يرمي الحوار الاجتماعي بين الفرقاء إلى تحسين أوضاع الشغيلة المغربية المادية والاجتماعية وتعتبر النزاعات الاجتماعية بالقطاع الخاص دوما إحدى النقط الأساسية في جدول أعماله نظرا لأهمية هذا الموضوع في تطوير وتثمين علاقات الشغل بين الأطراف المعنية قصد توفير شروط الثقة المتبادلة وخلق مناخ ملائم للعمل اللائق ومشجع للاستثمار. إن قراءة أولية في تطور مسار نزاعات الشغل الجماعية بالقطاع الخاص ونظرا لارتباط الحركة النقابية المغربية تاريخيا بمشروع النضال الديمقراطي توضح بجلاء أن أرباب العمل عمدوا على محاربة العمل النقابي ومنعه وبدعم من السلطات تحت ذريعة خدمته لأجندة سياسية تواجه وجود البنيات المخزنية العتيقة مما نتج عنه ظاهرة التسريح الجماعي وإغلاق بعض مؤسسات الإنتاج وحظر العمل النقابي في أغلب مؤسسات القطاع الخاص والحال أن جل هذه النزاعات كانت مطلبية وأغلبها لا يتعدى تطبيق قانون الشغل. واليوم وبعد المصالحة السياسية وولوج المغرب مرحلة البحث الجماعي لتأسيس نظام ديمقراطي اجتماعي تبددت هذه الأسطوانة القديمة والتي ترهن كل أسباب النزاعات الاجتماعية في دواعي سياسية وأصبحت المصالحة الاجتماعية ضرورة ملحة لخلق مجتمع متوازن ومتضامن يساهم في التحولات الفكبرى التي تعرفها بلادنا. إن المدخل الأساسي لهذه المصالحة المرتقبة تكمن في إيجاد الحلول الملائمة لهذه النزاعات التي تكاثرت وتفاقمت وبلغة مدونة الشغل التي حددت مستويات مختلفة لتسوية نزاعات الشغل منها مستوى مفتشية الشغل ومستوى اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة واللجنة الوطنية تتكلم لغة الأرقام عن مدى قصور هذه الآليات القانونية : في 2003 رصدت 231 نزاعا جماعيا في 2010 رصدت 241 نزاعا جماعيا في 2011 رصدت 474 نزاعا جماعيا وعن سنة 2011 تمكنت مفتشية الشغل من تفادي 930 نزاعا جماعيا وتمكنت اللجن الإقليمية في نفس السنة من دراسة 31 نزاعا جماعيا سوي منها 10 نزاعات أما اللجنة الوطنية فتمكنت من دراسة 39 نزاعا جماعيا سوي منها 19 نزاعا. إن هذه المعطيات تبين أن نزاعات الشغل في القطاع الخاص في تزايد مستمر وأن الآليات المتبعة في معالجة هذه الظاهرة تبقى محدودة رغم أن الأسباب الحقيقية لهذه النزاعات لا تخرج عن مطالب تطبيق بنود مدونة الشغل من احترام الحريات النقابية وتطبيق الحد الأدنى للأجر وتعميمه على القطاع الفلاحي والتعويضات وبطاقة الشغل والتصريح بالضمان الاجتماعي... إن المرحلة الحالية تتطلب الوضوح والجرأة من كل الفرقاء المعنيين في التعاطي الإيجابي للبحث عن الحلول الناجعة لهذه الإشكالية والتي أصبحت أسبابها تحول إنتاج المقاولة المغربية للثروة والعمل اللائق إلى مشتل ينتج الفقر والعطالة ومساهمة منا في هذا النقاش الوطني أبانت التجربة الميدانية إلى ضرورة إعادة النظر في بنود مدونة الشغل المتعلقة بلجن البحث والمصالحة وإقرار قانون أساسي محفز لمفتشي الشغل يفصل بين مهام التفتيش ومهام الصلح للمفتش وتفعيل دور التحكيم والوساطة والتصديق على الاتفاقية 87 المتعلقة بالحرية النقابية وإلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي وإحداث قضاء اجتماعي متخصص والتصدي لظاهرة اتساع القطاع غير مهيكل والحرص على تطبيق القانون في مؤسسات التشغيل المؤقت وتشجيع وتعميم الاتفاقيات الجماعية. إن دواعي طرح سؤال هذا الركن يأتي في سياق المبادرة الإيجابية التي أقدم عليها المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الاستماع إلى النقابات الأكثر تمثيلية والحكومة والمشغلين حول الوقاية والحل السلمي لنزاعات الشغل، إن هذه المقاربة التشاركية للوقوف عند الأسباب الحقيقية لنزاعات الشغل الجماعية وإنتاج المقترحات الملائمة بمساهمة كل المعنيين تعتبر عملا جيدا وهادفا لكنه سيبقى بدون روح إن لم تتوفر الإرادة السياسية لدى الحكومة وأرباب العمل في الانكباب الفعلي لمعالجة هذه الظاهرة خدمة للمصالح العليا للوطن. (*) عضو المكتب المركزي للفيدرالية الديمقراطية للشغل