إن ما يثير انتباهنا بشكل كبير فيما يتعلق بالوضع النسائي في بلادنا اليوم، هو المفارقة، والانفصام المتزايد بين الحضور الوازن للنساء في مختلف مجالات العمل: الاجتماعي والاقتصادي والحقوقي والجمعوي، وبين محدودية حضورهن السياسي، فالتشكيلة الحكومية الأخيرة لم تبرز فقط الوجه السيء لهذه المفارقة، وإنما أبرزت كذلك وإضافة إلى ذلك، تولد تيار محافظ يريد أن يكرس تراجعات خطيرة في مجال المشاركة النسائية، والحقيقة أن الشكل الذي حسم به الموضوع في التشكيلة الحكومية الأخيرة، يبرز حقيقتين أساسيتين: - الحقيقة الأولى؛ أن هذا التيار المحافظ، الذي طالما تشدق باهتمامه بقضايا النساء، وادعى قيام تنظيماته على وجود النساء بكثافة، أبرز أن النساء في إديولوجيته وتنظيماته لسن أكثر من حطب في مشاريعه الدعوية. - الحقيقة الثانية؛ أن هذا التيار المحافظ يحارب في العمق، كل نزوع نحو الحداثة، وكل توجه نحو المناصفة التي أقر الفصل 19 من الدستور الحالي العمل في أفقها، وبالتالي، فإن هذه التيارات المحافظة ليست كما كان يقال دائما «إنها ضد النزعة النسوانية المتطرفة حسب تعبيراتها وأنها مع القضايا النسائية، أثبتت وبالملموس أنها ضد كل أشكال التحرر والمساواة والكرامة النسائية». وقد سبق للأخ محمد الأشعري في استجواب له منذ ما يناهز شهرين أن نبّه إلى مخاطر عودة النزعة التقليدية المحافظة، والحقيقة أن إرهاصاتها الأولى قد بدأت بالظهور عندنا، وهذا يطرح على كافة القوى التقدمية العاملة في الحقل الحقوقي النسائي، التعبئة الشاملة. إننا كنساء تقدميات، مؤمنات بالمناصفة كقيمة مرجعية أساسية، علينا أن نضاعف الجهود، أن نشتغل بعقلانية، أن ننظم نقاشا عموميا في الموضوع، أن نبرز قناعتنا بأن التوجه نحو المناصفة، هو توجه نحو الحداثة والديمقراطية والعقلانية، التي ناضلنا من أجلها على امتداد عقود، وأن كل نسف للمناصفة، هو في العمق نسف للحداثة والديمقراطية والعقلانية. وبالتالي, فالنضال من أجل المناصفة هو نضال: حقوقي، ثقافي، سياسي. هو إذن نضال متعدد الأبعاد والحلقات، ليس قضية مرتبطة بالنساء فقط، وإنما هو قضية مجتمعية بامتياز، وهو ليس شأنا يهم النخب الحزبية فقط، بل يهم كل التنظيمات الجماهيرية الواسعة، وهو ليس مسألة محصورة في زمن سياسي عابر، بل يندرج حتما في برنامج زمني طويل النفس، وهو ليس مسألة كوطا وإن كانت جزءا من مقتضياته، بل هي قضية تبدأ بالإيمان العميق بالمساواة بين الجنسين في كل مناحي الحياة المهنية والاجتماعية والسياسية. وحتما سنخطئ الطريق، إن لم نضع هذه المسألة في صدارة أجندتنا السياسية، وعلينا في هذا الإطار أن نمد كل القوى الديمقراطية والحداثية في البرلمان، بالأفكار ومقترحات القوانين لتثبيت حق المناصفة، والعمل على تسييده التدريجي في المؤسسات المخول لها اتخاذ القرار، خصوصا ونحن مقبلين على استحقاقات ستكون لها أهميتها في تصحيح الأوضاع، وستشكل حلقة من حلقات تنزيل الدستور. استحقاقات حاسمة، لأنها ستشكل بالنسبة للنساء محكا حقيقيا، حول مدى نضالهن من أجل المساهمة في بناء الديمقراطية المحلية والجهوية ومؤسساتها الفاعلة. ستشكل هذا الانتخابات أيضا، فرصة بالنسبة لكل القوى الديمقراطية والحداثية لكي تعطي مضمونا عمليا لمبدأ المناصفة، حتى لا يبقى مجرد هدف معلق إلى أجل غير مسمى. إن معركة المناصفة، تبدو من الآن أكثر قوة وأكثر إلحاحا من معركة الكوطا التي عشنا على توازناتها خلال ما يقرب من عقدين من الزمن، فهل سنكون في مستوى اللحظة التاريخية ؟ ذلك ما نتمناه، وذلك ما يصبو إليه كل الديمقراطيين والديمقراطيات.