إلى نادية بنياسين مؤسسة مجلة «نساء من المغرب» كنت في الحافلة إلى تنغير في جنوب المغرب حين جلس بجانبي شاب قصير القامة يلبس سروالا رماديا غير مكوي وقميصا مطوي الاكمام، فعرفت انه معلم ولا اعرف لماذا. كنت في طريقي الى عمل صحفي في جبال ما بعد انليف، وتحديدا قرية توفاسمام، وقد ظهر فيها طفل عراف وكان الناس ياتونه من كل مكان فتحدثت عنه مجلة عربية وطلبت مني تغطية للموضوع. تجاذبت اطراف الحديث بسرعة مع هذا الشاب، وكان يدعى حميد ومعلما بقلعة مكونة . حدثته عن سفري وحدثني هو ايضا عن سر زيارته لتنغير. قال انه يقصد فقيها ليعالج من الثقاف، وكنت اعرف ذلك الفقيه فهو يعمل بمحاذاة الجامع الواقع قرب محطة الطاكسيات حيث يوجد محل لزوج ابنة خالتي لبيع صنادل الميكا. حميد منذ سنوات وكل مشاريعه في الزواج تفشل تماما في اخر لحظة فهو بالرغم من ملوحته حين تدقق فيه طويلا وبالرغم من منصبه القار كمعلم لايستطيع الزواج. جرب كل شيء وأهدى خطيباته الغالي والنفيس قبل ان ينقلب الى العرافة، وقد اهتدى إلى هذا الفقيه ليشير عليه والفقيه قال له ان الثقاف الذي يعاني منه من أخبث أنواع هذا العمل الشيطاني فهناك امرأة جبارة في هذا العالم وضعت له سكينا من نوع «بوطلعة» مفتوحا تحت سجاد، وهو تخطى هذا السجاد دون ان يعلم بالامر، وبعد عبوره اخذت هاته المراة سكين بوطلعة واغلقته مغلقة بذلك باب السعادة الزوجية امام هذا الشاب... وفك هذا الثقاف يتطلب عملا جادا سيقوده الى المقابر لينام في قبر خال ليلة كاملة،كم سيحتاج بخورا ويد ميت ليخلط بها كسكسا تعده امه. كان حميد مستعدا لكل هاته الامور. لهذا طلبت منه هاتفه لانه تحت يدي عراف خارق هو جار ابي بتمارة، وهذا الرجل كان يشتغل استاذا وحارسا عاما لاعدادية قبل ان يتوقف عن التدريس ويحترف العرافة. نزل حميد بتنغير واخذت شاحنة الى توفاسمام وانجزت تغطيتي ونشرت العمل بمجلة «سيدتي». حين عدت الى تمارة ذهبت فورا عند جاري فقال لي: - اتصلي بصديقك واجعليه ياتي فورا فلي حل له. أخبرت حميد الذي حضر بعدها بيومين وذهب للقاء جاري العراف، الاستاذ سابقا. كان لجاري العراف بنت وسيمة اسمها اسماء، كان حلمها الرحيل الى الخارج لكن محاولاتها تبوء بالفشل دائما بسبب التاشيرة. رآها حميد واعجب بها، ولسبب لا اعرفه اعجبت به ايضا... فتقدم الشاب لخطبتها ونجح الزواج. اعددت كسكس العرس وهما الآن يعيشان سعيدين بقلعة مكونة وصار الثقاف ذكرى مضحكة. - تطريز: ضبط هذا النص من جهة العرافة على كتاب» خط الرمل» للشيخ الزياتي، ومن جهة الرؤيا الفنية على كلود سانيول اكبر مجمع حكايات فرنسي. } عشر سنوات بعد رحيله، أي مكانة لا يزال يحتلها بيير بورديو ضمن العلوم الإجتماعية في العالم؟ لا يزال واحدا من أكثر الباحثين الإجتماعيين تأثيرا. بل إن تأثيره قد امتد حتى إلى الأدب والفلسفة وعلم التاريخ ومجالات أخرى. إنه ينتمي لفريق من المنظرين يضم ليفي ستراوس وميرلو بونتي، وكذا إلى أسماء مجايلة له مثل فوكو وهابرماس. مما يعني أنه أصبح مرجعا كلاسيكيا، وهو الأمر الذي سيحزنه كثيرا أكيد. كان سيخشى أن يتحول إلى سلطة وإلى ذلك النوع من الأساتذة الباحثين الذين تلامذتهم ملزمون بتخليد ذكراهم. بينما هو يفضل أن يبقى طفلا مشاغبا. إن قيمة بورديو كامنة في أنه يتجاوز كل صراعات الباحثين في ما بينهم. بدليل أنه سعى دوما إلى تحويل ذلك التدافع بينهم إلى تدافع مخصب مؤسساتيا ومعرفيا. مثلما أنه كان يوحد بين الحاجة ونتائج تلك الحاجة، وبين السوسيو ثقافي والإقتصادي. أي بين النظري والتطبيقي. لذلك كان يوجه طلبته نحو تجاوز معارك الأجيال السابقة أكاديميا وحملهم على الإنخراط في معارك ثقافية لمناهضة التفاوتات التي تحكم عالم اليوم. } في فرنسا، لا تزال الصورة العمومية لبورديو متأثرة بالتزاماته في سنواته الأخيرة وأحيانا بعيدا عن مضمون كتبه. بورديو مثقف ملتزم على امتداد مشروعه العلمي. لكن ذلك ظهر أكثر منذ الحراك الإجتماعي لسنة 1995. لم يكن من أولئك الخريجين الذين الذين يسعون وراء الإعلام من أجل التعبير عن آرائهم السياسية. لقد كان وراء إطلاق أبحاث وكانت مواقفه مستندة على نتائج تلك الأبحاث. فبعد أبحاثه الأولى عن الجزائر فقد أنضج سوسيولوجيا نقدية اشتغلت على مواضيع عدة من التصوير إلى المتاحف مرورا بالمدرسة والجامعة. حريصا على تحديد أشكال التراتبيات والنظم الإجتماعية رغما عن منطق اقتصاد السوق أو تنامي المشاركة في الثقافة الوطنية للنخب. لقد حلل الطريقة التي من خلال بعض القيم يقوم الناس بتمثل التحكم ويعززونه ويبررونه في الآن نفسه. لقد عمل على مدى سنوات على تحليل النظم السوسيولوجية لهذا التحدي الممط. لقد كان يتدخل في الوقت المناسب في النقاش العمومي، بل إنه اشتغل بطلب من الحكومة الإشتراكية من أجل تطوير السياسة العمومية في التعليم. وحتى حين اشتهر، رفض أن يتحول إلى سارتر جديد، أي مثقف يتحدث في كل شئ. } كان شكل تدخله أقرب لميشيل فوكو؟ نعم، مثل «مثقف متميز» كما كان يقول فوكو، في إحالة إلى تمييز كان وضعه غرامشي، بمعنى أن يقدم للنضال الإجتماعي تمرات بحثه العلمي. إن ما تغير بعد 1995، أنه خصص وقتا أكبر لتعميم العلوم الإجتماعية ونتائج أبحاثه السابقة أكثر من الدخول في أبحاث جديدة. لقد نزل إلى المظاهرات مثلما ساهم في جمع المشاركة في حملات توقيع، بشكل أكبر من السابق. لقد كان موقنا أن القضايا السياسية المطروحة مندرجة في صلب معرفته العلمية والتي أصدر حولها كل أبحاثه. ورغم أن تلك الإحتجاجات الإجتماعية لن تكون أكثر من تفصيل صغير في أسفل صفحة التاريخ، فإن عمل بورديو العلمي سيظل مؤثرا عند أولئك الذين يودون فهم المجتمع وأيضا كل من يودون الإرتكاز على نتائج أعماله للقيام بحركات نضالية مجتمعية. } يظهر اليوم تأثيره على الدولة، إلى أي حد كان سوسيولوجي السياسة؟ الدولة تخترق مجموع عمل بورديو، حتى وإن كان ذلك لم يبرز واضحا إلا في دروسه حول الدولة. حين كان يحدد مجالات اجتماعية ذات علاقة بمجال السلطة فإنه كان يفكر في دور الدولة. فإنتاجية المجتمع كنظم مؤسساتية يعكس مدى تقدم الدولة. ثم إن بورديو اشتغل أساسا على مؤسسات الدولة: من المدرسة إلى المعاهد العليا مرورا بالجامعة. } على المستوى العالمي، تحيل كل النقاشات على ثلاثة باحثين فرنسيين هم فوكو، بورديو ودريدا. كيف تفسر ذلك؟ أن يكون بورديو وفوكو ودريدا معروفون عالميا ومؤثرون، فهذا يحيل على قدرة المركزية الثقافية لفرنسا على إفراز الكفاءات وأن تحدد نظما تسمح أيضا بالإقصاء. مثلما يحيلنا هذا إلى قوة المدرسة العليا وعدد آخر من المؤسسات التعليمية وكذا نوعية الأساتذة الذين درسوا عليهم. وهذا يتساوق وحاجة مجتمعية لمثقفين كبار لهم الحنكة لربط العلاقة بين الإحتراف والكفاءة والإنضباط. وكذا قدرة نظام التعليم الفرنسي على إنتاجهم وخلقهم. وهذا على عكس النظام الأنغلو ساكسوني الموجه أكثر صوب الأبحاث التربوية. والمفارقة هي أن شهرة هذا الثلاثي آتية من حسن تمثلهم من المثقفين الأنغلو ساكسونيين ومن عالمية اللغة الإنجليزية. وهذا يحيلنا أيضا، على عوامل أخرى: فثلاثتهم ينتمون إلى جيل إعادة البناء الثقافي بعد الحرب العالمية الثانية، ولقد بلغوا سن الرشد في لحظة قلق لما بعد الحرب واستفادوا من جمهور متعطش بعد 1968 للنقد. } في نهاية حياته، أصبح بورديو مهووسا بالدفاع عن استقلالية العلوم. كيف كان سيتصرف أمام نتائج الأنترنيت وأمام هذا الصعود الهائل لمستعمليه؟ سيكون قلقا أكثر حول فقدان العلوم لاستقلاليتها. سيرى الجامعة في أزمة، ليس فقط بسبب أزمة الميزانيات، بل بسبب سيادة منطق السوق على حساب الحكم الثقافي العلمي. وأعتقد أنه سيكون حليما بخصوص الأنترنيت. لأنه من جهة سيرى فيه أداة لتعميم المعرفة ونشرها. وأن يحقق من خلاله حلمه في جريدة عالمية بلغات متعددة «ليبر». مثلما سيرى فيه فرصة لشكل تعبير عن بؤس العالم. لكنه لن يكون منساقا بشكل أعمى وراء النظام الرأسمالي العالمي كشكل من أشكال الضبط. } أنت تستعمل كثيرا تويتر. هل تعتقد أن بورديو كان سيستعمل ذات الرابط؟ بصراحة، أشك أنه كان سيلتحق بسرعة بتويتر. لأنه كان يحب الجمل الطويلة. لكنني معجب بفكرته عن تحليل مركز في 140 كلمة أو أقل. «إن التقصد شكل من أشكال المحافظة كعقيدة»، وهذا ديدن كل تويتري.