تنامت في الآونة الأخيرة بالمغرب ظاهرة الاختطافات والمطالبات بفدية، وهي إن لم تصل بعد إلى المستوى الأحمر بحسب التصنيفات الأمنية، إلا أنها ارتفعت بشكل مقلق في مجموعة من المناطق خاصة في الشرق واتخذت أحيانا سيناريو الأفلام السينمائية كما هو الحال بالنسبة لآخر حالة مصرح بها في الولاية الأمنية بوجدة الأسبوع قبل الأخير . وتفاصيل عملية الاختطاف هاته، تمت بسيناريو محكم لم يترك فيه المختطفون الفرصة للصدفة للإيقاع بهم كما صرحت لنا مصادر أمنية من الجهة الشرقية. بعد أن غادر السيد «ز.ن» بلدية راس الما ممتطيا سيارته في طريقه إلى مدينة بركان، عبر الطريق الرئيسية حوالي الساعة الرابعة مساء، أثارت انتباهه سيارة من نوع «كولف» يميل لونها إلى الأصفر، وهي تتقفى أثره ليفاجئه سائقها وهو يطلب منه التوقف. ظن السيد «ز.ن» أن السائق يريد استفساره عن وجهة ما خاصة وأنهم كانوا على مشارف بلدية فزوان، وبعد أن توقف جانب الطريق، نزل سائق سيارة «الكولف» وأطل عليه من نافذة السيارة وأخبره بأن السيد الذي كان جالسا معه في المقهى نسي عنده مفاتيحه ويطلب منه أن يعيدهم إليه. انتبه السيد «ز.ن» وتساءل قائلا كيف أنه لم يكتف بمهاتفته عوض إرسال من يطلبه! وعندما شرع في البحث عن المفاتيح داخل السيارة فوجئ بالواقف أمامه وهو يفتح باب السيارة من الداخل عبر النافذة لتفتح الأبواب الأربع ، فدخل باقي أفراد العصابة السيارة وبقي واحد في سيارتهم بانتظارهم. ذهل السيد «ز.ن» وظن أن الأمر يتعلق بعصابة تريد سلبه مابحوزته إلا أنهم وضعوا سكينا على عنقه طالبين منه عدم التحرك وخيروه بين القتل أو فدية قيمتها عشرة ملايين حاول إيهامهم أنه لايملك مبلغا ماليا بهذا القدر فاستفسروه عن مآل الأموال المحصلة من عملية بيع أراض قام بها قبل أيام والحال أنه بحسب تصريحه أمام الشرطة القضائية لم يقم بأية عملية بيع على الإطلاق وأنه على مايبدو كانوا يراقبونه قبل مدة وشكوا في كونه يتاجر في العقار لكونه كان يجالس بعض سماسرة العقار. فتشوه وعندما لم يجدوا عنده مبالغ مالية مغرية تحصلوا على دفتر شيكاته الموجود بالسيارة فطلبوا منه أن يوقع لهم شيكا بمبلغ 10 ملايين سنتيم وإلا أجهزوا عليه! وبما أن الوكالات البنكية مغلقة فقد قاموا بمرافقته إلى مدينة السعيدية واكتروا منزلا ببطاقته الوطنية وأوهموا صاحب المنزل بأنهم يرافقون والدهم إلى مدينة وجدة للعلاج. قضوا الليلة في مدينة السعيدية وهددوه بأنهم لن يكتفوا بتصفيته في حال ما خلق لهم المشاكل، بل أوهموه بأنهم سيصفون أفراد أسرته معهم وأنهم ليسوا وحيدين، ومما أثار شكوكه أنه كان معهم شخصان ملثمان لم يتفوها بكلمة واحدة منذ بداية العملية. باتوا الليلة بالسعيدية، وفي صباح اليوم الموالي، توجهوا إلى وكالته البنكية بمدينة وجدة وشددوا عليه أنه في حال وجود أية محاولة لطلب النجدة سيكون مآله الموت. دخل الوكالة البنكية وأحضر لهم المبلغ المطلوب وقام بإيصالهم إلى مدينة بركان حيث كان ينتظرهم صاحبهم بسيارة «الكولف» وتركهم هناك وعاد إلى وجدة حيث قام بإيداع شكاية بتفاصيل الواقعة، وعندما تم البحث عن السيارة التي دون ترقيمها اكتشفوا بأنها سيارة مسروقة ومازالت عناصر الشرطة القضائية ومصالح الأمن تباشر عملية فكل لغز عمليات الاختطافات هاته خاصة وأن هذه الواقعة بنفس السيناريو ليست الوحيدة بالجهة الشرقية، فقد سبق قبلهاأن تمت عمليات أخرى كاختطاف سيدة وطلب فدية قبل أسابيع . ترى من يقف وراء هذه العمليات؟ سؤال أصبح يؤرق المصالح الأمنية خاصة وأن الأمر لايتعلق بعمليات شبيهة بتلك التي عرفتها مجموعة من المدن المغربية والتي يتورط فيها جار أو أحد المعارف بهدف الابتزاز، بل يبدو أن الأمر أكبر من ذلك خاصة وأن الطريقة التي تتم بها لاتدل على أن الأمر يتعلق بهواة بل بمحترفين خاصة وأن مطلبهم بفدية العشرة ملايين تبين بأنهم يدركون تماما بأن الوكالات البنكية قد تتلكك في صرف شيك بمبلغ أكبر من هذا بحجة السيولة وأن الساحب عليه انتظار على الأقل ساعتين قبل تمكينه من المبلغ المطلوب. تعددت الدوافع والاختطاف واحد كابوس حقيقي تعيشه إلى حدود الساعة عائلة الساخي بالمحمدية إثر اختطاف ابنتها نضال المزدادة سنة 1996 والتي تتابع دراستها بثانوية شكيب أرسلان ببن يخلف بالمحمدية حيث اختطفت قبل أيام بالقرب من المؤسسة بحسب شهادة زملائها حيث عمد المختطفون إلى الاتصال هاتفيا بوالدها وحددوا مبلغ الفدية في 20 مليون سنتيم إن أراد استرجاع ابنته على قيد الحياة. وقد صرح الوالد أن ابنته تم نقلها من المحمدية إلى مراكش، وأنه تقدم بشكاية في الموضوع ضد المختطفين ومنهم امرأة يشك في كونها قد تكون وراء هذا الاختطاف الانتقامي. وفي نفس الإطار، وإن غاب الجانب المادي، هذه المرة شهدت مدينة تطوان حالة اختطاف قبل أيام حيث فتحت مصالح الشرطة القضائية بها تحقيقا في الشكاية التي تقدم بها والد فتاة تبلغ من العمر 20 سنة تعمل بأحد محلات التصوير الكائن بشارع الجيش الملكي ، والتي تم اختطافها بشكل هوليودي من أمام مقر سكناها . وحسب تصريحات الضحية لعناصر الشرطة القضائية، فإن الفتاة تم اختطافها في حدود الساعة العاشرة صباحا من يوم الخميس 19 يناير الجاري، حيث أنها تأخرت عن موعد العمل، لتضطر لاستئجار سيارة أجرة صغيرة، لتجد أمامها إحدى السيارات، بحيث بمجرد الصعود إلى سيارة الأجرة ركبت إلى جنبها سيدة تبلغ من العمر حوالي 45 سنة، هاته الأخيرة بادرت إلى سحب منديل به مادة مخدرة وخنقتها به ، لتفقد الفتاة الوعي، وتجد نفسها في حدود الساعة الرابعة مساء في مدينة العرائش قرب إحدى الغابات ممزقة الملابس و منزوعة الحذاء، ومنهكة القوى . ومن خلال المتابعة لمجموعة من جرائم الاختطاف خاصة بين الأطفال، غالبا ما يلاحظ وجود رابط يجمع بينها هو علاقة المختطف بمحيط عائلة الطفل، ولا يخرج المختطف في الغالب عن تلك الدائرة. ويرى المهتمون أن رابط القرابة الذي يجمع مرتكب الجريمة بعائلة الطفل يساهم في نجاح عملية الاختطاف ، على اعتبار عنصر الثقة الطبيعية التي تشكل الرباط في العلاقة كما هو الحال بالنسبة ل«إدريس .ه»، مستخدم بمكتب الاستثمار الفلاحي الحوز، ويعتبر المدبر الرئيسي لعملية اختطاف وقتل ابن أخته السنة الماضية بمراكش وهو من مواليد 1995 والذي أدانته المحكمة بالإعدام من أجل الاختطاف والاحتجاز، وطلب فدية، والقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد. فقد ظلت تراود الجاني فكرة اختطاف ابن أخته أسامة بعد استدراجه من إعدادية القدس الكائنة بحي الإنارة، التي يتابع فيها دراسته بالسنة الثامنة من التعليم الأساسي، واحتجازه والاتصال بوالده، وهو زوج أخته، ومطالبته بفدية مالية قدرها 100 مليون سنتيم، للإفراج عن أسامة، خاصة أن المعني بالأمر ميسور ماديا. فأصبح فكره منصبا على العملية واهتمامه مركزا على طريقة تنفيذها، خصوصا أنه يعرف أسامة بحكم القرابة، فهو الابن المحبب والمفضل لدى والده، وله مكانة متميزة داخل أسرته، ولتهيئ الوسائل لتنفيذ العملية استضاف صديقه عبد الحكيم بمنزله لمعاقرة الخمر، ليكشف له عن خطته المتمثلة في اختطاف طفل واحتجازه في مكان منعزل عن أنظار الناس، ومطالبة والده بفدية مالية، وطلب منه مشاركته في العملية مقابل تسلمه مبلغ 30 مليون سنتيم، واستغلال منزل والده الذي مازال في طور الإنجاز بحي المحاميد لاستعماله كملجأ في احتجاز أسامة، وقد تم استدراج الطفل أسامة الذي كان مطمئنا لخاله وهو يرافقه قبل أن يكتشف أن الخال استدرجه للمساومة وطلب فدية من والده. فقام رفاق الجاني بربط الاتصال بالعائلة لمباشرة المفاوضات، وبعد عمليات تربص وتتبع أفضت التحريات لدى الشرطة القضائية وعناصر مكافحة الجريمة المنظمة إلى الاهتداء إلى الفاعل الرئيسي والذي لم يكن سوى الخال واهتدوا إلى مكان الطفل أسامة لكن بعد أن تم الإجهاز عليه منذ البداية خوفا من افتضاح الأمر. نفس السيناريو بمدينة تطوان نهاية السنة الماضية لكن هذه المرة المتهم الرئيسي أحد الجيران حيث تمكنت مصالح الشرطة القضائية بتطوان من حل لغز جريمة اختطاف طفل ومطالبة والده بفدية مالية قدرها 70 مليون سنتيم. فقد قادت التحريات الأولى لمصالح الأمن حول الاتصال الهاتفي الذي أجراه المشتبه فيه لطلب الفدية، ما مكن من الوصول إلى حل سريع لهذه القضية، سيما أن أحد أقرباء المختطف استطاع التعرف على المتهم من خلال نبرة صوته. و بمجرد اشتباه المحققين في الجار سالف الذكر، لجأت الفرقة الأمنية إلى تنقيطه لدى مصلحة التشخيص القضائي، فتبين أنه يقطن بشارع خالد بن الوليد بإحدى الإقامات السكنية، وبعد وضع حراسة ثابتة على العنوان ومواصلة التنصت على المكالمات الهاتفية، ونصب كمين لإيهام المشتبه فيه بالموافقة على تسليم الفدية المطلوبة، تمت مداهمة العمارة السكنية بأمر من النيابة العامة والصعود إلى سطحها، واعتقال شخصين بحوزتهما أسلحة بيضاء، وداخل غرفة أخرى، تم العثور على الطفل المختطف وهو نائم، كما تم حجز هاتفين محمولين، تبين، بعد المعاينة، أنهما المستعملان في الاتصال بوالد الضحية أثناء التفاوض معه بخصوص تسليم الفدية. حالات الاختطاف بهدف الحصول على المال تتخذ أحيانا شكلا خاصا عندما يعمد المختطفون إلى اختيار ضحايا مميزين كما هو الشأن بالنسبة لما حدث قبل سنة بمدينة آكادير، فقد تمكنت المصالح الأمنية بهذه المدينة من وضع حد لعصابة مكونة من أربعة عناصر تخصصت في استراج الفقهاء وابتزاز عائلاتهم. أفراد العصابة ينحدرون من مدينة تزنيت وكانوا يتصلون بهؤلاء ويوهمونهم بتسليمهم مبلغا ماليا في حالة تمكنهم من شفاء مريضة قريبة لهم مصابة بالمس، وعند قدومهم يحتجزونهم، ويذيقونهم شتى أصناف التعذيب، لإرغامهم على الاتصال بذويهم لتقديم فدية للمختطفين، قبل الإفراج عنهم. عناصر الأمن تمكنت من إلقاء القبض على المتهمين، بعد قدومهم لتسلم مبلغ مالي اتفق عليه مع زوجة أحد المحتجزين والتي كانت قد أخبرت المصالح الأمنية بالموضوع، إذ وضع أفراد الشرطة القضائية، الذين كانوا يراقبون المنطقة، كمينا لهم مكن من اعتقالهما في مكانين مختلفين، بعد أن غير أفراد العصابة مكان التسليم عند قدوم السيدة إلى الموقع الأول. عهد الجريمة المنظمة استفحال ظاهرة الاختطاف لأجل المال، تدخل المغرب إلى نوع جديد من الجريمة المنظمة والتي تدفعنا إلى أن نتحدث هنا عن مستويين من هذه الجرائم: المستوى الأول ويتعلق بهواة ليس لهم سوابق جنائية يقومون بعملية الاختطاف من دون تدقيق في خططهم مما يسرع في الإيقاع بهم، إلا أن الخطير هو دخول فاعلين جدد وعناصر إجرامية تتقن عملية الاختطاف والتفاوض للحصول على الفدية وهو مايمكن أن يشكل تحديا للأجهزة الأمنية خاصة عندما يتعلق الأمر بعمليات اختطاف في المدن الحدودية والتي تشير بعض المعطيات إلى وجود عمليات اختطاف وطلب فدية لايتم التبليغ عنها خوفا من الانتقام حيث يتم الرضوخ إلى طالب الفدية في سرية تامة مخافة الانتقام. وهناك حالات اختطاف أخرى غير معلن عنها نظرا لكونها ترتبط بعملية تصفية حسابات بين مافيات المخدرات والتهريب الأمر الذي يجعلنا ندق ناقوس الخطر مخافة استشراء الظاهرة بشكل فظيع يتحول معه الهواة إلى محترفين.