حدد المرسوم الذي وافقت عليه الحكومة يوم 31 دجنبر 2011 مبلغ الاعتمادات المالية المفتوحة برسم السنة المالية 2012 ، وحصر هذا المرسوم الصادر عقب تعذر التصويت على مشروع القانون المالي، نفقات التسيير من الميزانية العامة في 171.297.180.000 درهم (حوالي 171.3 مليار درهم) ونفقات الاستثمار في 86.036.572.000 درهم ) حوالي 86 مليار درهم( ونفقات الدين العمومي من الميزانية العامة في 42.743.103.000 درهم )حوالي 42.75 مليار درهم( غير أن هذا المرسوم الذي سيصبح لاغيا بمجرد مصادقة البرلمان الحالي على القانون المالي لسنة 2012، يمهد للتساؤل عن طبيعة الخيارات التي ستتبناها تشكيلة حكومة بنكيران المتضمنة لوزير منتدب في الميزانية في شخص إدريس الأزمي إلى جانب وزير الاقتصاد والمالية نزار البركة. فسواء تعلق الأمر بتجربة الأول كمتمرن على إعداد الميزانيات أو بتجربة الثاني كوافد من وزارة الشؤون العامة للحكومة، فإن كيفية تدبير مختلف بؤر الخلل بالشكل الذي يمكن من الحفاظ على التوازنات الماكرواقتصادية، وفق ما ورد في الدستور، يحتاج إلى التوصل إلى صيغة مشتركة تحدد الإجراءات التي سيكون على الحكومة الجديدة أن تتقدم بها كمشاريع تعديلات على المشروع الأصلي للقانون المالي المودع بمكتب مجلس النواب يوم 21 أكتوبر 2011. الخبرة المكتسبة من طرف الوزيرين المكلفين بالدفاع عن الصيغة الجديدة لمشروع القانون المالي 2012 قد لا تكون كافية لطمأنة الناخبين، بتقديم طبق أولي من الإصلاحات المؤسسة لوجبة متكاملة من الإجراءات التي تحول الوعود الواردة في البرامج الانتخابية إلى منجزات ذات أثر على دخل المواطنين، وعلى مستوى عيشهم. فكون الحكومة أبانت خلال الأيام الأولى من تشكيلها عن عدم هضمها لمقتضيات الدستور، فإنها مطالبة بتصحيح الصورة التي بانت عنها منذ أول وهلة. فرغم تفهم الجميع للإكراهات المرتبطة بعامل الزمن وبالعوامل الخارجية، فإن تدبير الشأن العام في ظرفية تتطلب التوفر على حكومة قوية وعلى معارضة قوية، يقتضي بالضرورة تفادي تراكم المزيد من الإخفاقات والتناقضات مع الشعارات الأصلية. ولعل مجرد إعطاء إشارات عملية على التوجه فعلا نحو محاربة اقتصاد الريع والفساد الإداري، وما إلى ذلك من الإجراءات التي لا تكلف إلا التوفر على الإرادة السياسية، يساهم في الرفع من مردودية الإدارة إلى المستوى الذي يقلص نسبة الأجور من نفقات التسيير، كما أن سداد الدولة للديون المترتبة عليها تجاه المقاولات المغربية، سيشجع القطاع الخاص، في حالة مواكبة القطاع البنكي، على الاستثمار في الأنشطة المنتجة لفائض القيمة ولمناصب الشغل. لقد ساعدت الصيغة التي دبر بها المغرب مرحلة الانتقال الديمقراطي على تفادي الأحكام المسبقة التي تصدرها الدول الأجنبية عن الحكومة المسيرة من طرف أحزاب إسلامية، إذ بادرت حكومات الدول التي تربطها علاقات اقتصادية وطيدة مع المغرب إلى الإعلان عن دعمها لحكومة بنكيران واستعدادها للتعاون معها، كما أن المعارضة المغربية أعلنت عن عزمها على أن تكون في مستوى المهام المنوطة بها، وبذلك صار بإمكان الحكومة أن تتخذ من هذا المناخ الصحي محفزا على أن تكون بدورها في مستوى المهام المنوطة بها. فتفادي السقوط في المزيد من الأخطاء الدستورية والسياسية والأخلاقية، هو المعبر إلى التصويت على قانون مالي يمهد لإنصاف كل الشرائح الاجتماعية، ويشجع على استعادة المقاولات الوطنية لقدراتها على الإنتاج والمنافسة، والمساهمة الفعالة في الرفع من القيمة الإجمالية للناتج الداخلي الخام وفي التوزيع العادل للثروة.