يحتجون أمام المدخل الرئيسي لعمالة وزان منذ صباح يوم الاثنين 7 ماي الجاري ، مرددين شعارات مسؤولة تنم عن نضجهم العالي ، وعن رغبتهم في المعالجة الهادئة ، ولكن السريعة لملف عنوانه الحق في الشغل الشريف الحافظ للكرامة ....ملف تدحرج كثيرا بين ردهات هذه الجهة وتلك ، فكانت فاتورة التباطؤ ثقيلة على نفسياتهم ومعنوياتهم التي أرخى الألم والمعاناة سدولهما على جروحهم الكثيرة. فما هي مطالبهم بالضبط التي جعلتهم يفتضون بكارة الصمت الرهيب الذي يلف بالمدينة رغم الفساد الذي نصادف بصماته في أكثر من مرفق بالمدينة ؟ رئيس الفرع المحلي للجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين في تصريحه للجريدة التي زارتهم بمعتصمهم ، كشف عن العناوين الكبرى التي تزركش دفترهم المطلبي المتواضع ، والتي كانت محط اتفاق بينهم وبين أطراف الحوار الأخرى التي توجد على علاقة متينة بملف التشغيل بالمدينة ، بل وسبق لها أن دخلت على خط هذا الملف . الناطق باسم المعطلين ، أماط اللثام عن هذه المطالب ، حيث لخصها في دعوة رئيس المجلس البلدي للمدينة بتسوية الوضعية الإدارية والمالية للشباب السبعة الذين يعود تشغيلهم والتحاقهم بالجماعة الحضرية لمدينة وزان الى أزيد من 16 شهرا . وشدد كذلك على ضرورة التعجيل بإطلاق سراح المناصب المالية الشاغرة بالجماعة التي يصل عددها الى 14 منصبا، مع اعتماد الإجراءات القانونية والإدارية، ومبادئ الشفافية والنزاهة في التوظيف . ولأن هذه الأطر المعطلة ليست عدمية التفكير ، فإنها لا ترى بأن المخرج الوحيد من عطالتها يمر حتما بالالتحاق بالوظيفة العمومية، لهذا طرحت أمام الإدارة الترابية الإقليمية أكثر من مبادرة ، تفاعلت معها هذه الأخيرة بشكل إيجابي، واعتمدتها في حوارات سابقة ، ومنها تمكين مجموعة من المعطلين ( أسماؤهم سلمت للعمالة منذ سنة ونصف ) من مأذونيات النقل . لكن هذا الالتزام يضيف محاورنا ظل معلقا ولم يخرج إلى الوجود إلى اليوم من دون معرفة الإكراهات التي حالت دون تحقيق ذلك . أما مطلب الحصول على المحلات التجارية الذي كان قد قطع أشواطا ورصدت له اعتمادات مالية من ميزانية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، فقد عاد إلى نقطة الصفر من جديد ، حين لم يوفر من يمسك بقبضة من حديد على المجلس البلدي ، بقعة أرضية تعالج فوقها وضعا اجتماعيا مخنوقا لثلة من أبناء هذا الوطن الجميل. صحيح أن مدينة الصويرة لم تكن يوما وجهة رئيسية أو منطقة مصدرة للسياح ، كما هو الحال بالنسبة لمراكش أو أكادير، وتعتبر بالتالي منطقة عبور لا يتجاوز معدل ليالي المبيت بها أكثر من ليلتين، إلا أن تداعيات الازمة الاقتصادية أثرت كثيرا على القطاع السياحي بالمدينة. وبغض النظر عن هذا المعطي الذي يعتبر ظرفيا في جميع الأحوال، فإن قطاع السياحة بالصويرة يجتر مشاكل بنيوية أصبحت جزءا من الهموم الكبيرة للفاعلين السياحيين الذين اتصلوا بالجريدة يدقون ناقوس الخطر إزاء التراجعات الخطيرة التي تعيشها المدينة على مستويات كثيرة، بداية بالتدبير المحلي الرديء للمجلس البلدي الحالي، فالمشاكل الأمنية ، فتهالك البنيات التحتية والخدمات، فحالة استفحال ظاهرة السياحة غير المهيكلة على مرأى ومسمع من السلطات المحلية والمنتخبة والمصالح المختصة. الخطير في الامر أن التصنيف لم يعد يتراوح بين مؤسسة مرخصة وأخرى غير مرخصة، بل بات يطال حتى المرخصة منها، حيث تفشت ظاهرة تجاوز هذه الاخيرة للقانون من خلال تشغيل محلات وإدارة أنشطة خارج القانون كما هو الحال بالنسبة لبعض المطاعم التي افتتحت مراقص ليلية، وأخرى «بارات» بدون أي ترخيص من الجهات المعنية. السياحة غير المهيكلة ليست تخصصا مغربيا ولا هواية أجنبية، فالتواطؤ حاضر في هذه الاختلالات بين الجهات المتدخلة ، بمن في ذلك بعض ارباب الفنادق المرخصة والذين باتوا يركبون على موجة الشقق الجاهزة للكراء . غير أن الخطير في سلوك الكثير من الاجانب الذين اكتشفوا ذات صدفة «الدورادو» السياحة غير المهيكلة بإقليم الصويرة، هو إدارتهم لنشاطهم غير القانوني خارج الحدود، على مرأى ومسمع من الجميع، وبدون ان يمر النشاط المالي لمؤسستهم السياحية السرية بالدورة العادية للرأسمال عبر التحويلات البنكية، فالاقتناءات، فالتوريدات ، فأداء الضرائب والرسوم ، اذ تتم جميع العمليات المالية خارج الوطن في حسابات بنكية اجنبية وبالعملة الصعبة، فيكتفون فقط بتنسيق الوصول والمغادرة عبر الهاتف مع الخادمة أو حارس المنزل الذي يتكفل باستقبال وراحة الضيوف الموجهين قبلا. هؤلاء أجانب اشتروا منازل ليس بدافع إعادة بيعها، ولكن لاستثمارها بطريقة غير شرعية، تضرب كل الجهود الوطنية لمحاربة الاقتصاد غير المهيكل، فخلقوا دور ضيافة وفنادق بدون أي ترخيص يذكر، كل ما يحتاجونه هو موقع على شبكة الانترنت يبثون فيه صور بناياتهم العتيقة الجميلة ويبيعون ليالي إقامة بشكل مباشر، فيأتي السائح موجها إلى دار الضيافة وكان الأمر يتعلق بصديق أو ضيف، كل شيء يتم في هدوء، حتى تشغيل اليد العاملة المغربية من عاملات نظافة وطباخات وخدمة غرف يتم بشكل سري وبتواطؤ مع العاملات المطحونات بالفقر والحاجة، فلا ضرائب ولا تراخيص ولا تأمين ولا ضمان اجتماعي ولا امتثال لأدنى مواصفات قانون تصنيف المؤسسات السياحية. « نحن ندفع الضرائب والرسوم والأجور والتأمينات وواجب الضمان الاجتماعي نخضع لعمليات تفتيش منتظمة ونكون مطالبين في كل مرة بالانضباط للمقتضيات القانونية في ما يتصل بالجودة والأمن والنظافة وشروط الصحة. كل ما نطلبه في المقابل هو أن تتحمل المصالح المختصة مسؤولية حماية مصالحنا بداية بمحاربة ظاهرة انتشار الفنادق ودور الايواء غير المهيكلة . ولا أريد ان اكون متشائما فأطالب فقط بمساواتنا مع هذه الفئة التي يتم التساهل مع الكثير من خروقاتها فيما يتم التشدد معنا في امور تعتبر ضرورات مؤسساتية بالنسبة للقطاع » صرح لنا صاحب فندق مستنكرا صمت السلطات المحلية والمنتخبة والوزارة الوصية . الخطير في الامر هو التطبيق الانتقائي للمقتضيات القانونية المنظمة لمسطرة فتح أو التحويل الى منشآت سياحية. ففي مقابل التشدد مع بنيات سياحية ذات جودة وتحمل بالتالي قيمة مضافة للقطاع بالمدينة، يتم الترخيص لدور وإقامات لا تتوفر فيها أدنى شروط الجودة والأمن والصحة. وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول الخلفيات الحقيقية التي تحكم تدبير الملف منذ سنوات كثيرة. كما أن مشكل السياحة غير المهيكلة لم يعد لصيقا فقط بالمدينة العتيقة ، بل غزا حتى نواحي الصويرة بالغزوة، اربعاء اداو كرض، و أوناغة. سياحة من نوع خاص تستغل الارض والبحر والهواء والتاريخ والثقافة والإرث العمراني وحتى البشر بدون أن تدفع فلسا واحدا لخزينة الدولة أو الجماعات المحلية. فهل ستتحرك السلطات المحلية ، والمجلس البلدي والوزارة الوصية من أجل تطويق هذه الظاهرة التي باتت تستنزف قطاع السياحة بمدينة الصويرة، التي مازالت تقاوم رغم كل شيء متشبثة بروحها الجميلة التي لن تنجح «الرداءة» في قتلها على كل حال؟!