حينما ورث الحسن الثاني لقب «أمير المؤمنين»، لم يكن يملك مصداقية هذا الدور التي كان يحظى به والده، و بدا أن مستقبل الملكية غير واضح. ولم يعر أي من الباحثين المهتمين بالملكية في الستينات الاهتمام إلى هذا المظهر، لأنه لم يكن لحظتها يشكل رهانا للحكم.ف»دجون واتربوري» يعطي لدراسته عنوانا «أمير المؤمنين» للتأكيد على سخرية الوضع. ويعترف «ريمي لوفو» باستغرابه حين علم أن الملك يحمل هذا اللقب في الفصل 19 من الدستور.أما «جيرتز» فيصف الحسن الثاني ب»البلاي بوي الشهير» (الشاب اللعوب) معتبرا أن له مظهر وتصرفات «عقيد فرنسي أكثر من سلطان علوي». ومع ذلك، فبعد عشرين سنة على توليه العرش بدا لباسه التقليدي ملائما تماما وبرز كسلطة دينية للإسلام السني على الصعيد الدولي. كيف يفسر هذا التطور؟كيف تمت الموازاة بين اللجوء للإسلام كسلاح سياسي و تمتين الحكم الملكي؟ طوال السنوات العشر الأولى لحكمه، ظل الحسن الثاني يثير الدين في مختلف سياقاته. فحين يتوجه إلى الشعب, كان يبدأ دائما خطبه بالصيغة التقليدية ويختمها بالدعاء. هذا الاستعمال للديني الممأسس في ذاكرة «دار المخزن» يهدف إلى تأكيد أن الحسن الثاني ليس مغتصبا للسلطة . فهو في مكانه, «ويقوم بواجبه طبقا لمبادئ الإسلام» وهو الوريث لأسلافه الذين استمدوا سلطتهم من السلطة الإلهية. وهو يحمل إسم الحسن ليربط «الحاضر الوطني بالماضي البعيد».لذلك فإن غياب مثل هذه الصيغ كان من شأنه أن يخلق قطيعة مع الماضي وخللا خطيرا بالنسبة لعاهل يسعى لتأبيد سلالة الرسول (الشريف). وفي 1962 عرض الدستور لتصويت المغاربة. «هكذا، فإن الدستور الذي صنعته بيدي، هذا الدستور الذي سيبث غدا في مختلف ربوع المملكة والذي سيعرض في أجل عشرين يوما على مصادقتك، هذا الدستور هو قبل كل شيء تجديد للميثاق المقدس الذي ربط دوما الشعب مع الملك، و الذي هو شرط نجاحاتنا... هذا المشروع، أردته مطابقا للمبادئ الدينية للإسلام، مستوحيا تقاليدنا وعاداتنا، متلائما مع مطالب عصرنا، ودافعا الشعب إلى المساهمة في تدبير شؤون الدولة» ( من خطاب 18 نوفمبر 1962). فحديث الحسن الثاني عن «أسلافه الميامين» هي صيغة ضرورية شبيهة بالتعويذة، لكنها ليست كافية لحكم البلاد.فبعد وفاة محمد الخامس، تربع الحسن الثاني على العرش «احتراما للالتزام الذي أخذته تجاه جلالة الملك المغفور له»، في إشارة إلى حفل التنصيب في يوليوز 1957. و لكي يكون الوريث المشرف لمحمد الخامس الملك الورع، فإن على الحسن الثاني أن يظهر بأنه يعمل طبقا للإسلام مثل والده تماما.و قد حذره هذا الأخير بألا يبتعد عنه أبدا.لقد سلمه السلطة بهذا الشرط, و لهذا فإن الحسن الثاني يقدم نفسه ك»إبن وفي و ثمرة لتربية محمد الخامس».فنص مبايعة الحسن الثاني لا يشير إلى العلماء و يقدم تعيين الملك الجديد كالتالي: «اجتمع وزراء حكومة الدولة المغربية و اتفقوا على مبايعة إبنه الشريف مولاي الحسن، الذي عينه والده المقدس،طيب الله ثراه، قيد حياته وليا للعهد، وهو قرار قبله جميع مسؤولي الحكومة المذكورين أعلاه قيد حياته كما بعد وفاته» ورغم ذكره الكثير للإسلام, فإن الحسن الثاني في الواقع كان يملك رأسمالا دينيا ضعيفا.فكان عليه إذن اللجوء إلى الهيبة الدينية لمحمد الخامس بعد وفاته، كي يتربع على العرش. و بعد أربعين يوما على وفاة والده,تحدث الحسن الثاني عن يوم رحيل والده كالتالي: «نساء حوامل وضعن حملهن قبل الأوان. مواطنون أغمي عليهم. وآخرون ماتوا حزنا وحسرة...كان الناس يطلقون صرخات ممزقة تعبر عن ألمهم العميق واللامحدود.لقد ضحى الشعب من أجلك حين كنت حيا وكان يود،بعد وفاتك، لو يموت كي تعود حيا...لقد كنت موزعا بين حزني و مثال عمر، الرجل القوي والمصمم وأبو بكر، المؤمن الصديق والصبور. فتذكرت إذن الشعب العزيز. واستسلمت للقدر الذي لا محيد عنه...» فالحسن الثاني هنا يقيم مقارنة مع وفاة النبي واضعا نفسه كوريث كفؤ على غرار الخلفاء الراشدين.فهو يستخدم الرأسمال الرمزي لمحمد الخامس كي يحصل على الفوز في التصويت على دستور 1962 الذي رفضه اليسار.و لأنه لم يكن يضمن شعبيته, فقد لعب على ذاكرة والده بهدف ربح الاستفتاء: «ليتحمل كل واحد منذ الآن، وحيدا أمام ضميره، مسؤولياته أمام الله الذي يرانا ويحكم علينا. ولتوجه ذكرى محمد الخامس أفكارنا و أعمالنا، كي نكون كل يوم مستحقين لقدرنا و للواجبات التي يفرضها هذا القدر» وعلى عكس والده، الذي كانت هيبته تغنيه عن استفتاء الشعب، فإن اقتراع 1962 كان امتحانا للحسن الثاني.كان يريد تقديم الدليل على أنه يجسد إرادة الشعب في مواجهة اليسار الذي يزعم تمثيل المغاربة ويطالب بانتخاب جمعية تأسيسية. وبعد الاستفتاء تحدث الحسن الثاني عن «الشعب الذي يحبني» والذي قال «نعم للملكية اليوم وغدا». وبصيغة أخرى فإن الرجوع إلى الله كان،سنة 1962، وسيلة لكسب مساندة الجماهير في بلاد كان 80 بالمئة من سكانها لا زالوا يعيشون بالعالم القروي. لكن الحسن الثاني كان يذكر الله مثل غنوصي و كان يعتذر تقريبا للجوء إليه لحظة التصويت: «أمزج الله بالشأن الدستوري لأني أعتبر أن أي إنسان، رساما كان أو عازف بيانو أو طباخا أو نجارا أو لنقل مفكرا دستوريا، هو بحاجة إلى عون الله، بحاجة إلى روح طاهرة كي يخط على الورق ما يخطه» لم تتم الإشارة،إلا قليلا، إلى الوضع الديني للعاهل، أثناء الندوة الصحفية التي أعقبت نتائج الاقتراع، لأن الجميع كان يعتقد بأنه مع وفاة محمد الخامس قد طويت صفحة وأنه الحسن الثاني يبدو حداثيا. لذلك فإن استعمال الملك الجديد للخطاب الديني كان غريبا ومستغربا.فإذا كان الفصل 19 من دستور 1962 ينص على أن «الملك أمير المؤمنين، الممثل الأسمى للأمة» فإن الحسن الثاني كان يفضل التقدم كحكم يتوفر على «سلطة التصفير على لاعب وطرده» «فالدستور يجعل منا حكما.أنا واثق من أن الكثيرين قالوا : آه، إن سلطات الملك واسعة، لكن، سادتي، ليعلموا ببساطة أن الملك لم يأخذ سوى ما يكفي كي يتدخل حين لا تسير الأمور كما يجب أو يساعد كي تسير الأمور نحو الأحسن»