حين يطلع عليك صوت الزميل رضا بنجلون وهو يحاول أن يقدم لمادة تلفزيونية تقترحها القناة الثانية على جمهور مشاهديها داخل المغرب وخارجه تعتبر إنجازا تلفزيونيا «باهرا»، يعتقد العاشق للأعمال الوثائقية أنه سوف يتتبع عملا تلفزيونيا «استثنائيا» بالنظر للقيمة المضافة التي يمكن أن تكتسبها «دوزيم» من خارج أسوارها. غير أن السفر، الذي اعتقد بنجلون وهو يرسم «بروفايلا» إبداعيا لمخرجة تلفزيونية شابة مثل ليلى غاندي استطاعت أن تسبر أغوار العالم، كونه سفر «خارق» تلفزيونيا يتحول إلى يوميات سفر عادية يمكن أن ينجزها الإنسان العادي خلال سفر سياحي لأي مكان داخل أوخارج المغرب. لا أحد يختلف حول القدرات الفنية التي تتوفر عليها المبدعة ليلى غاندي، فقد شدت إليها انتباه الجمهور من خلال فنها الفوتوغرافي الذي تجاوز الحدود وعبر القارات، غير أن الاختلاف حول قيمة منتوجها التلفزيوني «التركي» الذي أنجزته قد يكون مثار شد وجذب ومحط اختلاف في وجهات النظر والمقاربات، إلا أنه بالتأكيد سوف يحقق إجماعا حول قيمته المتواضعة. لقد قدمت القناة الثانية «دوزيم» الأحد قبل الماضي ضمن سلسلة «قصص إنسانية» مادة إعلامية لليلى غاندي، كجزء من سلسلة «غير مسبوقة» على حد تعبير الزميل رضا بنجلون في تقديمه، تجعلنا نلتقي من خلالها بفاعلين في مجالات متعددة تصنع اليومي في البلدان التي تحط فيها ليلى الرحال. إن هذا العمل التلفزيوني، الذي يمكن أن نطلق عليه تجاوزا مادة إعلامية سمعية بصرية بالنظر لطبيعة منجزها، وأيضا وفقا للسند الذي بثت عليه، يمكن أن يكون محل مقاربة في الشكل والمضمون من أجل تحديد نوعيته. تعتقد القناة الثانية أنها قدمت فيلما وثائقيا وهو أمر مشروع تلفزيونيا بالنسبة إليها بالنظر لمنطلقاتها من أجل تحديد جنسه كعمل تلفزيوني غير تخييلي، غير أن السؤال الذي يفرض نفسه هو: ما الذي نعنيه بالفيلم الوثائقي؟ ماهي محدداته وأسسه؟ وماهي مقومات إنجازه إعدادا وإخراجا على مستوى الشكل والمضمون؟ وهل ثمة إجابات يوفرها هذا العمل التلفزيوني عن كل هذه الأسئلة المباحة التي من المحتمل أن يطرحها المشاهد ومن قبله المهني؟ لقد كان من المفروض على المتتبع لهذا المنتوج السمعي البصري أن يجبر نفسه على الإيمان في نهايته كون أن المعطى الجغرافي هو الخيط الناظم، وهو الأمر نفسه الذي يجب أن يعتقده ويجب أن يكتشفه في نهاية هذا العمل الذي يجعله يسافر ضمن مسار معين من نقطة بداية إلى نقطة نهاية ضمن رقعة جغرافية واحدة دون أن تبوح به المخرجة. ويبدو أنه الأمر الذي انتبه إليه القيمون على اتخاذ قرار البث، كما أشارت إلى ذلك مقدمة البرنامج حين تم تكييف المشاهدة مع طبيعة المنتوج دون الوقوع في التيه الذي يفرض نفسه في هذا العمل التلفزيوني لطبيعة بنائه المفكك مع تأثيث في الزمان يتراوح بين ليل ونهار كمعطي زمني للإحالة إلى بداية أمر ونهاية آخر. في حين أن الخيط الرابط لهذا العمل التلفزيوني، الذي اختير له زمن البث في وقت ذروة المشاهدة ضمن البرمجة اليومية ليوم الأحد، كان عبارة عن فقرات اتخذت لها ليلى غاندي مواضيع متعددة انتقلت فيها بين الفني والاجتماعي والديني.. لم يرق إلى العمق المتوخى في الأعمال الوثائقية، كما ألفناها في أعمال من صنع القناة الثانية قدمتها في وقت سابق. يمكن الإشارة إلى أن المشاهد لم يتوفق طيلة مدة البرنامج في العثور على مادة إعلامية بحثية تؤسس لهذا البرنامج، الذي سمي تجاوزا «وثائقي» ، لا لشيء سوى لكونها لا مكان لها بين طياته. لقد كان المتتبع منذ البداية أمام تصريف لمجموعة من الكليشيهات، التي سبق وأن ترسبت لدينا كمواطنين بناء على ما نسمع أو ما نقرأ حول بلد ما، فرختها ليلى غاندي طيلة البرنامج سواء حين تفقدها لمزارات دينية أو لمواقع أثرية أو الأماكن المختلفة التي زارتها. جمل قصيرة عبارة عن فواصل تتلفظ بها ليلى غاندي هنا وهناك تروم عبرها وضع المشاهد في صلب الصورة إما حيث توجد، كي تساعدنا على الفهم، أو حين تختار أن تنتقل بنا من فقرة إلى أخرى، وهي جمل تفتقر إلى الحد الأدنى من العمق، الذي يجب توفره في «حد أدنى من وثائقي»، كونها لا تقدم إضافة نوعية للصورة الملتقطة بقدر ما هي جمل وصفية لا يحبذها الوثائقي بل مقبولة، في أحيان عديدة، في الربورتاج. يظهر من خلال متواليات البرنامج، أن ليلى غاندي لم تدعم حلقتها ببحث قبلي مستفيض يصب في إغناء مضمونه ويمكنها من إنجاز ناجح لهذا «الوثائقي»، كما صنفته مديرية الأخبار في القناة الثانية، بل يبدو أنها كانت مادة توثيقية تجعلها فقط من وضع مسار لرحلتها شكلا دون مراعاة ما الذي سيجري أثناء الرحلة، ولا تؤسس لكتابة ناضجة وهادفة. لقد انعكس الإعداد القبلي المرتبك للبرنامج، باستثناء التمكن من إعداد واضح لمسارات السفر وكذا عدد اللقاءات، على طبيعة الخطاب الذي فاجأتنا به ليلى غاندي، فقد كان خطابا بسيطا وتبسيطيا ووصفيا لا يتوافق والعمق الحضاري والتاريخي لبلد مثل تركيا ولا يعكس تعقد جغرافيته. لقد كان المشاهد، أمام لقطات بسيطة في محتواها لم تقدم جديدا للمتلقي المغربي وأيضا الأجنبي، الذي تمكن من متابعة البرنامج، إذ شابها بعض من الانزلاقات مثل تدخين الشيشا من قبل مخرجة هذا العمل التلفزيوني وشرب الداكا التركية، هذا مع الإشارة إلى تصوير مواطنين في وضعيات مختلفة سواء نيام في الحافلة أو في أماكن عمومية ومزارات وفي أوضاع خاصة، كما انتبه المشاهد إلى مقارنة وصفت باللاذعة بين تركيا وإثيوبيا حين اخفقت المخرجة في التواصل مع عمال للوصول إلى إحدى الحافلات. ومن هنا يكون التساؤل مشروعا قبل الخوض في الشكل، خاصة وأن العمل غير تخييلي، هل القناة الثانية حصنت نفسها قانونيا في حالة تعبير أي أحد من الأتراك على تصويره بدون موافقته وبدون علمه، أو كونه لم يتم إشعاره بمصير ما صور؟ هل للبث العمومي أم للاستعمال الشخصي؟. وهل توصلت القناة بدليل التصوير يوضح الأسماء وصفات كل من تحدث وصور باعتباره عملا توثيقيا كما هو معمول به في جميع القنوات، من قبيل ترجمات التصريحات مثلا يضمن لها حق البث دون مشاكل؟ فإذا كنا نستثني فرضية عدم حصول المخرجة على رخصة للتصوير من السلطات التركية، الذي يمكن أن يعتبر مجازفة في حالة عدم حدوثه، فاعتماد آلية التصوير المحمولة يشي بغير ذلك إلا إذا ما كان ذلك إضافة فنية متعمدة لكن ليس على طول البرنامج. الواضح على مستوى الشكل، الذي لا يمكن أن يكون أحسن مما تم اكتشافه على مستوى المضمون، فقد لاحظ المشاهد حضورا قويا للمخرجة طول مدة بث البرنامج في كل فقرة، «تأكل»، «تشرب»، «تدخن»، «ترقص»، و«تنام تستيقظ» دون تقديم جديد، إذ تحولت إلى الموضوع الأساسي في مادتها الإعلامية أكثر من دولة تركيا جوهر البرنامج الأساسي. كما أن الإستعمال لكاميرتين محمولتين سواء في أماكن مفتوحة شابه عدد من الاخفاقات على مستوى زوايا الالتقاط من بينها أساسا تلك الثابتة والمتعلقة بالمواقع مثلا، دون الحديث عن الصوت، الذي عرف هفوات كبيرة سجلتها عملية الميكساج، إذ أن الصوت المصاحب كان أعلى من صوت المخرجة والمتدخلين، الأمر الذي يؤكد أنه ملتقط بطريقة غير احترافية يوحي بأن ثمة أسبابا ذاتية أوموضوعية، قد تتعلق بغياب رخصة التصوير وليس بالافتقار إلى إمكانيات تقنية بالنظر للقيمة المالية المحترمة التي اقتنت بها القناة الثانية هذا المنتوج، التي قد تقارب 20 مليون سنتيم كما هو متعارف عليه في السوق التلفزيونية المغربية، كما يطرح السؤال حول دور المراقبة القبلية لجودة المنتوج قبل البث، الذي بدا غير احترافي، بل من صنع هاو أشبه برحلة سياحية. هذا، وكون البرنامج قدم في زمن ذروة بث السهرة التلفزيونية في شقها الأول، فهذا يعني أن الفئة المستهدفة من المتلقي تنتمي إلى الفئة الأولى والثانية سيما كونه ناطقا بالفرنسية، مما يعني أنه استثنى شريحة واسعة من المشاهدين. وهذا حديث آخر.