خصصت أسبوعية «تيل كيل»، غلاف عددها الأخير لولي العهد مولاي الحسن، أسبوعا قبل حلول عيد ميلاد سموه التاسع. وهو الغلاف الذي ضم العنوان الرئيسي لملف من 8 صفحات، رسمت مسارا مختارا لسموه من الميلاد يوم 8 ماي 2003، إلى الآن. من خلال لغة حاولت المزاوجة بين إلزامية الشرط المهني وإكراه التحفظ حين يرتبط الأمر بأخبار ولي عهد المغرب، كما تفرض ذلك طقوس البروتوكول المخزني. مما أعطى للملف ذاك، جرأة مهنية تستحق المتابعة والتعميم، خاصة أنه جرت العادة أن يمنح الإمتياز الصحفي في ملفات مماثلة للصحافة الأجنبية (الباريسية أساسا)، مما يجعل الصحافة المغربية، إنما تقتات من الصور والمعلومات التي تتفضل عليها بها تلك الصحافة الأجنبية. والإجتهاد الذي انساقت وراءه «المغامرة المهنية» للزملاء في «تيل كيل»، هو تتبع أخبار غير منشورة حول الحياة اليومية لولي العهد، الأمير مولاي الحسن، من خلال مصادرها الخاصة، التي قدمت جميعها كمصادر من وراء حجاب، أي بدون تحديد صفاتها وأسمائها. انطلقت «تيل كيل» من الصورة الرسمية ليوم تعيين الحكومة الجديدة التي يترأسها الأستاذ عبد الإله بنكيران، حيث يقف ولي العهد على يمين والده، دلالة على استمرارية الملك. لتنتقل مباشرة إلى قصة حياة أمير مغربي، ولي للعهد سيكون ذات يوم ملكا للمغرب. كانت البداية بالميلاد: ففي صباح يوم الخميس 8 ماي 2003، أطلقت 101 طلقة مدفعية بالعاصمة الرباط من قبل الحرس الملكي، احتفاء بميلاد مولود ذكر للملك محمد السادس وزوجته للاسلمى. كان ولي العهد قد ولد إذن. كان المغاربة ينتظرون مقدمه بشغف منذ أعلنت المجلة الفرنسية «باري ماتش» خبر حمل الأميرة للاسلمى لجنين في رحمها، هي التي تزوجت بالملك في مارس 2002 . وكان الجميع يتكهن أنه في حال كان المولود ذكرا فإنه سيحمل اسم جده الحسن الثاني. فالتقليد العلوي يقتضي ذلك، ولهذا السبب يطلق في البلاط الملكي على الأمير ولي العهد لقب «سميت سيدي». كان بلاغ وزارة التشريفات والأوسمة مؤكدا لكل تلك التكهنات: «وهب الله عز وجل جلالة الملك مولودا ذكر.. ولقد قرر جلالته أن يسمي ولي عهده باسم مولاي الحسن تيمنا باسم جده». مثلما عممت البلاغ الطبي الصادر عن المصحة الملكية والذي يفيد: «اليوم، الخميس 6 ربيع الأول 1424، الموافق 8 ماي 2003، ولد في ظروف عادية، على الساعة السادسة و أربعين دقيقة صباحا، بالقصر الملكي بالرباط، مولود ذكر يزن 3.750 غراما وطوله 51 سنتمترا». يوم ولد ولي العهد.. حدث دولة كان ذلك الميلاد حدث دولة وكانت الإحتفالات به في مستوى حدث الدولة، من خلال احترام التقاليد المرعية للبروتوكول. وعلى مدى أسبوع استمرت الإحتفالات في طول البلاد وعرضها. تقاطرت رسائل التهنئة على القصر الملكي ونشرت الصحف صفحات تهنئة إشهارية متعددة، ويوم العقيقة جاءت الوفود من كل أطراف البلاد تحمل الهدايا. كان الأمر حسب عارف بالتقاليد المخزنية، نوعا من تجديد البيعة للملك ولولي عهده. كان الملك محمد السادس في قمة غبطته مثل أي أب فرح بمولوده البكر، فأصدر عفوا على 48 ألف سجين، وهو رقم ضخم غير مسبوق. لكن، للأسف استفاق المغرب من ذلك الفرح، أياما قليلة بعد ذلك على تفجيرات الدارالبيضاء ليوم 16 ماي 2003 والتي خلفت مقتل 43 شخصا. فتراجعت الإحتفالات واختصرت. وسنتين بعد ذلك سيرى المغاربة مجددا ولي العهد يوم ختانه، الذي احتضنه ضريح مولاي ادريس بفاس. وعلى عادة أجداده اجتاز الملك محمد السادس الأزقة الضيقة المفضية إلى الضريح، على صهوة جواده وابنه مولاي الحسن ولي العهد بين ذراعيه. لم يكن ذلك، سوى ترجمانا للإهتمام بأخبار العائلة الملكية وفي القلب منها أخبار ولي العهد. وأصبحت صور سموه، وهو بين يدي والدته أو بحديقة الإقامة الملكية، تؤثث صفحات الجرائد. وأصبح مولاي الحسن مركز اهتمام كل عدسات المصورين في المناسبات العامة التي يحضرها سموه، مثل الإحتفال الضخم للإحتفاء بخمسينية استقلال المغرب في نونبر 2005 . لقد سعى مصورو كبريات وكالات الأنباء على اقتناص صور خالدة للأمير المغربي وكلها صور معبرة، نرى من خلالها «سميت سيدي» قرب والدته بعين طفل ذكية أو في لحظة باسمة مع عمه الأمير مولاي رشيد. من قال إن الأمراء ليسوا بشرا مثل البشر؟. بل إن ولي العهد يعطي دوما للعائلة الملكية، من خلال الصور المنشورة، صورة عائلة مثل (تقريبا) باقي العائلات. ولعل أكثر الصور حميمية تلك التي خصت بها المجلة الفرنسية «باري ماتش» سنة 2004، حيث نشاهد الملك وزوجته يداعبان ابنهما بممرات حديقة إقامتهما الملكية بدار السلام بالرباط. وفي ذلك الروبورتاج سيصرح الملك محمد السادس للمجلة الفرنسية، مثل أي أب: «أنه أصبحا هو وزوجته ملزمان بالحديث بهمس أكثر من أجل عدم إيقاظ ابنهما الأمير ولي العهد، النائم في سريره». ولن نعلم أي شئ عن باقي التفاصيل، مثل إن كان الأب الملك يستيقظ في الثالثة صباحا من أجل إعطاء حليب الرضاعة لابنه. الملك وولي العهد.. صداقة رجلين. تربية ولي العهد، هذا أمر يهتم به شخصيا والده الملك محمد السادس. لقد قالها هو نفسه في ذات الإستجواب، الذي نكتشف من خلاله أسلوب محمد السادس، حيث قال: «شقيقاتي وشقيقي وأنا تلقينا تربية صارمة وتتبعنا نظاما تعليميا غنيا. كنا ملزمين أيضا بالتمكن من تربية دينية بالمدرسة القرآنية بالقصر. وأنا حريص أن يتلقى ابني نفس التربية. لا أريده أن يتمثل حياتي بل لابد من صناعة قدره الخاص في الحياة. لقد كان والدي يحب دوما أن يقول عني «هو هو وأنا أنا. الأسلوب هو الرجل». وواضح أن محمد السادس أكثر حضورا إلى جانب ولده، مما كان عليه الحال مع والده هو. بل إنه يشرك ابنه في كل شئ: في رحلات القنص، في ركوب الخيل، في التزلج على الجليد بفرنسا أو ميشلفن بالمغرب، في زيارة مدن الألعاب. مثلما أنهما يقومان بخرجات خاصة بين رجلين لوحدهما بالسيارة المكشوفة، حيث يكتشفان معا شوارع وأزقة المغرب. وفي إحدى تلك الخرجات سنة 2008، تحول الأمر إلى قضية دولة. توقف الملك كعادته عند إشارة ضوء حمراء، فحياهم شرطي مرور عرفهما، كان الملك في مزاج رائق، فسأل ابنه إن كان يحب أن يصبح شرطيا حين يكبر، فاستغل الشرطي الفرصة ليكيل لولي العهد المدح، فأعجب الملك بذلك فقرر أن يمنحه مأذونية طاكسي. كان الأمر سينتهي هنا، لكن مدونا على الأنترنيت من أكادير، نشر الخبر مع تعليق يقول إن محمد السادس قد قدم مثالا لابنه على الريع عبر المأذونيات. فتحرك صقور النظام لاعتقال ذلك الشاب الأكاديري ورموه في السجن. لكن المتابعة القضائية لم تتحقق وأطلق سراحه. لقد فهم محركوا الدعوى (ولو بعد حين) حجم خطئهم الفادح أن يقرنوا اسم ولي العهد بمحاكمة رأي وبحرية التعبير. ولي العهد والشغف بالسيارات ولعب كرة القدم. أطلق اسم ولي العهد على عدد من المؤسسات والأماكن والمنافسات الرياضية. هكذا أصبحنا نشاهد تدشين العديد من الانشطة الحاملة لاسم سموه. مثلا ثمة مسبح مفتوح بالمضيق كلف حوالي 20 مليون درهم. قاعة متعددة للرياضات بوجدة أو الملعب الجديد لفريق الفتح الرياضي بالرباط الممتد على 4.5 هكتارا. تدشن هذه المؤسسات عموما من قبل الملك شخصيا ويكون ولي العهد أحيانا حاضرا. مثلا في سنة 2007 بوجدة، سيحمل الملك ابنه مولاي الحسن لإزالة الستار عن اللوحة التي تحمل اسم ولي العهد الذي أطلق على أحد أكبر شوارع المدينة. ولم يعد مسموحا إطلاق اسم سموه على أي بناية أو مؤسسة دون موافقة مسبقة. لأن اسم سموه يجب أن يقرن بأنشطة ذات وزن. بل إن اسمه أصبح يفتح الأبواب الموصدة أمام عدد من الأنشطة الرياضية، مثل ما حدث مع البطل الأولمبي والعالمي هشام الكروج، الذي ما أن قرن اسم سموه بملتقى طنجة الدولي لألعاب القوى بطنجة حتى فتحت كل الأبواب الموصدة أمامه من قبل. ونفس الأمر حدث مع مسابقة سباق السيارات بمراكش، وهو سباق أكيد يعجب سموه. لقد ورث ولي العهد عن والده الشغف بالسيارات، وهو يقود سيارته الصغيرة التي أهداها له والده بداخل القصر الملكي. لاشئ يعوض عنده السياقة بسرعة. ويؤكد مصدر أمني من حراس الملك أنهم دوما على أهبة انتباه خاص أثناء التحرك بالسيارات داخل القصر حتى لا يفاجؤوا بخروج ولي العهد بسيارته بسرعة من منعطف ما. مثلما أن سموه شغوف جدا بكرة القدم، التي يعشقها منذ سنواته الأولى. كان أول ظهور مع والده رياضيا حين استقبل الملك أعضاء الفريق الوطني لكرة القدم الذي بلغ نهاية كأس إفريقيا بتونس سنة 2004 . كان عمره حينها 8 أشهر فقط. أما اليوم فإنه لاعب كرة جيد. وهو يتدرب أسبوعيا بالنادي التابع للجيش الملكي بالمعمورة بالرباط. إنه يتوج إليه مرتين في الأسبوع مع رفاق دراسته، حيث يلعبون في الملعب الصغير المخصص لكرة القدم ضد فريق مختار من أبناء ضباط الجيش الملكي. بل تم بناء ملعب آخر مغطى خصيصا في حال هطول الأمطار. وتؤكد عدد من المصادر من هناك، أن سموه لاعب جيد، وأنه يلعب قلب هجوم متقدم. بل إنه أصيب مؤخرا في إحدى المباريات بسبب تدخل عنيف من مدافع طفل من الفريق الخصم، لكنه تعافى من الإصابة وعاد إلى ممارسة لعبته الرياضية المفضلة. ما الذي حدث للطفل ابن العقيد الذي أصابه؟. لاشئ. فقط تم تنبيهه على اللعب النظيف، علما أنه كان قد قدم اعتذاره للأمير مباشرة في المباراة. مهنة الملك.. درس يتعلم منذ الصغر. ممارسة الملك، عمل يتعلمه الأمير منذ الصغر. لهذا نجد أن ولي العهد بدأ هذه المهمة منذ سنته الرابعة. ولا يزال مسؤولو الدولة الكبار يتذكرون ما وقع لهم يوم افتتاح الدورة الثانية لمعرض الفلاحة بمكناس. لقد حضر الملك رفقة ولي عهده، الذي مثل كل طفل صغير، أبهر بالأبقار المعروضة والخرفان وباقي الحيوانات الأليفة، فأراد التقرب منها، فما كان من والده إلا أن استجاب لفضول ابنه الطبيعي، فخرق المسار المحدد للبروتوكول بزرابيه الحمراء. ولأن المطر كان قد هطل غزيرا من قبل، فإن العديد من المسؤولين والأمنيين قد وجدوا أنفسهم يغوصون في الوحل «لقد فرض عليهم ولي العهد مساره». مرة أخرى، أثناء زيارة ملكية إلى مراكش، كاد حراس الملك أن يصابوا بالجنون، حين اختفى فجأة عن أنظارهم ولي العهد. وبعد دقائق وجدوا سموه غير بعيد جوار شرطي يعطي التحية لسموه مرتبكا، لأنه كان مصدوما من طلب الأمير أن يسلمه مسدسه. صعب رفض طلب أمير حتى وإن كان الخطر يتهدد سلامته. لكن، مثل هذه التفاصيل المرتبطة بسنه أصبحت أقل مع توالي السنوات، فقد كبر ولي العهد. لقد أصبح أكثر استقامة في وقفته في لباسه الرسمي، متصالحا مع ما يفرضه واجب مهامه الأميرية. وحين يسمح له استعمال زمنه الدراسي فإنه دائم الحضور إلى جوار والده في مهام رسمية. لقد أصبح يحضر في كل الخطب الملكية، وكان أولها حين تخليد الذكرى العاشرة لجلوس والده على العرش. وكذا حين يستقبل ضيفا كبيرا مثل ما حدث يوم استقبال ملك الأردن، الملك عبد الله الثاني. أو حين حضور الحفل الديني للترحم على جده الحسن الثاني وكذا أثناء الدروس الرمضانية. بل إنه منذ سنته الثامنة، أصبح يقوم بمهام رسمية لوحده. ففي يوم 6 ماي 2011، أعطى انطلاقة الدورة الثانية لسباق الدراجات الذي يحمل اسمه «مولاي الحسن». كان البروتوكول مماثلا للذي يخصص للملك من قبل المنظمين. بل لقد تم إطلاق ثماني حمائم احتفالا بسنوات سموه الثمانية. لقد بدأ ولي العهد يحلق لوحده بسلاسة تخلق الرضى لدى الجميع. ويوم 9 يناير الماضي أعطى انطلاقة افتتاح حديقة الحيوانات الجديدةبالرباط. وفي الشريط الذي عرضته نشرة الأخبار الرئيسية بالقناة الأولى، أثناء المراسيم البروتوكولية كان الكل منتبها لتفاصيل التفاصيل في مناسبة مماثلة، وكان كل شئ ممتازا ومنظما، وكان المندوب السامي للمياه والغابات عبد العظيم الحافي بقامته الفارعة التي تصل 1.90 مترا يكاد ينحني بالنصف كي يسمع ولي العهد تفاصيل المشروع. وكانت زيادة بعض الرسميين أنهم أصروا على تقبيل يد ولي العهد كما اعتادوا مع والده، فطافت تلك اللقطات الرسمية على الويب مما خلق ردود فعل حول ضرورة تجاوز تقليد تقبيل اليد التي تعود غلى أزمنة ماضية. متسائلين إن كان هذا التقليد سيتواصل حتى يصبح ولي العهد الملك الحسن الثالث، أي يوم يصبح هو الملك العلوي رقم 24 . (*) عن مجلة «تيل كيل» العدد 520 (28 أبريل، 4 ماي 2012).