في ظل حرمانهم للسنة الثامنة من حقوقهم القانونية .. 34 عائلة من عمال شركة علف دكالة بسيدي يدقون ناقوس الخطر تأسست شركة علف دكالة بمنطقة بني هلال على بعد حوالي كيلومترين تقريبا من مدينة سيدي بنور، تم فتحها في مطلع الثمانينيات حيث كان مسيرا عند انطلاقة أشغاله من طرف الدولة إلى حدود سنة 1985، كان حينها يشكل المصدر الوحيد لعيش 33 أسرة باعتباره المعمل الوحيد من هذا الحجم بمنطقة بني هلال التي تتميز بجودة تربتها من نوع التيرس كما تزخر بمؤهلات فلاحية مهمة حيث تنشط زراعة الشمندر و القطاني كالفول و الجلبان وكذا زراعة القمح والشعير والدرة والفصة وغيرها من المنتجات الزراعية التي يستفيد منها المعمل بعد تحويلها إلى علف للدواجن و الأبقار، كما يساهم في تحريك عجلة النشاط الاقتصادي بالمنطقة نظرا لاحتراف ساكنة المنطقة تربية المواشي و الأبقار والدواجن . بتاريخ 01 أكتوبر 1985 تسلم إدارة معمل العلف إلى أشخاص من جنسية عراقية ، الذين تسلموا شؤون تسيير الشركة إلى حدود شهر غشت من سنة 1996، خلال هذه الفترة الزمنية وحسب شهادة العمال كانت الأمور تسير بشكل عاد بحيث يتسلم العمال و المستخدمون أجورهم كاملة و بشكل منتظم، كما كانت تلك الفترة الزمنية تعرف رواجا اقتصاديا مهما باعتبار شركة علف دكالة الوحيدة في المنطقة حيث أصبحت وجهة يقصدها الفلاحون والمتاجرون في مواد الأعلاف ن بما ساهم في ترويج اقتصادي للمنطقة بارتباطه ببعض الممونين، كما شكل مورد رزق ليس لعائلات العمال وعددهم يناهز 34 عاملا والمستخدمين فقط بل حتى بالنسبة لساكنة الجوار والفلاحين بمنطقة دكالة بصفة عامة . من التفويت إلى الإفلاس وتشريد العمال : ظل عمال شركة علف دكالة لصنع علف المواشي يتسلمون أجورهم كاملة و بشكل منتظم منذ سنة 1985 وحتى سنة 1996 وهي السنة التي قام خلالها المستثمرون العراقيون بتفويت المعمل إلى السيد الصغير حسن، حيث أصبح المسؤول عن الشركة والمسؤول إداريا عنها و قانونيا، عرفت الشركة في عهده العديد من الخروقات و الانزلاقات جعلت من إنتاج الشركة يتراجع، وبدأت الديون تتراكم نتيجة لسوء التسيير الأمر الذي نتج عنه عدم التزام الشركة في أداء واجب العمال و المستخدمين من أجور ومستحقات مالية و تعويضات عن الأعياد و أيام الراحة، بل تجاوزت العراقيل ذلك لتصل حد حرمانهم من شهادة العمل و التقيد في صندوق الضمان الاجتماعي والتغطية الصحية بما جعل الطريق معدا أمام اندلاع التوتر وفقدان الثقة ما بين المشغل و العمال حيث بدأت الأصوات المستنكرة تتصاعد و التحركات النقابية و السياسية كذا قصد وضع حد لمعاناة العمال ، و هكذا و في أول خطوة لهم تم طرق باب مفتشية الشغل بإقليمالجديدة طارحين أمام المسؤولين ملفهم المطلبي ، رفقة شكاية مفادها تلكؤ صاحب الشركة في منح العمال مستحقاتهم المالية ، وبعد البحث الذي قامت به المفتشية و الذي تبث من خلاله إخلال صاحب الشركة بواجباته اتجاه العمال ، قامت بمطالبته بأداء أجور العمال من خلال المراسلة الموجهة إليه بتاريخ 17 شتنبر 2001 مفادا « أداء الأجور : 1- دورية أداء الأجر ( ظهير 24 يناير 1953 ) . طبقا للفصل الثالث من الظهير المذكور أعلاه و المتعلق بحساب الأجر و بكيفية أدائه ، فإنكم ملزمون بتأدية أجور عمالكم على الأقل مرتين في الشهر و ألا تفصل بين الدفعتين أكثر من ستة عشر يوما كما يجب أن تؤدوا أجور مستخدميكم على الأقل مرة في الشهر على ألا تتعدى المدة الفاصلة بين أداءين متتابعين مدة أيام الشهر الذي يكون آخر أداء يمثل الأجر المؤدى عنه . لذا يجب عليكم تسوية متأخرات عمالكم في أقرب الآجال طبقا للمقتضيات القانونية المشار إليها أعلاه. « لم يمر على تسلم تسيير دواليب الشركة من طرف حسن الصغير سوى سنتين حتى أصبح العمال يعانون قساوة العمل بدون أجر و مواجهة المعيشة و مستلزمات الأولاد من كسوة و سكن و دراسة و أدوية و غيرها من الاحتياجات الضرورية ، منهم من أثقلت الديون كاهله ، و منهم من يمد يده للأهل و الأصدقاء في إطار مكابدتهم لمعاناتهم مع صاحب الشركة الذي لم يعد يؤدي أجور العمال ، وهكذا ومع مرور الوقت تبين كون أحوال الشركة لا تسير في الاتجاه الصحيح ، و أن الوضعية العمالية تزداد تأزما و أحوالهم المعيشية تضيق بهم حيث أصبح العمال مهددون بالتشرد ، لذلك بادر العمال و المستخدمين في تنظيم وقفات احتجاجية مساندين أنداك من طرف النقابة تنديدا بما يتعرضون له من طرف مالك الشركة فيما يتعلق بمستحقاتهم الشهرية ، لينتهي بهم المطاف إلى عقد لقاء بين صاحب الشركة ( في شخص ممثله القانوني ) و النقابة و لجنة إقليمية و ذلك بتاريخ 02 يناير 2003 تم الاتفاق خلاله بتسوية المشكل عن طريق أداء أجور و مستحقات العمال حسب جدول زمني تم التراضي عنه كذلك ، غير أن الاتفاق ظل حبرا على ورق بعدما تملص صاحب الشركة من كل التزاماته أمام اللجنة الإقليمية معلنا بذلك استمرار معاناة و محن العمال و الزج بهم في حوض الفقر و القهر و التعاسة ، و أمام المواجهة النقابية و الاحتجاجات المطلبية راسل السيد عامل إقليمالجديدة آنذاك صاحب الشركة في موضوع تنفيذ مقتضيات الاتفاق المبرم بتاريخ 02 يناير 2003 في إطار اللجنة الإقليمية للحوار الاجتماعي و هي المراسلة المسجلة تحت عدد 301 ق ش ع / م م بتاريخ 27 يناير 2003 مادها تنفيذ الاتفاق القاضي بأداء أجور و مستحقات العمال حسب جدول زمني ، وذلك حفاظا على السلم الاجتماعي داخل هذه الوحدة الإنتاجية و ضمانا لحقوق جميع الأطراف مع الحرص على احترام المقتضيات القانونية الجاري بها العمل في هذا الصدد . كان عمال شركة علف دكالة كلهم أمل أن تحل مشاكلهم و أن تسوى وضعيتهم المادية و الإدارية مع الشركة ، غير أن الرياح تجري بما لا تشتهيه السفن ، وما كان غير متوقعا أصبح واقعا كالسيف على أعناقهم حيث قام صاحب الشركة بطلب للمحكمة التجارية قصد إجراء التسوية القضائية للشركة سنة 2003 و بعدها تمت التصفية القضائية حيث صدر الحكم من المحكمة التجارية رقم 30 / 2003 و القاضي في منطوقه بفسخ مخطط استمرارية الشركة المدعى عليها و بفتح مسطرة التصفية القضائية في حقها مما يكون معه نشاط الشركة قد توقف بقوة القانون ليتملص بذلك من كل الديون و إعلان حالة الإفلاس للشركة ، و توقيف جميع العمال في تلك السنة حيث انطلقت الاحتجاجات و طرق أبواب الجهات المسؤولة وطنيا و جهويا و إقليميا . احتجاجات سلمية وحياة معيشية صعبة: بعد توقف الأشغال بشركة علف دكالة وعدم التزام المستثمر بما اتفق عليه بخصوص تمكينهم من مستحقاتهم , طال صبر العمال وقاموا من خلال مكتبهم النقابي بدق كل الأبواب من أجل إنصافهم وإيجاد مخرج للأزمة المعلنة والمدبرة لشركة إنتاجية من هذا الحجم في منطقة تزخر بعدة مؤهلات فلاحية و منتوجات أولية يتم تحويلها إلى أعلاف للبهائم و الدواجن , دون جدوى مما دفعهم إلى تنفيذ برنامج نضالي طالب من خلاله العمال الجهات المعنية الخروج عن صمتها وفتح تحقيق في الموضوع وإنقاذ عائلاتهم من التشريد. كما بعثوا بمراسلات إلى كافة المسؤولين و الذين لهم علاقة بالموضوع ظلت دون جدوى إلا بعض التدخلات والوعود الشفهية التي كانت ترمي في حقيقة الأمر إلى إسكاتهم و جعلهم يتيهون في دوامة من المماطلة و التسويف ، لتبقى هذه الفئة من اليد العاملة عرضة للإهمال و التهميش و هضم الحقوق ، يقول السيد محمد الشامخ المزداد سنة 1958 متزوج و له 5 أبناء ، أنه التحق بشركة علف دكالة سنة 1985 ، حيث اشتغل بها لمدة 19 سنة كلها جهد و عطاء إلى أن تم توقيفه سنة 2004 دون تمكينه من مستحقاته المالية ، ومنذ ذلك التاريخ وهو يصارع و يكابد متاعب و مشاق الحياة المعيشية ، من جهته أكد السيد الراشدي عبد الإله البالغ من العمر حوالي 50سنة عامل سابق بشركة علف دكالة كون العمال الذين تم تشريدهم و عائلاتهم لا يتمتعون بالتغطية الصحية و لا التسجيل في صندوق الضمان الاجتماعي بما يحرمهم في الاستفادة من التقاعد أما عن الظروف المعيشية و ما يعانيه في ظل البطالة التي يعيشها فقد أجاب بحصرة بالغة « عايشين ، عيشة الذبانة في لبطانة أخويا ، سنين و نحن نبحث عن تسوية لمشكلنا لكن الله غالب ، الكراء داير فينا حالة ...» لقد توفي بعض العمال تاركين وراءهم أسر تتكون من ستة إلى تسعة أفراد دون معيل ، يكابدون حر غلاء المعيشة و قساوتها ، يواجهون المرض بالصبر و الجوع بالأمل ، ذلك حال أسرة المرحوم لازين عاشور و المرحوم محفوض إبراهيم ، في حين يوجد من بين العمال من هم مصابون بأمراض مزمنة يتطلب علاجها مبالغ مالية باهظة من أمثال السيد لحسن لطفي . أحكام قضائية في انتظار تنفيذها : أمام عزلة العمال القاتلة وفي غياب أي مصغ جاد لمشاكلهم وتباطؤ الجهات المعنية في الضغط على الشركة للوفاء بالتزاماتها لم يجد العمال أي مخرج لمعاناتهم اليومية مع البطالة/ الشغل, وتوقف الأجور ومطرقة مدونة الشغل..لجأ العمال إلى المحاكم علها تنقذهم و عائلاتهم من التشريد والبؤس. فبتاريخ 30يونيو 2004 أصدرت المحكمة الابتدائية بسيدي بنور في جلستها العلنية أحكاما لصالح العمال ضد الشركة الغائب ممثلها في كل جلسات المحكمة و المتمثلة في كل أجور العمال و مستحقاتهم حيث استندت المحكمة إلى عدة وثائق وعلاقة الشغل الثابتة بمقتضى ورقة الأجر المدلى بها.....لكن تظل الأحكام و لحد الساعة لم تنفذ بحجة الانتظار إلى حين بيع المعدات و التجهيزات و الآلات المتواجدة بالشركة و كذا العقار عن طريق المزاد العلني ، وإذا كانت المعدات و الآلات و تجهيزات الشركة قد تم بيعها فان ذلك لم يغير من الوضع في شيء ما دام العمال لم يتوصلوا بمستحقاتهم إلى حين بيع العقار . أمام استمرار معاناة العمال بالرغم من الأحكام الصادرة في حقهم ، فقد راسلوا كل من السيد وزير الشغل و السيد وزير العدل و السيد والي ديوان المظالم و السيد رئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء في موضوع النظر في حالة عمال و مستخدمي شركة علف دكالة ، وقد جاء فيها « بعد أن خضعت شركة علف دكالة إلى التصفية القضائية بتاريخ 27 / 01 / 2003 في الملف عدد 416/2002/10 و بعد الحكم الصادر بتاريخ 3/06/2004 عن المحكمة الابتدائية بسيدي بنور لصالح العمال و المستخدمين و عددهم 34 عائلة و إلى هذا الحين لازالت تنتظر في ظروف من التشريد و الفاقة نتيجة البطالة عن العمل خصوصا و أن معظمهم لم يعد في السن التي تسمح له بالعمل في ظل وفرة اليد العاملة الشابة ، وفي نفس الوقت لم يصل إلى سن التقاعد ليستفيد من راتب التقاعد و حيث إنهم يعتبرون المصدر الوحيد لإعالة عوائلهم فإنهم يلتمسون من سيادتكم النظر في وضعيتهم علما أن المعمل يرغب في شرائه العديد من المهتمين نظرا لموقعه وسط أزيد من 200 تعاونية حليب في حاجة إلى الأعلاف الخاصة بالأبقار و كذلك العديد من مربي الدواجن بالمنطقة اللذين هم بحاجة إلى علف الدواجن ... « مؤخرا طرق العمال باب عامل إقليم سيدي بنور قصد التدخل لإيجاد حل لمشاكلهم و وضع حد لمأساتهم غير أن وضع عمال شركة علف دكالة بالرغم من ذلك يبقى معلقا حتى إشعار آخر لتستمر بذلك معاناتهم.