأكواخ ويفترشون الثرى ويقتاتون بشكل جماعي مما وفروه من مساهمات فردية أو ما جادت به عليهم بعض العائلات .. علقوا لافتات بمحيط المعتصم ورايات وطنية وصور الملك وسبورات بها البيانات الصادرة عن المعتصم ومطالب المتضررين .. يتكون المعتصم من عدة مجموعات من حي الزيتونة وحي لبيوت (خريبكة) ومن أبناء حطان وبولنوار ، وكلهم ضحايا مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط من أبناء المتقاعدين الفوسفاطيين وأبناء المنطقة والأرامل والمتقاعدين . داخل المعتصم جلست بعثة الجريدة وسط كوخ بالمعتصم، محاطة بعشرات المعتصمين، والذين نظموا اللقاء بشكل عفوي وتلقائي وبشكل محكم وعبروا للجريدة عن معاناتهم ومطالبهم وآفاقهم المستقبلية. تفاجأ المعتصمون بالزيارة واستحسنوها، واعتبروها مناسبة لإيصال معاناتهم إلى الرأي العام الوطني. أكد المعتصمون أنهم ضحية الإقصاء الممنهج من طرف مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط في المشروع الذي قدمه لحل معضلة التشغيل وهو مشروع OCP SKILLS ، حيث أن الإدارة وعدتهم بالتشغيل بعد الأحداث الدموية لسنة 2011 ... وأن المشروع واكبته خروقات عديدة.. بدءا بوضع الملفات في المقاطعة الحضرية الأولى، حيث تم تمزيق عدد كبير من الملفات واستهدف المناضلين الذين احتجوا في السنة الماضية، كما أن الاستدعاءات لم تصل إلى أصحابها واعتماد الإتاوات وإتلاف الدعوات، كما أن المستفيدين الغرباء هم من أبناء السلطة ورجال الأمن والمهاجرين والعاملين في وظائف أخرى، ولما استفسروا الإدارة، أكدت لهم أن الجميع سيتوصل بالجواب، سواء كان إيجابيا أو سلبيا، لكنها تنكرت لذلك، بل أكدت أنه سيتم تعويض كل الذين لم يتوصلوا بالجواب، وأضاف المعتصمون أن الأرقام التي أعطتها الإدارة سواء في التوظيف أو التكوين أو دعم المقاولات، هي مجرد أرقام غير حقيقية وتمت في سرية تامة واستحوذت على وسائل الإعلام الرسمية دون أن يستمعوا للرأي الآخر، حول مدى جدية تلك الأرقام ونوعية المستفيدين وطرق الاستفادة إلى غير ذلك، كان على الإعلام أن يتصل بالمعنيين بالأمر وخاصة الضحايا لمعرفة الحقائق المرة لهذا المشروع... يتساءل المعتصمون حول أسباب إقصائهم من المشروع واستفادة بعض الغرباء، ولماذا تم استهدافهم، إن مجموعة من عائلات المعتصمين تشردت وبدون الاستفادة من المشروع وأصبحت بدون سكن رغم تضحيات آبائهم. إن كل المعتصمين هم من أبناء المنطقة، منهم من حصل على دبلوم المعهد العالي للتكنولوجيا والتأهيل المهني ومنهم من هو حاصل على مستوى الثالثة تأهيلي ومنهم بدون دبلوم، ومنهم من له تجربة مهنية وحرفية خاصة... كما أن هناك من الذين انتزعت أراضيهم عن طريق نزع الملكية بأثمنة بخسة (20 درهما للمتر المربع)!! وآخرون بالقوة، وبدون الاستفادة من التشغيل في المقاولات المناولة السابقة قبل الاحتجاج في الموسم الماضي، وآخرون الرافضون لبيع ممتلكاتهم قسرا، تم حصارهم بالآليات وبالركام من الفوسفاط حتى لا يستغلوا أراضيهم ! إنهم ضحايا الإدارة وقمع السلطة، كما أن آبارهم جفت ومنازلهم تشققت بفعل البارود المستعمل داخل الأوراش. إن المعتصمين الذين صمدوا لأكثر من خمسين يوما، تعرضوا للإهانة وتلفيق التهم وهجوم البلطجة المسخرة من طرف الإدارة واستفزاز الأمن، وأصيب بعضهم بالأمراض المفصلية (حالة خالد الطنك) وأمراض الزكام الحاد والمغص، والإغماءات اليومية، وانفصالهم عن عائلاتهم وأولادهم وترك مصالحكم الشخصية، والتضحية بصحتهم ووقتهم لأنهم مقتنعون بقضيتهم وبعدالتها، ومواجهة الظلم و»الحكرة»، ودفاعا عن الكرامة وعن الحق في حياة كريمة وفي تفعيل الدستور وتنفيذ الاتفاقات والوعود السابقة. مدينة ضحية سياسات لا شعبية إن المنطقة ضحية السياسات المتعاقبة لإدارة الفوسفاط، منذ بداية الاستغلال سنة 1921 إلى حدود اليوم، منها الاستغلال البشع للأراضي الفلاحية الصالحة للزراعة في كل من جماعات الفقراء، المفاسيس، اولاد عزوز، أولاد ابراهيم، أولاد عبدون، أولاد بوعلي، بني سمير، بئر مزوي، لكفاف سيدي شنان... وتخريبها وتدميرها، ناهيك عن استغلال العمال في استخراج الفوسفاط من المغارات الأرضية (لغار) وما تعرضوا له من أمراض مهنية «السليكوز» غير المعترف بها من طرف الإدارة والدولة... وأن أغلب هؤلاء العمال الذين تقاعدوا يتوفون مباشرة بسبب المرض القاتل «السليكوز»، ماتوا وفي قلوبهم شيء من حتى، لا الوضعية تحسنت ولا الأبناء اشتغلوا، وأن زوجاتهم الأرامل يحصلون على راتب شهري لا يصل إلى 500,00 درهم !!! ضحوا بأرواحهم وبأبنائهم خدمة لإدارة الفوسفاط، استغلت شبابهم ورمتهم جثثا هامدة والذين يتجاوز عددهم العشرين ألفا بالإقليم. كانت الإدارة تتخذ إجراءات لا شعبية ولا وطنية وبدون مراقبة ولا محاسبة، وكانت تجد في الدولة والسلطة دعما كبيرا ومساندة لا مشروطة، واعتبرت عصا الإدارة تضرب بها كل من رفض تلك القرارات الزجرية ولم ينضبط لها، وذهب ضحيتها آلاف العمال وخاصة النقابيين من توقيفات وطرد ومحاكمة واعتقال، والآن الأبناء يؤدون الضريبة مزدوجة وهم استمرار لتلك الإجراءات وضحايا أبرياء لا ذنب لهم، إلا أنهم أبناء هذه المنطقة الفوسفاطية، تحولت المنطقة إلى مزبلة الفوسفاط، من تخريب لأراضيها ومنازلها وتهجير لسكانها وتلوث لطبيعتها ولمواطنيها، وقذفت بها إلى المجهول وإلى النفق المسدود وإلى الخراب، وإلى الموت عبر قوارب الهجرة إلى الضفة الأخرى. وأضاف المعتصمون أنها سياسة لاشعبية ضد أبناء المنطقة. معتصمون واعون بمسؤولياتهم أكد المعتصمون أنهم وطنيون يحبون بلادهم وملكهم، وهم واعون بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم ومستعدون للتضحية لخدمة البلد والمنطقة وهذا من واجبهم، لكن لهم حقوق: الحق في التشغيل، الحق في السكن، الحق في الكرامة والحق في العيش. يعرفون جيدا أن الفوسفاط ملك للبلاد بأكملها لدعم الاقتصاد الوطني، ولكن المنطقة هي جزء من هذا الوطن، لها حقوق على الدولة والإدارة في التنمية والاستثمار وليس التفقير والتجويع والتهجير والاستغلال البشع والتحقير والمس بالكرامة، وهذا ما أجج الحراك الاجتماعي بالمنطقة. لا يعقل أن تتحول المنطقة، من منطقة فوسفاطية إلى منطقة أمنية، وتحويل دار الثقافة وقاعة الأفراح، الشريف الإدريسي، التكوين المهني، الباشوية، المركب التربوي، عمالة الإقليم، الخيرية... إلى ثكنات عسكرية وأمنية تتأهب لأي تدخل أمني استعجالي وتنفيذ الأوامر لكبح الاحتجاجات، وتنازلت تلك المؤسسات عن مهامها الثقافية والتعليمية والتربوية والتكوينية والإدارية لفائدة الأمن، وبالتالي تحولت المنطقة إلى منطقة أمنية بامتياز. إن الإدارة عوض أن تنكب على المشاكل الحقيقية للمنطقة وأبنائها، أخطأت العنوان واتجهت إلى حلول ترقيعية من توزيع صدقات على المجالس البلدية والقروية عن طريق السلطة الإقليمية وتنفيذ بعض المشاريع المتواضعة وتفويت مصالحها ومشاكلها إلى المقاولات المناولة القريبة من الإدارة، وتشغيل بعض المتقاعدين الفوسفاطيين المحظوظين (حوالي 1200) وحذف الدرجات الصغيرة من الإدارة وتوظيف من خارج المنطقة والانفتاح على الشركات الدولية والوطنية من خارج المنطقة، مما حول المنطقة إلى «كيتو» من نوع آخر إنها دولة داخل دولة. مطالب مشروعة للمعتصمين إن المعتصمين يطالبون الحكومة بمحاربة الفساد كما تدعي وتبدأ من المنطقة ، من خلال فتح تحقيق نزيه حول الخروقات والتجاوزات التي عرفها تنفيذ مشروع OCP SKILLS في التوظيف والتكوين ودعم المقاولات، وتشغيل المعتصمين وإنصاف ضحايا التهجير ونزع الملكية والأرامل ووضع استراتيجية وطنية لتنمية المنطقة وتنفيذ الوعود والالتزامات بشكل شفاف ومسؤول وتطبيق القانون المنجمي وخاصة الفصلين 6 و 27 لتفعيل الحصيص وإيقاف تشغيل المتقاعدين الفوسفاطيين وتعويض الدرجات الصغيرة وتسوية وضعية المتقاعدين الفوسفاطيين، وعلى السلطة الإقليمية أن تسهر على تنفيذ ذلك بدون محسوبية أو زبونية وتصحيح وضعية المقاولات المناولة من خلال مراقبتها ومحاسبتها ومتابعتها وفرض تطبيق القانون واحترامه، والضرب على أيادي المتلاعبين وإرجاع المعتقلين والمطرودين وتعميم تجربة بوكراع في الاستفادة من التشغيل والسكن والدعم المادي... إن المعتصمين عازمون على تصعيد صيغهم النضالية، مرت أكثر من خمسين يوما من الاعتصام لم يحرك ساكن المسؤولين، رغم أن عامل الإقليم زار المعتصم في اليوم 19 من الاعتصام وتفاجأ بوضعيتهم واستغرب لجهله لقضاياهم ! وفي حالة استمرار الوضع وعدم الإنصاف، فإنهم مستعدون للتضحية من أجل التشغيل! تهريب إدارة الفوسفاط ما يقع بميدان التشغيل حتم على إدارة الفوسفاط بخريبكة إغلاق مقر الإدارة، ونقله إلى سيدي شنان الذي يبعد عن المدينة بأكثر من ثلاثين كلم، وفرضت على مصالحها الداخلية التنقل بشكل يومي لاستمرار العمل الإداري، كما فرضت على أطرها أيضا العاملين بالإدارة التنقل وقطع تلك المسافات للعمل، ونفس السيناريو مع المتعاقدين مع الإدارة والمواطنين والفاعلين النقابيين والسياسيين والجمعويين، وأكد المعتصمون أنه تم تهريب الإدارة وتهريب الموظفين ونقل كل الوثائق والمستندات والملفات، كما أن الإدارة أزالت أغلب العلامات التشويرية من الشارع والمركب المؤدي للإدارة، وتحول المركب الإداري للفوسفاط إلى أطلال، وذلك خوفا من المعتصمين ومن الإحراج الذي سببوه للإدارة ! خلاصة لا بد منها إن الحراك المغربي الاجتماعي الذي انطلق بمدينة خريبكة، وهذا طبيعي جدا، بحكم أن المدينة عمالية ومنجمية، وتأثرت بنضالات عمالها ونقابتها منذ سنوات، سواء إبان الاستعمار الغاشم وتضحيات أبنائها بأرواحهم من أجل استقلال البلاد وخاصة إبان 20 غشت 1955، والهجوم الذي تعرضت له المدينة بالطائرات والدبابات الحربية والاعتقالات والإعدامات والمحاكمات، ونضالها إبان الاستقلال من أجل الديمقراطية ودولة المؤسسات، ومعاناتهم أيام الجمر والرصاص، والإضرابات التاريخية لعمالها -إضراب العطاشة - من أجل تحسين ظروف العمل بالفوسفاط وما تعرضوا له من نفي وطرد واعتقالات ومحاكمات صورية، لا ننسى سنوات 1962-1967-1973-1979-1981-1984-1988 و 1990 ... وأحداث 1997 وأحداث 2011 ... كلها سنوات مازالت موشومة في كل البنايات و«الأهرامات» وفي ذاكرة السكان، وفي السجن المدني والمحاكم بخريبكة وبني ملال ووادي زم. كل أولئك الشهداء والمناضلين الذين أدوا الثمن غاليا من أجل الوطن ومن أجل الديمقراطية والكرامة. إن أبناءها اليوم الذين رضعوا من ثدي النضال، أخذوا المشعل للاستمرار في النضال ولمواجهة الواقع المرير .. على المسؤولين سواء في الفوسفاط أو السلطة، الإنصات لهؤلاء الشباب الواعين والناضجين والحوار معهم وحل مشاكلهم البسيطة، وللفوسفاط كل الإمكانيات المادية لتنفيذ مطالبهم وإدماجهم، وإدماج المنطقة في تنمية مستدامة وفي الاستراتيجية الاجتماعية للفوسفاط وللحكومة.. أما غير ذلك، فستبقى المنطقة بؤرة للاحتجاج ومنطقة أمنية بامتياز !