المعروف أن مواقع التواصل الاجتماعي مثل «تويتر» و«فيسبوك» ساهمت في قيام ثورات الربيع العربي ضد الأنظمة الحاكمة، لكن بمرور الوقت، أدركت الحكومات أهمية هذه الوسائل التواصلية الحديثة في التأثير على الرأي العام، مما دفعها إلى الاستعانة بها واستدراك ما فاتها. وفي نفس الوقت، تعمل بعض الأنظمة العربية على التعاطي مع هذه الوسائل التكنولوجية بكيفية مزدوجة، تتيح لها في نفس الآن قمع الأصوات المعارضة لها، وكذا القيام بالدعاية لمواقفها وتوجهاتها. يقول محمد عبد الدائم، منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى لجنة حماية الصحافيين: «الشرطة موجودة داخل المواقع الإلكترونية، ولها حضور كبير على موقعي «تويتر» و«فيسبوك» وباقي الشبكات الإعلامية. يلجون إلى تلك المواقع ويقومون بالضغط على الأشخاص، ويتهمون الناس بالخيانة ويطالبون برؤوسهم». أما جيفري غنام، المحامي المتخصص في مجال الإعلام بواشنطن، فيعتقد أن الاستراتيجية الدعائية ستنتصر على القمع في آخر المطاف. يقول: «في رأيي، فإن الحكومات العربية ستركز بشكل أقل على القيام بعمليات المراقبة والتتبع والمنع، رغم أن ذلك لن يتلاشى تماما، وستشرع في نشر آرائها في مختلف الفضاءات الإلكترونية». يوضح قائلا: «لنعد إلى ما يتعلق بتويتر في البحرين وسوريا، وسنجد أن الآراء الحكومية حاضرة بقوة في ما ينشر هناك. ومثال آخر على ذلك يجسده المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية الذي يستعين بدوره بخدمات تويتر وفيسبوك. قد لا يكون استعمال الأنظمة لشبكات التواصل الاجتماعي في مستوى كبير، ويمكن أن تثير عشرات الآلاف من الآراء المنتقدة لها، لكن مع ذلك، نجد أن هذا المجلس ينشر فيها آراءه بشكل واسع. وهذا دليل كبير على التقدم الحاصل على مستوى مشاركة الحكومات العربية في فضاءات التواصل الاجتماعي». وبالعودة إلى البحرين، يتضح أن الحكومة أطلقت حملة تحت شعار «كلنا حمد»، تدعو المؤيدين لنشر صور حمد بن عيسى آل خليفة، حاكم البحرين، على صفحات فيسبوك وتويتر. وفي تونس، انضم مسؤولون حكوميون، بمن فيهم منصف المرزوقي، إلى موقع تويتر. ونفس الشأن بالنسبة للعائلة الملكية في الأردن، وعمدة العاصمة عمان، حيث يتوفرون على حسابات على موقعي فيسبوك وتويتر، من أجل التواصل مع المواطنين. ومع ذلك، فإن هذه الأنظمة لها تاريخ طويل في استعمال سياسة الحديد والنار، ومن المستبعد أن تتخلى عن عادتها القديمة. بل إن الكثير منها يستعين بهذه الشبكات التواصلية من أجل تحديد الأهداف التي ستتم مداهمتها. وعلى سبيل المثال، فقبل شهر أقدمت السلطات المغربية على اعتقال الشاب وليد باهومان (18 سنة)، بتهمة الإساءة إلى القيم المغربية المقدسة من خلال نشره صورا وفيديوهات على فيسبوك تسيء إلى الملك محمد السادس. كما أن السلطات أدانت الطالب عبد الصمد هيدور (24 سنة) في وقت سابق بسبب انتقاده للملك في فيديو نشره على موقع «يوتيوب». ولقد وقعت هذه الأحداث في بلد حظي بالكثير من التنويه للطريقة التي تعامل بها مع الاحتجاجات الشعبية التي شهدها البلد قبل سنة. وفي شهر نونبر من العام الماضي، تم تنظيم انتخابات برلمانية في جو سلمي، في إطار مسار الإصلاحات الحكومية التي باشرها الملك والتي كان من بينها أيضا وضع دستور جديد للبلد. والعربية السعودية، يواجه الصحفي حمزة كشغري (23 سنة) تهما بالتجديف، وهي تهمة عقوبتها الإعدام، وذلك بعد أن نشر عبر تويتر حوارا متخيلا بينه وبين الرسول [عليه الصلاة والسلام]. ولقد دفع اللغط الكبير الذي أثير حول هذه القضية المفتي الأكبر للمملكة العربية السعودية، عبد العزيز بن عبد الله الشيخ، إلى إصدار فتوى ضد موقع تويتر، حيث دعا «المسلمين الحقيقيين» إلى تجنب «فضاء يروج للاتهامات وينشر الكذب»، حسب ما نشرته صحيفة «ذي ناشنال». وفي الأردن، قام شخص ملثم بطعن الطالب الجامعي إيناس مسلم بعد أن نشر هذا الأخير تدوينة انتقد فيها أحد أعضاء الأسر الحاكمة. السلطات في المنطقة بدأت الآن تعود إلى القوانين القديمة من قبيل قانون الطوارئ، قانون مكافحة الإرهاب وقوانين الإعلام من أجل تبرير الاعتقالات والغرامات المفروضة على الأفراد الذين يعبرون عن آرائهم عبر المواقع الإلكترونية. يقول كورتني رادش، مدير برنامج الحملة العالمية لحرية التعبير الذي تشرف عليه منظمة «فيردم هاوس» في نيويورك: «عندما بدأت الإنترنت والمدونات في مواقع التواصل الاجتماعي تحظى بالشعبية، كانت قوانين الإعلام تطبق فقط على وسائل الإعلام المشهورة. لكن الأمر تغير الآن مع تزايد انتشار شبكات التواصل الاجتماعي». وفي وقت سابق من هذا الشهر، قامت السلطات في الإمارات العربية المتحدة باعتقال الناشط الحقوقي صالح الظفيري بسبب نشره آراء عبر تويتر ينتقد فيها القرار الذي اتخذته الإمارات والقاضي بترحيل مهاجرين سوريين كانوا قد تظاهروا أمام قنصلية بلدهم في دبي دون أن يحصلوا على ترخيص. وجاء في تصريح للمتحدث باسم شرطة دبي: «لقد تم اعتقال صالح الظفيري بتهمة نشر أفكار بالقول والكتابة وبأية وسيلة من شأنها أن تثير الفوضى وتسيء إلى الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي.» عن موقع «غلوبل بوست» فالطريقة التي تناول بها مصطفى الخلفي، وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة الكلمة من أجل استعراض منهجية إعداد دفاتر تحملات وسائل الإعلام العمومية، جعلت الحضور، يعي مجددا بأن ثمة سلطة سياسية تسهر على تسيير دواليب الإعلام السمعي البصري العمومي في بلادنا. هكذا، فقد ربط المتتبع استعادة وزارة الاتصال لمكانتها في تدبير الإعلام العمومي بطريقة غير مباشرة، بمدى نجاح أو إخفاق الساهرين على تسيير القنوات التلفزيونية العمومية وذلك من خلال وضع وزارة الاتصال اليد منذ بداية إلى نهاية مسار إعداد ووضع اللمسات الأخيرة على دفاتر التحملات التي صادقت عليها الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري الخميس الماضي. لقد كان كل من فيصل العرايشي، الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، وسليم الشيخ المدير العام لشركة صورياد «دوزيم»، واعيين بشكل غير مسبوق أن ثمة سلطة خلف الاعلام العمومي وبدا يحسان أن لهما وصيا على القطاع الذي يدبرانه، ومنه حضور كل المتدخلين في القطاع العمومي السمعي البصري لجلسات مناقشة ميزانية وزار الاتصال في لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب نهاية الاسبوع الماضي وعلى رأسهم العرايشي. فقد أصبح من المؤكد أن التلفزيون لم يعد تدبيره يخرج عن قواعد اللعبة الديمقراطية، التي تتجسد من خلال وضع وزارة الاتصال للسياسة العمومية في مجال الاتصال السمعي البصري تعكس مسؤولية الدولة في هذا المجال، في حين تتكفل كل الشركة والوطنية للإذاعة والتلفزة وشركة صورياد دوزيم» بأمر تدبيرها وفقا لاختياراتها البرامجية، كون الحرية التحريرية مسؤولية التلفزيونين العموميين وليس من صلب اختصاص وزارة الاتصال. غير أنه من الناحية الرمزية كان من الأجدر ان يحضر الى جانب مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة على منصة القاعة مسؤولو القنوات التلفزيونية العمومية لإعطاءالمقاربة التشاركية التي انبنت عليها آلية إعداد النسخ المنقحة لدفاتر التحملات لتمنحها حمولة أكثر واقعية من جهة وبالنظر لعلاقتهم المباشرة بدفاتر تحملات مؤسساتهم الاعلامية. لقد كان السؤال الكبير الذي فرضه النقاش، هو ماذا بعد المصادقة على دفاتر التحملات، التي يجب تنزيلها وفق سياسة برامجية، وتحويلها من شعارات الى التزامات، اذا لم تتوفر عقود برامج تضمن لها ذلك سواء على مستوى الموارد البشرية أو المالية. كما أن تزيل دفاتر التحملات، يطرح مسألة الجودة كرهان اساسي التي لا يمكنها أن تتحقق إلا من خلال تنافسية وحسن دبير للمواد المالية والبشرية المؤهلة، وكانت هناك إشارة ضمنية على المحاسبة التي تشكل شقا ثانيا في دفاتر التحملات بعد شق المضمون، والذي لا يمكن أن يتحول إلى واقع إلا من خلال مفاوضات لن تكون يسيرة. ولكي يعطي كلامه هذا نفحة من الصراحة والوضوح التي تحدث بها يوم الجمعة الماضي إبان تقديم مضامين دفاتر التحملات للشركة الوطنية للاذاعة والتلفزة وشركة «صورياد» القناة الثانية خلال لقاء انعقد تحت شعار «جودة، تنافس، تكامل، حكامة جيدة»، أضاف في السياق ذاته أن مؤسسات الافتحاص تشتغل، وأن التعيينات أصبحت مقننة بالقانون. وكان قد سبق لوزير الاتصال أن أدلى بما يسير في نفس الاتجاه في لقاء نظم منذ أسبوعين خلال لقاء حول «المجلس الأعلى للصحافة» بالعهد العالي للاتصال والصحافة، على «أن إشكالية القطب العمومي إشكالية تتجاوز بكثير تغيير الأسماء». ويستنتج من هذا أن وزير الاتصال الذي حدد ثلاثة تحديات لدفاتر التحملات الإعلام العمومي ممثلة أولا في تنزيل الدستور فيما يتعلق بالهوية، ثم أن يكون الإعلام رافعة للحقوق والحريات التي جاء بها الدستور، فضلا أن تسود الحكامة الجيدة بهذا القطاع، يستنتج ان أحد أهم هذه التحديات سوف لن يكتب لها النجاح منذ البداية، لأن الشعار الأساسي لحركة 20 فبراير ونقابات قطاع الإعلام العمومي في مرحلة ما قبل الدستور الجديد والحراك الاجتماعي الذي عرفته البلاد هو تغيير الوجوه القديمة المسؤولة عن المرحلة بقطاع الإعلام العمومي والمطالبة بإقرار إعلام عمومي ديمقراطي حر ونزيه يستجيب لتطلعات وحاجيات الشعب المغربي. واستغربت فعاليات حضرت هذا اللقاء تنتمي لقطاع السمعي البصري والصحافة المكتوبة، في تصريحات للجريدة، كيف أن تخصص وزارة الاتصال أحد الأعمدة الأساسية في شعارها لدفاتر التحملات للشركة الوطنية للاذاعة والتلفزة وشركة صورياد القناة الثانية، الحكامة الجيدة دون أن يكون للوزارة تصور حول مستقبل الحكامة الجيدة بقطاع الإعلام العمومي على مستوى الموارد البشرية التي هي من سيوكل لها تطبيق وتفعيل هذه الدفاتر التحملات، خاصة أن رهان التنافسية في القطاع سوف لن يضمنه فقط تنزيل الدستور ومبادئة ومقتضياته المرتبطة بالإعلام وان ما سيربح المغرب هذا الرهان هو العنصر البشري بكل مراكزهم ومراتبهم، لأن القضية تتعلق بتسيير وتدبير وإبداع وحرية، والرجل المناسب في المكان المناسب. وسبق لمحمد العباسي الكاتب العام للنقابة الديمقراطية للسمعي البصري أن أكد في حوار له مع «جريدة الاتحاد الاشتراكي» أنه لابد من وجوه إعلامية جديدة لقيادة الإصلاح بالقطب العمومي للإعلام، فلا يعقل أن يطبق الإصلاح بأشخاص مسؤولين عن المرحلة السابقة.