في معرضه المقام حاليا برواق محمد الفاسي بالرباط، يقترح الفنان عزيز تونسي على الناظر لأعماله الفنية أن ينخرط مباشرة في أسئلة الوجود والكينونة، إن كل لوحة هنا هي بمثابة علامة استفهام معلقة في سماء الوجود، قبل أن تعلق على جدران قاعة العرض. وحينما يتعلق الأمر بالوجود، فإن الأمر يعني أساسا الإنسان الكائن، كيف كان، وكيف يكون. لذلك تتعدد حالات الكينونة بتعدد اللوحات، ولذلك يمكن لأشكال هلامية تشبه الحُوينات المنوية أن تتحول إلى كائن إنسان، ويمكن للبيضة أن تتفتق عن كائن إنسان. وهكذا تصبح البيضة أو الكرة - أو لنقل بكل بساطة: أمنا الأرض - ثيمة أساسية في الأعمال الأخيرة للفنان عزيز تونسي، إذ ترتبط بالخروج الأول للكائن إلى الوجود، لكن الوجود أثقالٌ وأحمالٌ، لذلك يئن الكائن تحت أعباء الحياة، ويتلوى ويتلون بإكراهاتها، متخذا أوضاعا شتى. ولأن الحياة تستدعي الموت، نجد الكائن في إحدى اللوحات يستند إلى جمجمة، أو يخرج من لحاء الشجر كما في لوحة أخرى، إنه خروج الحي من الميت، لكن الوجود محفوف بالضياع، لذلك تتطلب غريزة البقاء أن يكسر هذا الكائن الحجر، أن يفيء إلى دفء أمه، أن ينكفئ على نفسه متخذا وضع الجنين، أو وضع السجين، أن يحلم بشمعة تضيء حلكة روحه، أن يجلس على قمة الحياة و يتأمل الأفق. إنه الكائن في الحياة بكل تلاوينها، حزنا وفرحِا، وأملا وألما، تفاؤلا وتشاؤما، اجتهادا وإجهادا حتى تُبتر الأيادي ولا تكاد تقبض سوى على قبض ريح. وكأننا إزاء وجود منفلت أو كأننا أمام هذا الذي لا يكتمل. ولأن موضوع الكينونة ليس بالموضوع السهل ولا اليسير بالنسبة لعمل فني هو التشكيل تحديدا، فإن حرفية الفنان عزيز تونسي وإتقانه التلاعب بالألوان، وعزفه المتناغم على توزيعات وتنويعات الأشكال والألوان، مكنته من تطويع موضوعه، والقبض عليه في مختلف أوضاعه وحالاته وتجسيداته، بدءا من لحظة الخلق الأولى ليتتبع صيرورة تكونه وتشكله، ومكابداته ومعاناته، محفوفا بالألوان، ضوءا وعتمة، ودائرا مع دوائر الحياة، لذلك تتشاكل الدوائر حوله، وتكاد الدائرة في أعمال الفنان تتحول إلى رحم آخر لا ينفك الكائن يعود إليه.