في أمسية احتفائية متعددة الصور و اللحظات المتوهجة رفقة أصدقاء و شعراء و باحثين و بحضور جمهور خاص عاشق للشعر، احتفت المكتبة الوطنية للمملكة المغربية مساء الجمعة 13 يناير بالشاعر المغربي محمد الصالحي بمناسبة صدور طبعة جديدة لمجموعتيه الشعريتين الموسومتين « احفر بئرا في سمائي» و«أتعثر بالذهب» والمتعانقتين في باقة واحدة عن دار ارابسك بالقاهرة. ومحمد الصالحي الذي «يكتب لان الحياة وحدها لا تكفي» شاعر منحدر من سلالة سوسية أصيلة وعالمة، وينتمي إلى جيل الثمانينيات الذي أضفى على القصيدة المغربية نكهة خاصة تتميز عند الصالحي، كما جاء في كلمة الناقد عبد الرحيم العلام الذي قام بتقديم وتسيير اللقاء، بالاقتصاد في الكلام والتواضع وقلة الظهور وعدم الادعاء. وأضاف العلام أن الصالحي يقيم على التخوم القلقة أكثر من اليقين المريح، انه حريص، بتعبير العلام، على سلامة الشك والاندفاع نحو الحياة في محاولة لفهم الأشياء و إدراكها بواسطة اللغة، و من ثمة بناء عوالمه الشعرية الخاصة. ووقف الشاعر إدريس الملياني في مداخلته النقدية عند مسألة الوزن معتبرا أن الصالحي يسكنه الإيقاع الشعري الداخلي والخارجي محللا قصائد المجموعتين تحليلا إيقاعيا للوقوف على موسيقاها الغنية. واعتبر الملياني أن الصالحي حفار آبار لا يبحث فيها إلا عن ماء الشعر، و انه يحمل الكتاب بقوة و يقصد اللعب الجدي في قصيدته التي لا لغو ولا غلو ولا خبط عشواء فيها وإنما هي محفل للغة راقصة رامزة وموجزة تنهل نفسها من شعر الهايكو. وقارب الناقد علي ايت اوشن تجربة محمد الصالحي كاشفا السمات الأساس التي تسم قصيدته بما هي اشتغال على اللغة أساسا، حتى إن هذه الأخيرة تظهر للقارئ واضحة أو إنها توهمه بالوضوح و عدم التباسها، قبل أن تتحول إلى لغة مؤشرة و متموجة ذات قدرة قوية على خلق الأشياء والتعامل معها بوعي و معرفة عميقين. وبذلك تكون تجربة الصالحي بعيدة عن إسكان اللغة قوالب جاهزة، فالشاعر يحدث دائما تحولا و تبدلا مستمرين يتجليان في تحطيم اللغة. واعتبر ايت اوشن أن البياض و الفراغات التي تهيمن على الصفحات إضافة إلى اللغة هما العلامة الأساس للديوان الذي تتوزعه نصوص مختلفة الحجم بين نصوص شذرية و أخرى تشغل صفحتين و نصوص أطول تشمل أربع صفحات و أكثر. ومن جهته، دعا الناقد عبد الله بن عتو في مداخلته شعراء قصيدة النثر إلى تقديم بيانهم الشعري لمحاربة الادعاء الذي مازالت تواجهه هذه التجربة الشعرية، خاص وان هناك مواقف رافضة و معارضة لها، وهي مواقف اعتبر أنها لم تصغ إلى النبض الشعري لشعراء هذه التجربة. وأكد بن عتو أن قصيدة النثر تشكل مرحلة متطورة من هضم وعجن القصيدة العمودية و الحرة، رغم أنها، في نظره، لم تقدم بعد أدوات نقدية لقراءتها.