لحد كتابة هذه السطور لم أصدق بعد أن الرميد استطاع أن يصرح بما صرح به، ليس بخصوص السياحة، بل بخصوص تصريحه بأنه لم يعنها. لنبدأ الحكاية من أولها: تناقلت المواقع الإلكترونية والصحافة المكتوبة، ابتداء من يوم الأحد، كلمة قالها وزير العدل أثناء زيارته لإحدى دور القرآن بمراكش، والتي يشرف عليها الشيخ المغراوي، صاحب الصبية والزواج الشهيرة. وبعد ذلك، جاء بلاغ من وزير السياحة ليؤكد بأنه، كمشرف على قطاع السياحة، هو المخاطب الوحيد، وجاء البلاغ، الذي نخمن أنه لم يتم بأمر من رئيس الحكومة، لكي يرد على وزير العدل، ويطنب في تعداد محاسن السياحة على بلادنا ودورها المركزي في بلادنا واقتصادها «بتوجيه من جلالة الملك».. يقول بلاغ السيد لحسن حداد، أنه جاء على خلفية الضجة التي أحدثتها بعض التصريحات الأخيرة حول السياحة بمراكش، وبالتالي فقد خلفت آراء وزير العدل ردا في أوساط الحكومة أولا . أول مبادرة هو أنه لم يجف بعد المداد الذي كتبت به المصالحة يوم السبت الماضي بين أقطاب الأغلبية، حتى ظهر خلاف جلي حول مواقف بعضها البعض. ولا تعليق لدينا في الأمر. ثانيا، الخلاف هذه المرة ليس من قبيل التصريح بالممتلكات أو بإعلان رخص النقل أو بالتسابق على تبني القرارات والاحتكام إلى ميثاق الأغلبية، الخلاف حول قطاع استراتيجي، وخيار استراتيجي وحول المدلول الثقافي والعقدي الذي يراد أن يعطى للسياحة. النقطة الثالثة التي أثارت، بالفعل، صدمة قوية للعبد الضعيف ولكل من كان يعتقد بأن هناك حدودا من الإنسجام الذاتي والالتزام الجريء بالمواقف لدى الرميد، هي النقطة التي تتعلق بنفيه لما قال!! حيث أنه صرح لموقع «هسبريس» الشهير ب الحرف «لم أتحدث عن السياحة بمراكش». وأضاف الموقع أن الرميد «أكد أنه لم يتحدث عن السياحة ولا عن شيء له صلة بها خلال الزيارة التي قام بها أخيرا». يحتار المرء، وهو يشاهد الفيديو (انظر موقع جريدة «الاتحاد الاشتراكي)..: هل الصوت والصورة للسيد الوزير وهو يتبختر في الحديث ويتمهل في بلاغته، أم أنه تم تزوير ذلك كله، وأن الرميد ليس هو الذي نراه أمام أعيننا؟ لقد كان الرميد يتوجه إلى السيد المغراوي، بكل تبجيل ومبايعة حتى (وصلت درجة أنه يريد أن يجلس على مقعد الدواسة ويترك الوزارة - وهذا موضوع آخر)، ويقول له بأن أولاده وطلبته «يوجدون في مدينة يؤمها الناس من العالم ليقضوا في ملاهيها وأرجائها أوقاتا من أعمارهم يعصون الله ويبتعدون عنه». لنسأل الآن، إذا كان الرميد لا يعني السياحة ولا السياح، فمن هم «الناس من العالم» الذين يؤمون مراكش؟ هل هم حجاج الله الميامين؟ هل هم اأبناء المرابطين الذين عادوا من الأندلس بعد كل هذا الغياب؟ أم هم المغاربة الذين يقيمون في أرجاء العالم؟ وما معنى السياح إذا لم يكونوا «ناسا من أرجاء العالم» يؤمون مدننا ومداشرنا وأسواقنا؟ ما معنى السياح والسياحة إذا لم تكن أسفار ومسافرين من عالم الخارج إلى عالم الداخل؟ لم أفهم ، بكل صدق، أية لعبة يلعبها السيد الوزير، وكنت أتمنى أن يقول أنها زلة لسان، وأنني لازلت أطلب ود الذين يقتربون مني في التوجه؟ كنا نفهم، لو أنه قال تلك هي صورتي عن السياح الأجانب، وتلك هي صورتي التي ارتسمت من التغطيات أو من التقارير الصحفية أو حتى من تقارير ما عن منظمات ما .. كنا ننتظر قليلا من الانسجام مع الذات والجرأة في الثبات في الموقف، أما تكذيب الذات، فليست عنوانا للمسؤولية الحكومية. لا شك أننا سنكون أمام فصول أخرى من فصول التضارب الحكومي حول المواضيع التي ترتبط بالفعل بتواجد المغرب في عصره، وهو ما جرى تكملة لما قيل عن المهرجانات، ونريد أن تكون هناك قوة في الرأي، ولا ازدواجية أو تسلل غير مبرر كلما «حماضت القضية».