خصص القرض الفلاحي غلافا ماليا بقيمة 1 مليار درهم لمساعدة الفلاحين على مواجهة الانعكاسات السلبية لموجة الجفاف التي تضرر منها الموسم الفلاحي الجاري. وقد أعلن طارق السجلماسي الرئيس المدير العام للقرض الفلاحي، خلال لقاء تواصلي بسيدي قاسم ، عن إطلاق عرض تمويلي خاص بمصاحبة الفلاحين المتضررين من تقلبات أحوال الطقس، سواء الزبناء الحاليين منهم أو المحتملين ، وذلك من خلال منتوجات تتلاءم وحاجيات هذه المرحلة العصيبة. وتشمل هذه التمويلات التي وضعها القرض الفلاحي رهن إشارة الفلاحين، في شقها الأول قرض الفلاحة الربيعية، وهو قرض موجه لجميع الفلاحين بمن فيهم الذين تضررت زراعاتهم الخريفية من ضربات الطقس كمزارعي الخضروات ونوار الشمس والبطيخ والبطيخ الأحمر، كما سيستفيد من ذات القرض مزارعو البطاطس كإجراء تكميلي للإجراءات التي اعتمدتها الدولة لإنقاذ هذه الزراعة عبر دعم أسعار البذور ب50 في المائة. كما يشمل العرض التمويلي للقرض الفلاحي جميع مربي الماشية عبر قرض أطلق عليه اسم «الكسيبة« وهو موجه بالخصوص إلى تمويل تربية المواشي عبر دعم الكسابين في شراء الأعلاف وزراعة الكلأ والمصاحبة البيطرية، وهو إجراء مواز لما اعتمدته وزارة الفلاحة في شق دعم تربية المواشي وخصوصا في توفير العلف المدعم، حيث أكد مسؤول الوزارة موحى مرغي في هذا الشأن بأن تضرر الكسابة في هذا الموسم تمثل في تراجع أسعار القطيع بمعدل 10 في المائة في حوضي اللوكوس و ملوية ليتفاقم هذا التراجع في أسعار القطيع بشكل حاد كلما نزلنا في الخريطة من الشمال نحو الجنوب، ليصل إلى ناقص 30 في المائة جنوب سلسلة الأطلس المتوسط. كما تمثل في النقص الحاد في الاعلاف في مختلف المناطق ما ساهم في ارتفاع أسعارها لتتجاوز 400 درهم في بعض المناطق، وهو ما جعل الدولة تخصص دعما لأعلاف الماشية في 7 أقاليم الأكثر تضررا وتوحيد دعم أسعار الشعير على المستوى الوطني للنزول بها إلى عتبة 200 درهم للقنطار، والرفع من الموارد العلفية بنسبة 35 في المائة. وفي نفس السياق التكميلي اقترح القرض الفلاحي تخصيص قرض خاص بالأغراس، وذلك لتمويل نفقات معالجة المزروعات وخاصة منها أشغال التقصيص والتخصيب والري.. ولتشجيع الفلاحين وخاصة الصغار منهم على الانخراط في هذه التمويلات، قرر القرض الفلاحي إعفاء المستفيدين من مصاريف الملفات والإسراع في وتيرة الجواب وتخفيض سعر الفائدة إلى 5 في المائة، وهو الحد الأدنى المعمول به هذا النوع من المنتوجات. وعلى هامش هذا اللقاء، أكد لنا طارق السجلماسي في حوار غني بالأفكار أن القرض الفلاحي بحكم طبيعة مهامه المتجسدة في دعم العالم القروي ومصاحبة المزارعين ، لن يضع أية شروط مجحفة للاستفادة من هذه التمويلات ، بل إن السجلماسي وجه الدعوة حتى لأولئك الفلاحين الذين سبق لهم الاستفادة من الاعفاءات من القروض في المواسم السابقة والذين لم يعد بمقدورهم العودة إلى الاقتراض ، وعددهم يناهز 240 ألف فلاح .. لكل هؤلاء يفتح القرض الفلاحي أبوابه للاستفادة من المنتوجات التمويلية المذكورة. وأضاف السجلماسي أن الغلاف المالي بقيمة 1 مليار درهم يمكن الرفع من حجمه في اية لحظة إذا ما دعت الضرورة إلى ذلك . كما تجدر الاشارة إلى أن هذا الغلاف لا علاقة له ب 3 ملايير درهم التي دأب القرض الفلاحي على صرفها سنويا في إطار برنامجه التعاقدي في سياق المغرب الأخضر. } أطلقتم اليوم عرضا استثنائيا بقيمة مليار درهم لإنقاذ الأنشطة الفلاحية المتضررة خلال هذا الموسم من التقلبات المناخية ، وهو أمر بالغ الأهمية في هذه الظرفية بالذات، ولكن ألا تعتقدون بأن الفلاحين الصغار المعنيين أكثر من غيرهم بهذه المبادرة، يجدون أنفسهم مثقلين بديون سابقة لم يسددوها بعد، ربما قد تمنعهم من الإقبال على هذه العروض التمويلية الجديدة؟ بالفعل هذا المشكل مطروح ونأخذه في القرض الفلاحي بعين الاعتبار، حيث أن العديد من هؤلاء الفلاحين الصغار تجدهم إما معسرين ولديهم متأخرات ديون لدينا، أو سبق لهم الاستفادة من إعفاءات أو إعادة جدولة لقروضهم .. ومع ذلك فإن هذا لا يمنعنا من مصاحبتهم كيفما كانت أوضاعهم المادية، وهذه مهمتنا الأساسية، ومخطئ من يعتقد أننا نشدد مساطر منح القروض، والحال أن الملفات التي ترفض في القرض الفلاحي قليلة جدا بالمقارنة مع العدد الهائل من الملفات التي يتم قبولها، وبالتالي على صغار الفلاحين أن يقتنعوا بأن هذه المؤسسة خلقت من أجلهم وأنه لا دور لنا إن نحن شددنا المساطر وتركناهم يضيعون، لأن الدور الحقيقي للقرض الفلاحي ليس هو مراكمة الأرباح بقدر ما هو مساندة الفلاح الصغير، وأنا كرئيس لهذه المؤسسة سأحاسب أمام المجلس الإداري إن غلبت منطق الربح على منطق الدعم والمساندة.. } على الرغم من الطبيعة الاستعجالية لبرنامج الإنقاذ المعتمد من قبل الحكومة لمواجهة انعكاسات الظروف المناخية ، فإن هناك من يتخوف من عدم وصول إمدادات الدعم إلى صغار الفلاحين مباشرة بفعل الوسطاء والمضاربين الذين يعترضون طريقها .. ما هو في رأيكم الحل الأنجع لمواجهة هذه الظاهرة؟ أعتقد أن المضاربين والوسطاء يتواجدون في كل المهن والأنشطة، ولا يقتصر وجودهم على القطاع الفلاحي.. وأؤكد أن الأسلوب الكفيل بمحاربة ظاهرة الوساطة والمضاربة يتمثل في تكثيف الحملات التحسيسية و وتوعية الفلاحين المعنيين بحقوقهم لقطع الطريق أمام المضاربين .. ونحن في سياق هذه العروض التمويلية التي أطلقناها مؤخرا ، برمجنا الكثير من اللقاءات التواصلية والتحسيسية في مختلف المناطق والجهات انطلاقا من سيدس قاسم وإفران وقلعة السراغنة والقنيطرة وسيدي بنور والجديدة ...وأنشأنا فرقا من القرض الفلاحي التي ستجوب العديد من المناطق لتقديم هذه العروض وشرحها للفلاحين، ناهيك عن الحملات الاشهارية التي أطلقناها على الصعيد الوطني على صفحات الجرائد ووسائل الاعلام لسمعية البصرية..وبالتالي فإن التواصل والتحسيس يشكلان الآلية الأفضل لمحاربة الوسطاء. علما أن على الفلاحين الصغار والجمعيات والتعاونيات التي تمثلهم أن يطالبوا بدورهم بحقهم في الاستفادة من الدعم إذا ما كان هناك حاجز يقف في وجه هذا الدعم..لأن المضاربين لا ينشطون إلا حينما يكون هناك جهل عند الفلاحين بخبر الدعم الذي تقدمه الدولة أو بمدى أحقيتهم في الاستفادة.. } في سياق تقريب الخدمات البنكية من الفلاحين، وخاصة الصغار منهم ، كنتم قد أطلقتم قبل بضع سنوات تجربة الوكالات المتنقلة ، إلى إي حد نجحت هذه التجربة ، وهل هناك سياسة واضحة لدى القرض الفلاحي في التقرب أكثر من سكان العالم القروي و الرفع من نسبة الاستبناك في هذا الوسط والتي تبقى رغم كل الجهود نسبة ضعيفة؟ لقد كان خلق وكالات متنقلة للقرض الفلاحي في الوسط القروي فكرة متميزة ومسارها جعلنا نخصصها لأنشطة للقروض الصغرى نظرا لما تتطلبه هذا الأنشطة من حركية وتنقل دائمين ، أما اليوم فنحن بصدد إنشاء 100 وكالة جديدة تعمل بنظام مؤقت و تفتح أنشطتها بمناسبة الأسواق الأسبوعية، وهي وكالات لا تحتاج إلى استثمارات ضخمة ويكون نشاطها محصورا يوم السوق الأسبوعي في تقديم الخدمات البنكية الأساسية، كالإيداع والسحب والاستشارة ... وأهمية هذه الخطوة نابعة من الأهمية التي تمثلها الأسواق الأسبوعية في حياة سكان العالم القروي ، والمغرب يتوفر على حوالي 5000 سوق أسبوعي، لذلك قررنا إطلاق هذه التجربة في الأسواق التي تعرف رواجا كبيرا وتحتاج إلى مؤسستنا البنكية لمواكبة هذا الرواج..وهذه الوكالات المؤقتة ستسيرها فرق متنقلة من عملائنا ستحط الرحال كل يوم بسوق، مع العلم أن الأسواق الأسبوعية في المغرب تتعاقب وفق منطق جغرافي معين يغطي مجموع الساكنة القروية في كل جهة. } مازالت إشكالية التأمين في القطاع الفلاحي تشكل عائقا جوهريا أمام نمو الضيعات الصغرى والمتوسطة، ورغم الشروع المتأخر في العملية ، فإن الملاحظ هو ضعف الإقبال على التأمين من قبل الفلاحين على علمهم بأهميته في ظل التقلبات المناخية التي يعيشها المغرب..كيف تقيمون نجاعة عروض التأمين التي تقدمها مؤسسة القرض الفلاحي؟ هذه الإشكالية طرحت علينا كمؤسسة بنكية ملتزمة بتمويل العالم القروي، تحديد أهداف رئيسية ينبغي علينا بلوغها وهي أولا إقناع الفلاح بضرورة فتح حسابين بنكيين أحدهما خاص بضيعته و بتدبير أنشطته الفلاحية و الأخر خاص به هو شخصيا وهذا ما أطلقنا عليه اسم «حساب الفلاح» وهو موجه أساسا للفلاحين المتوفرين على حساب واحد يخلطون فيه عادة بين ما هو مخصص لأنشطتهم المهنية و ضيعاتهم وقطيعهم..وبين أموالهم المعيشية ونفقاتهم الخاصة ، كما أطلقنا لنفس الغرض منتوجا مشابها للذين لا يتوفرون أصلا على أي حساب بنكي سميناه « الحساب الأول» ، وهذان المنتوجان معا ضمناهما مجموعة من الخدمات من بينها التأمين وذلك بأسعار جد منخفضة، حيث لا يكلف فتح هذا النوع من الحسابات أية مصاريف ويمكن أن ينطلق الحساب ب 10 دراهم..كل ذلك من أجل تشجيع الساكنة القروية على الاستبناك ، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن عدد الفلاحين في المغرب يفوق 5 ملايين فلاح و أن الساكنة القروية تناهز ال 15 مليونا، لنا أن نتصور مدى الحجم الهائل الذي يمكن أن يبلغه زبناء القرض الفلاحي إن نحن أنجحنا مخطط التشجيع على الاستبناك في الوسط القروي..وعندما يصبح الفلاح متوفرا على حساب خاص يدبره وفقا لاحتياجاته الشخصية والأسرية والادخارية .. حينذاك يصبح من السهل إقناعه بإضافة المنتجات التأمينية ، وهذا ما نحن بصدد الاشتغال عليه بشراكة مع تعاضدية «لامامدا إم سي إم أ» للتأمين الفلاحي. ومن ضمن الأهداف التي وضعناها كذلك في هذا السياق، ضرورة تشجيع الفلاح المغربي على الادخار، خصوصا وأن المقولة الرائجة حول كون الماشية هي خير خزينة ادخار للفلاح، لم تعد في هذه الظرفية الاقتصادية صائبة مائة بالمائة. ونحن نعلم كيف تفقد الماشية قيمتها وتتدهور أسعارها في مواسم الجفاف ، والحال أن الادخار هو الذي يؤمن مواجهة أوقات الشدة التي يجتازها الفلاح. } هل لديكم فكرة أو دراسة عن تنوع الحاجيات التمويلية للفلاحة المغربية أو عن السلوكيات الاستهلاكية للساكنة القروية التي أخذت تتطور في السنوات الأخيرة؟ صراحة لدينا تصور عام عن هذه الأمور بحكم تجربتنا الطويلة واشتغالنا في الوسط القروي ولكن لا نتوفر على دراسات علمية مدققة في هذا الاتجاه، وهو ما دفعني شخصيا إلى التفكير في إنشاء مركز للدراسات والأبحاث في العالم القروي، سنعلن عنه في الأيام القليلة القادمة، ومن شأن هذا المركز أن يقربنا بشكل أدق مما يجري في البادية من تطورات على المستوى السوسيولوجي، وعلى مستوى العادات الاستهلاكية وتطور وتنوع الموارد المالية لدى المواطن القروي، ومدى استعداده للتأقلم مع الأساليب الزراعية الحديثة .. كل هذه المعطيات مفيدة لنا كمؤسسة توجه خدماتها خصيصا لهذه الساكنة، التي تعرف يوما عن يوم تغيرات ملحوظة، فالفلاح المغربي لا ينبغي النظر إليه كفرد منعزل بل كبنية داخل منظومة أسرية لا تتوقف عن التطور، حيث تجد في هذه الأسرة من يقوم بالفلاحة ومن يشتغل بالمدينة و من يدرس بالبلدة المجاورة ومن تعمل في تعاونية للأركان أو العسل ..وهناك من الابناء أيضا من هاجر إلى الخارج ..كل هؤلاء ربما يساهمون في تنويع موارد هذه الأسرة القروية وفي تطوير حاجياتها وظروفها المعيشية ..ومن هنا ضرورة توفير دراسات مدققة لمعرفة مختلف هذه الحاجيات.. ودورنا نحن كبنك متخصص أن نوفر لكل فرد من هذه الأسرة ما يلائم حاجياته الخاصة. وهذا ما يجعلنا اليوم نعمل في اتجاه أن يصبح القرض الفلاحي بنكا شموليا لساكنة العالم القروي لا تشكل ضمنه التمويلات الفلاحية إلا جزءا من بين العديد من التمويلات الأخرى التي قد تدخل في الصناعات التقليدية أو الحاجيات الدراسية أو الحاجيات العلاجية أو منتوجات التقاعد أو الادخار..إلخ } بحكم توالي المواسم الفلاحية الصعبة على بعض المناطق التي شهدت بالإضافة إلى 3 سنوات من الفيضانات سنة رابعة من الجفاف والصقيع ، كما هو الشأن بالنسبة لسهل الغرب مثلا، هذه المواسم تؤثر كثيرا على ميزانية الفلاحين الكبار والصغار منهم على حد سواء ألا ينعكس ذلك سلبا على مدينية زبنائكم في هذه المناطق، ويخلق لديكم صعوبة في استخلاص الديون من المعسرين؟ تعاطينا في القرض الفلاحي مع الديون الصعبة الاستخلاص يختلف كثيرا عن تعاطي باقي المؤسسات البنكية مع هذا المشكل، لأننا في بطبيعة الحال نتعامل مع زبناء من نوع خاص ، حيث يتوقف أداؤهم للأقساط على مردودية أنشطتهم الفلاحية، وبالتالي فنحن كنا وما زلنا نراعي دوما الظروف التي يجتازها الزبون ، وعلى هذا الأساس كنا في السابق ننظم حملات إعفاء شاملة تكلفنا ملايير الدراهم، غير أن هذا الإجراء على الرغم من إيجابياته الظرفية كانت له الكثير من النواقص ، إذ كان يحرم الفلاحين من حق الاستفادة لاحقا من أية قروض ، وهو ما دفعنا خلال السنة الماضية إلى اعتماد خطة فعالة تزاوج بين الإعفاء من نسبة معينة من الديون وإعادة جدولة ما تبقى منها.. من جهة أخرى ينهج القرض الفلاحي سياسة تتميز بالمرونة فيما يخص استخلاص الديون والدليل على ذلك أن قسم المنازعات لدينا لا تروج به الكثير من الملفات كما يعتقد البعض، ولا يتضمن أية منازعات مع صغار الفلاحين ..والسبب في ذلك يعود إلى فلسفة تثمين الزبون في مؤسستنا، لأنه يختلف عن المقاولة اختلافا جذريا، فالمقاولة حين تقترض وتتعرض للإفلاس تموت نهائيا و لا يرجى منها فائدة، أما بالنسبة للفلاح فإنه مهما تعرض لضربات الطقس أو لصعوبة المواسم، فإنه سرعان ما يعود إلى الانتاج ..لأن الأرض تستمر في العطاء ولو بعد سنوات من قساوة المناخ.. وهذه الرؤية هي التي تجعل القرض الفلاحي يثق في زبنائه ولا يصاحبهم فقط حين تكون المواسم جيدة ليتخلى عنهم وقت الشدة..فالفلاح زبون يستوجب التعامل معه على المدى الطويل ولا ينبغي الحكم عليه على أساس زمني ضيق سواء كان شهريا أو سنويا، وهذا ما نتمنى أن يأخذه قانون الابناك الذي تتم حاليا صياغته بعين الاعتبار ..