الليل، والمطروالوحل ومجموعة صغيرة من الظلال البشرية تتحرك مجتمعة تحت ثقل ما تحمله, أنهار من المطر وحقول من الوحل، تجتاز حائطا، ثم وحل أكثر إلى درجة أنه يمتص الأرجل. حائط آخر, الظلال البشرية تتسلل بين البساتين والضيعات المعزولة تنزلق بعد تخطي قناة، تتعثر لكنها لا تخون السكون، بالكاد توقظ كلبا، كل ظل يحمل ما يستطيع على ظهره، الدقيق، حليب الأطفال, أدوية. ملحمة نمل لتموين حمص، أو بالأحرى بابا عمرو آخر حي مازال خارج سيطرة القوات النظامية. رمز رموز الانتفاضة السورية المحاصر منذ أشهر والذي يتعرض لقصف منذ أكثر من 15 يوما من طلوع الشمس إلى غروبها دون توقف. الليل، والمطروالوحل ومجموعة صغيرة من الظلال البشرية تتحرك مجتمعة تحت ثقل ما تحمله, أنهار من المطر وحقول من الوحل، تجتاز حائطا، ثم وحل أكثر إلى درجة أنه يمتص الأرجل. حائط آخر, الظلال البشرية تتسلل بين البساتين والضيعات المعزولة تنزلق بعد تخطي قناة، تتعثر لكنها لا تخون السكون، بالكاد توقظ كلبا، كل ظل يحمل ما يستطيع على ظهره، الدقيق، حليب الأطفال, أدوية. ملحمة نمل لتموين حمص، أو بالأحرى بابا عمرو آخر حي مازال خارج سيطرة القوات النظامية. رمز رموز الانتفاضة السورية المحاصر منذ أشهر والذي يتعرض لقصف منذ أكثر من 15 يوما من طلوع الشمس إلى غروبها دون توقف. هذا المسلك من الوحل الكثيف الذي يتسلل بين مراكز الجيش، هو الطريق الوحيد الممكن للوصول إلى بابا عمرو. الرابط الوحيد مع العالم الخارجي. بعد البادية هناك الممر السري - لا نستطيع الكشف عن مكانه، مخافة أن تدمره القوات السورية كما فعلت مع ممر قبله - قناة تحت الأرض على طوال 4 كلم. بمجرد الدخول الى حمص، يأخذ أفراد الجيش السوري الحر، وأغلبهم شبان متوترون، المؤونة ويتكلفون بتوزيعها .سياراتهم تزمجر، تم تنطلق بسرعة في الليل دون أضواء، ورغم الليل الحالك يتم اكتشافها وتتبعها, زخات رصاص القناصة المتربصين، إلى أن تصل إلى طلائع البنايات المدمرة التي توفر ملاذا غير مضمون. بعد ذلك هناك الأزقة التي توجد تحت رحمة القناصة وتلك التي لا يسيطرون عليها، في هذه الأخيرة يمكن اشعال أضواء السيارة والسياقة بسرعة أقل. وفي الشوارع الأخرى الحياة من اليانصيب. عندما تنظر إلى المدينة، تعتقد أنها لم تعد تتنفس, الأزقة استسلمت للأزبال والدمار، لا أحد يسير باستثناء بضعة مقاتلين أو طبيب يجري متحديا رصاص القناصة. عازم على العودة إلى منزله لطمأنة ذويه. في الليل بعض السيارات تغامر بالسير في الشوارع المدمرة بحثاً عن طعام في أحياء أخرى، مازالت لم تسقط كليا في أيدي قوات الجيش السوري، أضواء قليلة، منها أضواء المركز الصغير للصحافة الذي نسفته القنابل في اليوم السابق و قتلت صحفيين غربيين، كانا في الطابق السفلي لبناية من ثلاثة طوابق، الطابق الثالث دمرته في وقت سابق قذيفة، سكان البناية، عائلة أبو عمر، سائق الطاكسي، رحلت الى منزل صغير مجاور. بعد أيام، يوم 9 فبراير، ضربت قذيفة أخرى المنزل الصغير، قتلت زوجة السائق وابنته وطفلة أخرى استضافوها »قتلوا وهم نيام. في تلك اللحظة، كنت خارجاً أبحث عن العطام, لذلك نجوت من الموت«، يقول أبو عمر الذي يحكي بالإشارات كل أساليب التعذيب التي يتمنى ممارستها على بشار الأسد، لم يتبق سوى أطلال من البيت الصغير. غير بعيد، هناك عمارة أخرى، اعتقدنا أنها خالية، لكن اكتشفنا أن عائلة بأكملها تختبىء هناك. حميدة، 30 سنة تعيش مع ستة أطفال، أطفالها وأطفال أفراد من عائلتها ، وبسبب الخوف، هرب الحليب من ثدييهاالذي تغذي به رضيعها في شهره السادس عشر، »لا أعرف كيف أشغل الأطفال الآخرين. يبكون، يصيحون، إنهم مرعوبون، حتى صغار السن بينهم غاضبون يسألون لماذا يفعلون بنا هكذا. نحس أن المجتمع الدولي تخلى عنا، ولكن هؤلاء الأطفال ليسوا إرهابيين!« ديانا طفلة في الثامنة من عمرها تتدخل:» »أنا، أخاف كثيراً من بشار الأسد«« العائلة فقدت أحمد 16 سنة, قتل وهو خارج للبحث عن الطعام. مركز الصحافة الصغير وهو في الواقع غرفة واحدة يعمل ويأكل وينام داخلها جنباً إلى جنب السوريون والصحفيون الأجانب القلائل الذين يمرون من هنا. الغرفة يسيرها بيد من حديد أبو حنين، المهددة حياته بشكل خاص، قرر القيام بواجب الإخبار حتى النهاية. يبذل كل ما في وسعه لتوفير البنزين قصد تشغيل مولد الكهرباء، وبالتالي توفير إمكانية الولوج إلى الأنترنيت وإمكانية مشاهدة التلفزيون. على قناة الجزيرة، يمكن مشاهدة الممثلين يناقشون في الأممالمتحدة الملف السوري وإمكانية إصدار قرار، يعلق بانجليزية سليمة »»هيا أيها السادة، ناقشوا، ناقشوا... لكي تصلوا إلى لاشيء» وفي هذا الوقت، تتواصل المجزرة, اليوم، يوم جميل، لقد سقطت عشرات القدائف«. منذ 10 أشهر، يقوم أبو حنين بالإخبار بأي ثمن. ولهذا الغرض جمع حوالي 10 صحفيين نشيطين ينجزون فيديوهات حول حصار حي باب عمرو، أحدهم عاد للتو: »استهدفني رصاص قناص قرب المسجد« يقولها بلامبالاة، كما لو أنه يتحدث عن نزول المطر، لا أحد يهتم بما يقول. مرة أخرى، أبو حنين هو من قبل مرافقة الصحفيين العابرين في زيارة للأزقة القليلة التي مازالت بها مظاهر حياة: مراكز الإسعافات الأولية والتموين، أماكن تحت الأرض يُصنع بها الخبر، حيث تتكدس أكثر من 300 امرأة وطفل... يعرف كيف يتوقع حسب ساعات النهار طوفان القذائف، وإمكانية المغامرة بالتحرك هنا أو هناك.. على متن سيارته، نكتشف رجلا آخر, في الأزقة الأقل عرضة يركز كثيرا وهو يقود ببطء، تم فجأة يرمي بسيارته في عاصفة الصلب، يقطع الأزقة والشوارع المحفرة والغارقة في الوحل بسرعة لا تصدق. يرتمي بالسيارة في برك الماء الواسعة دون أن تظهر عليه علامات النرفزة. هوليس البطل العادي الوحيد, أحد سكان الحي واسمه أبوزيد, تقني عمره 47 سنة وملامحه تقول أن عمره 70 سنة. يضع قبعة تزحلق على الجليد تغطي رأسه حتى الحاجبين، يلبس معطفا من الجلد، بلحية أنيقة رغم الظروف, يقوم بعمليات ذهاب وإياب لا تتوقف عبر خطوط الجيش لتموين السكان. في كل مرة يجلب كيسا وزنه 70 إلى 80 كلغ، في الغالب يجلب أكياس الدم للجرحى وأدوية وحليب للأطفال. يضع ما يجلبه على دراجة نارية صينية الصنع، يتنقل بها في هدوء، عبر أزقة ملتوية تمكن من الاقتراب من حمص. ثم يخبئ الدراجة، يحمل الكيس الثقيل على كتفه، وتحت جنح الظلام، يدخل المدينة المحاصرة، يحكي» »أسير على الأقدام مسافة حوالي كلم واحد, أنتبه للمدارس المملوءة بالجنود, ثم أصل الى الخندق الأول الذي حفره الجنود والذي يصل عرضه أربعة أمتار وعمقه متران، بعد ذلك أقطع الطريق، ثم الخندق الثاني شبيه بالأول««. هذا الأب لثلاثة أولاد، من بينهم طفلة يقول عنها أنها »»أثمن شيء في حياتي«« لا يعي حقا أنه ينجز يوميا عملا بطوليا، يتساءل فقط» »إذا لم نقم بمثل هذه الأعمال، من غيرنا سيعتني بأطفالنا؟»« ببعض من الدعابة قبل استئناف مهمته، يضحك قائلا» »عندما ستنتهي ثورتنا، سآتي لأساعدكم على ثورتكم، سآتي بدراجتي الصغيرة، لكنها لن تكون صينية«« في إحالة ساخرة على موقف بكين المساند للأسد. بطل آخر، الدكتور محمد محمد، طبيب عسكري سابق، فر من الجيش في دجنبر الماضي,هوالمهني الحقيقي الوحيد في مركز الاسعافات الأولية، بعد أن وضع عائلته في مكان آمن خارج البلاد ,جاء خصيصا من شمال البلاد إلى جحيم حمص ليتقاسم مصير سكانها. بملقط ينزع بقوة شظية قذيفة من عين جريح توفي نتيجة غياب المعدات الملائمة، والطريقة الوحيدة لتجاوز التوتر الناجم عن هذا العجز، يبدأ في الصراخ وسب النظام بعنف لا يصدق. أمام الكاميرا، بمركز الصحافة، يقول بنرفزة و توتر» »أن ترى الناس يموتون دون أن تستطيع فعل شيء بينما بالإمكان انقاذهم، هذا أفظع شيء يمكن أن يقع لطبيب، قبل مدة ,مات رجل بعد يومين من المعاناة بسبب شظية قذيفة استقرت في الرأس«. بالنسبة لأبو حنين المسؤول عن المركز الصحفي، «ما يتمناه النظام ليس الإستيلاء على المدينة, بل ليجعل منها عبرة .حمص» لا يدافع عنها سوى بضع مئات من المقاتلين. وبإمكان بشار، بذباباته وآلاف جنوده أن يستولي عليها متى أراد. لا، ما يريده أولا هو معاقبتها وتدمير باب عمرو يعني تدمير قلب الثورة«« قصف الحي كثيف إلى درجة أن الهدوء نادر, ومع ذلك بين غارتين من القذائف,يسمع صوت الديكة المميز والفريد, الوحيد الذي يذكر بأن الحياة لم تستسلم في المدينة المحتضرة، ومصرة على الاستمرار مهما كلف الثمن. عن ليبراسيون