يعتبر القاص والروائي المصري الراحل إبراهيم أصلان، أحد أهم روائيي مصر والوطن العربي الذين ينتمون إلى جيل الستينات من القرن الماضي، وهو الجيل الذي كان له فضل كبير في تأصيل الرواية في المشهد الإبداعي العربي، وقد كانت بداية أصلان في نهاية الستينات مع إصداره مجموعته القصصية الأولى «بحيرة المساء»، وهي العمل الذي دخل به أصلان إلى عالم السرد محققا لنفسه مكانة مهمة، وقد اعتبر أصلان أن ميله للسرد منذ ذلك الوقت جاء نتيجة لعوامل عدة، وفي مقدمتها ميله إلى تسجيل اللحظات الجوهرية في الحياة، وهو ما أكد عليه في اللقاء المفتوح الذي جمعه مع جمهور معرض الشارقة للكتاب قبل ما يقرب من شهرين، حيث قال: «حاولت دائماً أن ألتقط الأشياء الأساسية في الحياة اليومية، واللحظات العابرة قبل أن تضيع في الزمن، وتلك الومضات التي يمكن البناء عليها سرديا، من أجل إعادة إنتاج الحكاية في رؤية جديدة». عاش إبراهيم أصلان محطات مختلفة من تاريخ مصر الحديث، فهو من مواليد، 1935 وقد شهد تحول مصر من الملكية إلى الجمهورية، وصعود الناصرية، وعصر الانفتاح في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، وكان له أن يرى في العام الأخير من حياته تحول مصر إلى عصر جديد بعد ثورة 25 يناير، والتي يعتبرها أصلان»حدثاً كبيراً كان سعيدا بأن يعيشه». التجربة الحياتية لإبراهيم أصلان هي تجربة غنية، وفيها الكثير من التحولات التي ألهمته في إبداع أعماله، فقد ولد أصلان في محافظة الغربية، ونشأ وعاش في القاهرة، وبدأ حياته المهنية في هيئة البريد، حيث عمل ساعياً للبريد في ذلك الزمن الذي كان فيه ساعي البريد رجلا ذا أهمية في حياة الناس، حين كان أمام الرسالة وقت طويل قبل أن تصل إلى صاحبها، وهي مهنة أمدته بالكثير من تفاصيل عمله القصصي «وردية ليل». لم يتمكن أصلان من الالتحاق بالتعليم النظامي، ولم يحقق تعليما متواصلاً، فقد تنقل منذ صغره في مدارس عدة، ومنها مدرسة لتعليم فنون السجاد، وأخيراً استقر به الحال في أحد المدارس الصناعية، غير أن هذه الحالة مكنته من اكتساب خبرات حياتية متنوعة منذ طفولته، وعرفته إلى أنماط مختلفة من الناس، سيكون لهم لاحقاً مكانتهم في أعماله. لكن مسيرة أصلان الإبداعية كرسته كأحد أهم الروائيين في الوطن العربي، من خلال روايته ?مالك الحزين? التي صنفت كواحدة من أهم مئة عمل روائي عربي في القرن العشرين، وقد حققت الرواية انتشاراً كبيراً، تجاوز دائرة النخبة إلى الجمهور العادي، وقد تحولت هذه الرواية إلى عمل سينمائي بعنوان «الكيت كات»على يد المخرج داوود عبدالسيد، واعتبر الفيلم علامة بارزة في السينما المصرية والعربية خلال تسعينيات القرن الماضي. أما نظرة أصلان للرواية فيمكن رصدها من خلال شخصية الشيخ حسني بطل الرواية، وهو شيخ ضرير يرصد حياة الناس، ويكتشف مشكلاتهم، ويتعرف إلى يومياتهم، ويقود دراجته في الشارع، وهو بذلك يؤكد أن عمل الرواية لا يتوقف على تسجيل المشاهدات بعيني الراوي، وإنما النفاذ إلى أعماق الحالات الإنسانية، كما أن استلهام أصلان لحياة الطبقات الفقيرة يشير بما لا يقبل المواربة إلى انحيازه لتلك الطبقات التي تشكل الأغلبية العظمى من الشعب المصري. أما نكسة حزيران عام 1967 فقد كانت عاملاً حاسماً في بلورة مفاهيم أصلان وجيله من الشعراء والكتّاب والشعراء، فقد كانت حدثاً مزلزلاً للفكر، والرؤية، وأحدثت النكسة غضبا عارما لدى الجيل الذي ينتمي إليه أصلان، وقد برز تأثير النكسة في تحديد مسار الكتابة بشكل رئيس، وفي اختيار المواضيع، وفي طريقة رصد الأحداث، وهو ما عبر عنه أصلان في أكثر من مناسبة، حيث اعتبر أن استخدامه اللهجة الدارجة على سبيل المثال لا الحصر في حوارات شخوص أعماله السردية هو نوع من التأكيد على عوالم تتجاهلها مختلف البنى القائمة في الدولة، تلك البنى التي شكلت بحسب أصلان ?استمرارا لمنطق الهزيمة?، وهو ما عبر عنه في أكثر من حوار، وفي أكثر من مناسبة، وقد اعتبر أصلان أن طريقة استخدام اللغة نفسها هي بحد ذاتها شكل من أشكال الرد على الهزيمة، فاللغة ليست عاملا مجانيا في الأدب، وهو ما أدركه أصلان، وهو ما جعل من أعماله تنتشر على نطاق واسع في مصر وخارجها. خلال أربعة عقود كتب أصلان الكثير من الأعمال القصصية والروائية، ومنها»يوسف والرداء»، و»عصافير النيل»، و»خلوة الغلبان»، و»حكايات من فضل الله عثمان»، و»شيء من هذا القبيل»، وعمل أصلان في مجال الصحافة الأدبية، فترأس في أوائل تسعينات القرن الماضي القسم الأدبي في جريدة الحياة اللندنية، إضافة إلى رئاسة تحرير إحدى السلاسل الأدبية التابعة للمجلس الأعلى للثقافة في مصر، وحاز أصلان على جوائز عدة، منها جائزة طه حسين من جامعة المنيا في مصر عام، 1989 عن روايته ?مالك الحزين?، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب لدورة عامي 2003 و، 2004 وجائزة كفافيس الدولية عام، 2005 وجائزة ساويرس في الرواية عام 2006 عن «حكايات من فضل الله عثمان».