بعد أن حطت به شركات عملاقة في صناعة الطائرات من قبيل بوينغ وايرباص وبومبارديي .. أصبح المغرب خلال السنوات العشر الأخيرة قاعدة جذب لعشرات المقاولات الكبرى العاملة في قطاع صناعة الطيران,وقد أثبت فعاليات الدورة الأخيرة من المعرض الدولي للطيران المنعقد بمراكش بداية الشهر الجاري أن المغرب تحول إلى مملكة للمناولة الصناعية في هذا القطاع ، وذلك بفضل مجموعة من المزايا التي باتت تسيل لعاب المستثمرين من قبيل انخفاض التكلفة الصناعية، حيث الحد الأدنى للأجور، حتى لو تحسن بفعل الضغوط الاجتماعية، هو 2500 درهم، أي حوالي 200 أورو. وهو ما يشكل نعمة للمصنعين الباحثين عن امتيازات تنافسية. مع ما يتيحه ذلك من اقتصاد تكاليف وزيادة أرباح تتراوح بين 20% إلى 30% بالنسبة لقطع الغيار المتطلبة لكثير من اليد العاملة. ويؤكد مقاولون فرنسيون في هذا السياق، خلال استطلاع نشرته المجلة الالكترونية (l usine fr)أن استثماراتهم في المغرب لن تكون على حساب الاستثمار في فرنسا, ويعتبرون أن رفع القدرة التنافسية للمغرب، يمكن المقاولات الأم بفرنسا من تطوير أسواق جديدة و بالتالي فرص عمل في فرنسا ، و في هذا السياق يقول برونو فازولي من مجموعة Segula Technologies «اذا كانت الشركة تنمو في المغرب، فإنها لا تزال تستثمر بشكل كبير في فرنسا، حيث سجلت 15% كنسبة نمو في العام الماضي. وفي هذا السياق, أعلنت هذه الشركة المتخصصة في الهندسة الصناعية عن إنشاء مصنع مساحته 12000 متر مربع في منطقة ألبرت، بيكاردي، على مقربة من مصنع Aerolia الزبون الرئيسي للشركة ، وما يجمع بين مصنعين لنفس الشركة أحدهما بالمغرب والآخر بفرنسا هو ببساطة, تقاسم المهام» حيث إن صناعة أجزاء كبيرة تتطلب كثافة رأس المال وتقنية عالية، تتم في فرنسا . وفي المقابل فإن الأنشطة الصناعية التي تتطلب أعدادا مكثفة للعمالة، مثل التشكيل والحفر والترقيع و تجميع مجموعات الاجزاء الفرعية الصغيرة والمتوسطة الحجم، تتم كلها في المغرب. « ينضاف إلى هذه الميزات التي يتمتع بها المغرب, الانتشار الواسع للغة الفرنسية، وكفاءة الخدمات اللوجستيكية، التي نمت بسرعة في المغرب. ويقول حميد بنبراهيم الأندلسي رئيس تجمع مهنيي صناعة الطيران GIMAS إن المغرب اليوم يضم حوالي 100 من شركات الطيران منتشرة في جميع أنحاء البلاد، ويضيف أن هذه الصناعة تشغل الآن ما يقرب من 10000 من اليد العاملة تقريبا، مقابل أقل من 2000 قبل سبع سنوات , وقد حققت هذه الصناعة في عام 2011 حجم مبيعات من الصادرات بحوالي 1مليار دولار,وسجلت معدل نمو سنوي يتراوح بين 15% و 20%. ومع هذه الوتيرة ، فإن طموحات المغرب تتجه نحو جعل البلد قاعدة جذب للصناعة منخفضة التكلفة مستفيدة من تموقعها على بوابة أوروبا, وبالتالي فإن فرص تطورها كبيرة. ويضيف الأندلسي «نريد أن يتضاعف حجم هذا القطاع خلال سبع سنوات القادمة «، ولا يذخر المغرب مجهوداته من أجل بلوغ هذا الهدف حيث أنه في العام المقبل سيطلق منطقة تجهيز الصادرات، Midparc، التي ستفتتح في الدارالبيضاء وستكون مهمتها مساعدة المقاولات الصغرى والمتوسطة على عبور ضفة البحر الأبيض المتوسط, حيث سيمكنها استئجار الأراضي والمباني و أوراش الإنتاج المؤقتة... ويستثمر المغرب في هذا المشروع 400 مليون أورو. ويبقى تأهيل اليد العاملة المدربة هو النقطة الأكثر حساسية. فحتى اليوم، مازال المقاولون يكونون على نفقتهم الخاصة الفنيين والمهنيين واليد العاملة التي باتت مفقودة وهو الأمر الذي يستغرق نحو شهر لاختصاصي تشكيل أجزاء، ثلاثة إلى أربعة أشهر في مجال تصنيع الآلات. وقد رحب الجميع في عام 2010 بإنشاء معهد مهن الملاحة الجوية (IMA)، والذي سيمكن من تخريج 1000 من التقنيين سنويا ، وبمجرد تشغيل هذه اليد العاملة سيكون التحدي هو الاحتفاظ بها، كما هو الحال في نموذج مصنع «رينو طنجة. «حيث أدى انشاء المصنع الى ارتفاع قيمة تداول اليد العاملة,حيث تجاوزت نسبتها 10%. قبل أن تهدأ الأمور وتنخفض بعد ذلك إلى أقل من 3% « وسيفتتح المغرب قريبا منطقة صناعية متخصصة في صناعات الطيران، وذلك على مساحة 260 هكتارا. ويأتي هذا المشروع بعد النجاح الذي صادفته منطقة »ايروبول النواصر«، التي تمكنت من استقطاب 50 شركة دولية متخصصة في مجالات صناعية متنوعة من صناعات الطيران مثل إنتاج المكونات الإلكترونية والميكانيكية، وأنشطة جد دقيقة مثل تصميم الأجزاء والبحث والتطوير وصيانة المحركات. ويتوخى المشروع الجديد إلى تحقيق طموحات الدارالبيضاء في أن تصبح مركزا للصناعات عالية التقنية على صعيد المنطقة المتوسطية. كما تهدف الى رفع حجم العمالة في قطاع الطيران من 10 ألاف شخص حاليا إلى 30 ألف شخص سنة 2020، وأن يمر رقم معاملات صناعة الطيران في الدارالبيضاء من 1 مليار دولار حاليا إلى 3.5 مليار دولار في أفق 2020.