وحين أغدو إلى الحانوت يتبعني شاو مشل شلول شلشل شول ( الأعشي ميمون) الحياة نقيض الموت. و الحي من يحيا ويحيي فهو حي. ويحيا من حيي عن بينه أي عن وعي. عكس الحيوان رغم ان الإسم يقع على كل شيء حي. و يقال في محياي أو مماتي. والحياة الطيبة هي الرزق الحلال. ولكم في القصاص حياة أي منفعة. استحياه أي أبقاه حيا ولم يقتله. أتانا حي فلان أي أتانا في حياته. أحيا القوم حسنت حالهم. أرض حية خصبة. وأحيا الليل هو السهر فيه عبادة أو ترفا. وطريق حي أي بين. والحي بكسر الحاء جمع الحياة. ماء الحياة ماء زلال... والعيش.. كذلك الحياة. عاش يعيش عيشا وعيشوشة. عايشه بمعنى عاشره وعاصره.هناك عيشة صدق وعيشة سوء. والمعاش و المعيش ما يعاش به. العيش الضنك الضيق و الشدة. والأرض معاش الخلق. وجعلنا النهار معاشا أي ملتمسا للعيش. والعائش ذو الحالة الحسنة: حياة عيشوشة. ومتعيشون إذا كانت لهم بلغة من عيش. ورجل عايش له حالة حسنة ... (لسان العرب) و الثقافة الشعبية في الغرب تقول «عيش ما تحضيش» للأسف لا تسمح المفردتان باستشكال صريح لمعناهما ودلالتهما. اللهم إلا إذا حاولنا و انطلاقا من التداول الحالي لهما، أن نؤول الفرق بينهما في حصر الحي و المحيا في الحياة ضد الموت و فتح العيش على المتعة و اللذة و ابتغاء الشهوات في الحياة الدنيا. بهدا التأويل الطفيف نجد أنفسنا وجها لوجه أمام الثنائية الفرويدية المشهورة إيروس. طانا طوس. فالإنسان إذن تتنازعه دوافع متناقضة الأولى تدميرية و الثانية ليبيدة. لقد كان القدماء (بمن فيهم قدامائنا) يعتبرون أن هدف الفلسفة و غايتها هي السعادة. فجمهورية أفلاطون و هي فلسفة سياسية وعملية كانت تروم تحقيق سعادة المواطن في المدينة «وسياسة» أرسطو كانت كذلك. لكن هذا التقليد الرسمي في الفلسفة الغربية إبتداء من اليونان إلى الأن .. كان دائما يقصي تقليدا أخر مختلف، متطرف عدواني لا أخلاقي شاد منحرف هامشي .. بحث ألصقت به كل هده الصفات المهينة حتى تضعف شعلته وتخبى جذوته . عن هنا التقليد المقصي المعروف في تاريخ الفلسفة بالهيدونية Hédonisme ( Hedone : المتعة و اللذة.) يقول ميشيل أونفري:» نعثر، في المتحف الهيدوني على العراة، السكارى، الشواد، الملحدين الموسيقين المتسكعين، الأطباء المغتربين، .. الشعراء المتوحدين .. الفلاسفة المهمشين... كل هؤلاءفنضلوا المأدبة و الحانة على ألأكاديميته و الجامعة، والسجن على المؤسسة، و الشارع أو الساحة على المكتبة أو الكنيسة.. هاجسهم هو أن يعيشوا فلفستهم و أن يفكروا في حياتهم وتيأملوها. الأخلاق في نظرهم هي فن العيش اليومي وليس علم التقنينات و النواهي و الأوامر الكابحة ... وفي مركز إهتمامهم نجد الجسد (ص 208. L?Art de jouir) هذا الأخير «الجسد» هو المفهوم الدي سيشيد عليه نيتشه فلسفته في الحياة. فلسفة حيوية جنيالوجية تدعو إلى إعادة الإعتبار للجسد ضمن قيم المرؤة لا قيم الإنحطاط، ضمن تعاليم ديونيزوس لا تهديدات زوس. فالجسد هو الذي يعيش... لا الروح» و الجسد هو الذي يضطرب للوعي الابداعي لا العقل. الجسد كله عقل. العقل الصغير ذلك الذي نسميه» اللوغوس» ماهو إلا أداة في خدمة الميولات، في خدمة اللاشعور وطوع يد الحدس. لقد إستطاع نيتشه أن ينظر إلى السعادة و الشقاء من خلال الجسد و تحولاته.. و استطاع بالتالي أن يحيا و يعيش و فق مقتضيات هذه التحولات. Michel onfray. L?art de jouir. pour un materialisme hedoniste livre de poche. 1991. p.208. النتشوي الأخير، يفضل الهامش (كاين) في ضواحي باريس على المركز العاصمة. ويفضل الجامعات الشعبية على الجامعات الرسمية ويفضل جامعة فن الطبخ وتعليمه بجوار الفلسفة وانطلاقا منها يعيد الاعتبار»للهداوية» اليونانية القديمة و لفلاسفة المتعة المسحيين ك لاميتري و الماركيز دوصاد، يؤسس علما للإحاد وبيانا للمتعة ويبحث في بطن الفلاسفة قبل البحث في عقولهم ويدعوا إلى تشييد تاريخ مضاد للفلسفة الرسمية كما يدرس في الجامعات الفرنسية و غيرها. ويفضح فرويد و أكاذبية غير عابىء بتهمة معاداة السامية المخيفة. إنه مشيال أو نفرى الذي انغمس في الملذات و المتع بعد هول أزمة قلبية ألمت به في بداية شبابه. «يبدو الموت سهلا وبسيطا للغاية ... كل وجود هو قصور من رمال ،الحقيقة الوحيدة التي نملك هي الموت وإذن لا يتعلق الأمر بتدجينها وإنما باحتقارها. الهيدونية هي فن هكذا إحتفار». لا يمكن للمشرقي (العربي المسلم ) أن يدعو لمثل هده القيم و لا لمثل هده الحياة و المعيشة. لا لأنها غربية ( ثم يهودية مسيحية وحداثية) فقط و إنما أيضا و أساسا لأنها لا تدرك بنفس الملفوظات و المفاهيم وبنفس المنظار فابن مسكوية مثلا يعتبر الهيدونية ناجمة عن سقاط القوم و الرعاع ويشبههم بالخنافيس و الديدان. وهذا وجه من أوجه اعتبار السعادة هي الفضيلة التي تفارق الملدات الحسية وتفارق الجسد الدي تحكمه النفس الدنيئة الأمارة بالسوء. هناك إذن عائق أخلاقي تيولوجي .. مازال يعلي من شأن قيم فارغة لا أحد يؤمن بها لكن الكل يلهج بها. مازالت السعادة هي سعادة الروح لا الجسد. ومازال المال هو دنس الحياة قولا لا فعلا. قد تنجح التشوية في فضح أكاديب هدا الفراغ و الخواء لكنها ما زالت لم تفلح في إستنبات قيمها في هده الارض اليباب. إن هيمنة هدا الاتجاه الرسمي الأخلاقي و التيولوجي يخفي ويهمش إتجاهات أخرى يطالها الصمت و الإقصاء. من يحرؤ على العودة إلى حسية شعراء الجاهلية، ومن يجرؤ على إذاعه تمتعة بشعرية أبي نواس، ومن يجرؤ على قتل القيم العليا؟ إننا في تقديري لكيف ينبغي أن نحيا و نعيش في مفارقة فكرية أقل مايمكن أن توصف به هو «الضنك». اللغة العربية تلفها و تكتسيها مسحة أخلاقية، وتوجهها أبعاد و آفاق تيولوجية الممارسة اليومية تتعارض بشكل مفارق مع الأخلاق و مع الدين... والمجتمع منخرط برمته في هذا النقاش المنافق. لا اعتقد بأننا في حاجة إلى أخلاق مؤسسة للمتعة، فهذه الأخيرة لا تقنن إلا بذاتها. فيدل اعتبارها أمر قطيعا على الطريقة الكانطية يمكننا نعتها بالأمر المتعي .. الذي ينتمي كمبدأ إلى الفن أكثر مما يرتمي في أحضان العلم. هذا الإنتماء يفصح لنا عن قيمتين تفتقد إليهما متعنا هما: الإيتيقا و إلاستطيقا. المتعة هي حق للجسد علينا وواجب يجب أن نتخلق به و المتعة هي غاية الفن القصوى .. « ليس العيب في أن نعيش إنما العيب في ألا نعيش.. أو نعيش في الجائحة».