قبل رحيلها، غيرت دانييل ميتران موقفها من قضية الصحراء، في شقها الانساني، بعد التقرير الذي أعده أعضاء من مؤسسة «فرنسا الحريات»، حول وضعية الأسرى المغاربة في مخيمات «البوليساريو» عام 2003، حيث أشار التقرير إلى أن الأسرى يعانون من الاستغلال وينجزون مهام شاقة داخل المخيمات، وهو ما أثار آنذاك حفيظة جبهة البوليساريو التي نددت بتقرير المؤسسة، خصوصا أنها تركت هامشا كبيرا للتحرك أمام معدي التقرير، الذين التقوا بحوالي 731 أسيرا مدنيا وعسكريا مغربيا كانوا محتجزين آنذاك لدى «البوليساريو»، مما أعطى للتقرير مصداقية كبيرة. وكانت دانييل تدعم الجبهة الانفصالية في عدة مناسبات دولية، حيث قامت بزيارة إلى مخيمات تندوف، وهو ما لم ينظر إليه المغرب بعين الرضى، حيث خيم جو من البرود بين الملك الراحل الحسن الثاني والرئيس الراحل فرانسوا ميتران. وقد ولدت دانييل غوز (ميتران) في 29 أكتوبر 1924 في فردان (ميوز)، وتوفيت في 22 نوفمبر 2011، عن عمر يناهز ال 87 في مستشفى جورج بومبيدو، في باريس ودفنت بالقرب من والديها في كلوني. وكانت والدتها رينيه فالغوت معلمة، ووالدها انطوان غوز مدير كلية. وكان كلاهما علماني وجمهوري، وكان لدانييل شقيق أكبر هو روجر، وكان كاتبا ولها أخت واحدة، كريستين، وكانت منتجة أفلام. وكان لدانيال ثلاثة أبناء باسكال (ولد في عام 1945، وتوفي بعد 2 أو 5 أشهر)، جان كريستوف (مواليد 1946) وجيلبرت (ولدت عام 1949). ساعدت عائلة دانيال المقاومة الفرنسية، وساعدت في تقديم رجالها. وكانت دانييل ميتران مقاومة كبيرة ضد النظام النازي. وأصبحت ضابطة اتصال في المقاومة في ال 17 من عمرها. وناضلت بشجاعة ضد الاحتلال الألماني لبلدها فرنسا مع زوجها. التقت فرانسوا ميتران في المقاومة، وتزوجت منه بعد ثلاثة أشهر من تحرير فرنسا، في أكتوبر 1944. كانت اشتراكية حقيقية وتكافح بتفان من أجل العدالة الاجتماعية، وتناغم المجتمعات البشرية وتحسين العيش وتوفير العدالة للجميع. خاضت ميتران معارك عديدة من أجل تحقيق رؤيتها. وإنشأت ثلاث جمعيات قامت بدمجها بعد ذلك، واسست مؤسسة "فرنسا الحريات" في عام 1986. وحصلت المؤسسة على منصب استشاري اقتصادي واجتماعي في الأممالمتحدة. وهذا ما سمح لها للتصدي بانتظام للأمم المتحدة وأجهزتها المختلفة. كان للسيدة ميتران خط سير ثابت في نضالها. ووفرت رئاسة فرانسوا ميتران بين (1995-1981) أكثر من فرصة اضافية لخدمة القضايا التي كانت تقاتل من أجلها. وبقيت ناشطة بعد وفاة الرئيس ميتران في عام 1996. ولم يغيرها ترف السلطة وبقيت بسيطة وقريبة من الناس على عكس العديد من السيدات الاوائل في بلدها وبلدان اخرى في العالم. فقد اختارت قضاء معظم وقتها تراقب معاناة الشعوب المختلفة في جميع أنحاء العالم، وفي البلدان التي مزقتها الحروب، من مكان عملها في المؤسسة الإنسانية وحقوق الإنسان بدلا من الاليزيه. وبالرغم من ذلك، كانت هي السفيرة الحقيقية للأناقة الفرنسية، وقالت إنها لم تكف عن أن تكون مترجمة ناشطة ومدافعة عن روح وقيم الثورة الفرنسية وحقوق الإنسان واعلان حقوق المواطن ولا يمكن لأي موقف دولة ان يجعلها تتخلى عن معتقداتها. وكانت ميتران مواطنة عالمية وشخصية دولية معروفة. كانت نصيرة للتضامن الدولي مع الشعوب المضطهدة. فقد تبنت بصدق قضايا عديدة وجعلتها جزءا من حياتها. حتى ان الرئيس ميتران قال ذات مرة إن "المسألة الكردية في سريري". دافعت عن الكثير من الشعوب حول العالم، وكرست نفسها لقضايا عديدة. و ناضلت ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا؛ ودافعت عن الفلاحين الزاباتيستا في تشياباس في المكسيك، وعن الأميركيين الأصليين في غواتيمالا، وأميركا اللاتينية والولاياتالمتحدة، وسكان التبت ضد الاحتلال الصيني، والكوبيين ضد الحظر المفروض من قبل الولاياتالمتحدة؛ والكرد ضد محتليهم، والفتيات الأفغانيات وحقهن في التعليم، والأطفال في السلفادور، ومالي، وتيمور الشرقية ضد المحتل الاندونيسي، والمرأة الجزائرية في صراعها اليومي من أجل الحرية، وحقوق الإنسان في البحرين، وتونس، وايران، وسوريا، وتركيا ، وتونس، ومصر. كانت إنسانية جدا وناضلت باستمرار من اجل حقوق الإنسان والتوزيع العادل للسلطة والموارد في العالم. قاومت القهر الاقتصادي والسياسي الدولي. وناضلت ضد الفقر والحرمان ووقفت مع المشردين، والمحبطين والمهمشين. وضد العبودية القديمة والحديثة. وكانت تكافح من أجل حقوق التعليم، من أجل نقل المعرفة والاقتصاد المسؤول من أجل بناء عالم يسوده السلام، وعالم في تضامن داخل نفسه. وابتكرت دانييل جائزة اسمها "جائزة الذاكرة" من أجل تسليط الضوء على القضايا التي كافحت من اجلها. منحت (دار العبيد) في السنغال عن احياء ذكرى الضحايا العبودية الافارقة التي بدأت من هذا المكان باتجاه أميركا. وكانت تؤيد الحفاظ على الثقافات واللغات المهددة بالانقراض وتطويرها. ومنحت "جائزة الذاكرة" للمغني الجزائري الشهير من أصل بربري لونس ماتوب دعما للثقافة الأمازيغية ومنحت الموسيقيين وصناع السينما من غجر روما. وطبعت جواز سفر أوروبي لحملتها ضد العنصرية وكراهية الأجانب، لتنبيه الأوروبيين ضد الخطر المتزايد من اليمين المتطرف في أوروبا والتعصب وعدم القبول المهاجرين واللاجئين. قاتلت دانيال من أجل الوصول إلى المياه الصالحة للشرب في جميع أنحاء العالم وناضلت من أجل تضمينه كحق من حقوق الإنسان إلى الحقوق المنصوص عليها في الدساتير الوطنية في كل مكان. وكانت تقول دائما إن الماء هو أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية من النفط.