إن تعيين الحكومة الجديدة من طرف جلالة الملك يوم الثلاثاء 3 من الشهر الجاري، المشكلة من واحد وثلاثين وزيرا لا توجد من بينهم سوى امرأة وحيدة مكلفة بوزارة التنمية الاجتماعية والتضامن، يضعنا منذ البدء أمام مفارقة صادمة، فبغض النظر عما يمكن أن نسجله من ملاحظات جوهرية حول مسار تشكل الحكومة الجديدة، وكذا مكوناتها السياسية، سنعطي الأولوية في هذا المقام والمقال لظاهرة محدودية تمثيلية المرأة في الجهاز التنفيذي للدولة في ظرفية تتميز بحساسية ذات أبعاد محلية وإقليمية ودولية. تتمثل هذه المفارقة، في جزء منها، بين ما يحقق للمرأة المغربية من مكاسب سياسية وقانونية وثقافية، بفضل نضالات الأحزاب التقدمية والديمقراطية والحركة النسائية والمنظمات الحقوقية، وبين التمثلية الهزيلة للمرأة في الحكومة التي لا تتجاوز نسبة المرأة فيها %3 ، مما يؤشر على الطابع التراجعي والنكوصي خاصة في مجال استوزار النساء الذي عرف تقدما ملحوظا مع الحكومات السابقة، وجاء مع الحكومة الحالية مخيبا لأفق انتظار فئة عريضة من فعاليات المجتمع، نساء ورجالا. ففي الوقت الذي عرف ورش قضايا النساء خطا إصلاحيا تصاعديا منذ انطلاق المبادرات الأولى مع الملك الراحل الحسن الثاني بتعديل مدونة الأحوال الشخصية (1993) واستوزار المرأة لأول مرة في حكومة ما قبل التناوب، مرورا بحكومة التناوب التوافقي التي ترأسها الاستاذ المجاهد عبد الرحمان اليوسفي التي انفردت لأول مرة في تاريخ الحكومات المتعاقبة، بإدراج قضايا النساء ضمن أولوياتها المنصوص عليها في التصريح الحكومي، واعتمدت من أجل أجرأة مواقفها، العديد من الأوراش الكبرى والتي بوأت المرأة المغربية حضورا متوهجا على المستوى المغاربي والعربي من خلال مراجعة مجموعة من المواد القانونية المجحفة في حق النساء، وإقرار مبدأ »الكوطا« ممثلا في اللائحة الوطنية للنساء منذ استحقاق 25 شتنبر 2002. وتوالت فعاليات ورش قضايا النساء مع الحكومات اللاحقة، وذلك من خلال تضمين القانون الانتخابي لسنة 2009 مبدأ اللائحة الاضافية التي مكنت المرأة من التواجد في الجماعات المحلية بنسبة 12,8%، حيث تحول مجموع المستشارات من 127 مستشارة إلى 3428 مستشارة، هذا فضلا عن تخصيص لائحة وطنية للنساء والشباب مع اقتراع 25 نونبر المنصرم، تضم تسعين مقعدا من مجلس النواب، ستون منها خصصت للنساء. وتجدر الاشارة إلى أن ما تحقق لنساء المغرب جاء نتيجة تظافر الجهود وتجاوب الإرادة السياسية مع تطلعات الأحزاب الديمقراطية والحركة النسائية والجمعيات الحقوقية، حيث صارت تمثيلية المرأة في المؤسسات والمجالس العلمية والهيئات الاستشارية مسألة بديهية. كما أن الدستور الجديد الذي ساهم في التعجيل بتعديله الحراك المغربي المندرج في سياق ما اصطلح عليه بالربيع العربي، ينص ويقر في التصدير الذي أصبح جزءا من مقتضيات الدستور، وفي العديد من مواده وفي صدارتها الفصل (19)، بحقوق المرأة المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ويلزم الحكومة بالسعي إلى تحقيق المناصفة وتكافؤ الفرص ومكافحة التمييز. لكن أحزاب الأغلبية التي تتحمل المسؤولية في ما حصل أبت إلا أن تبحر عكس ما يقتضيه أسمى قانون في البلد ، مدشنة السعي إلى إقرار المناصفة بممارسة نقضيها وتضعنا أمام سيل في الاسئلة الملتبسة والمقلقة حول مصير ما تحقق للنساء المغربيات من مكتسبات.