-1- مايميز الحوار المجتمعي، بصفة خاصة، هو نوعية الأطراف التي تمارسه وهي مكونات المجتمع الفئوية والجهوية والثقافية والسياسية، والمؤسساتية. ويظهر على هذه الأطراف، أكثر مما هو في الحوار النظري, مظهر الخضوع لمصالح مادية أو فئوية أو سياسية. ولذلك يكون الإقناع صعبا في هذا المستوى من الحوار، لأنه يصعب انتقال المتحاور فيه إلى موقع الحق أو التوافق إذا كان في ذلك مايتعارض مع المصالح القائمة. يتميز الحوار المجتمعي أيضا بكونه يدور حول تنظيم المجتمع وعلاقة مكوناته بعضها بالبعض الآخر،كما أنه قد يتعلق بالمؤسسات التي يتشكل منها التنظيم المجتمعي، أو يتعلق بطرفين بينهما مجال مشترك مثل أرباب العمل والتنظيمات الممثلة للعمال او المستخدمين، أو بين الإدارة والموظفين،الخ.وقد اعتنت المجتمعات بتنظيم شروط الحوار المجتمعي، وتقنين ممارسته، وإقامة مؤسساته.ويعتبر هذا كله من مظاهر الممارسة الديمقراطية داخل المجتمع. لاتغيب،مع ذلك، في كثير من المجتمعات وجود عوامل تعوق الحوار المجتمعي. من مضادات الحوار المجتمعي الأساسية سيادة أشكال الحكم غير المدنية، أي تلك التي لاتترك الباب مفتوحا للتفكير في علاقتها بالمجتمع، وتجعلها وحيدة الاتجاه. من مضادات الحوار المجتمعي أيضا سيادة التعبير العنيف عن التصورات والآراء، واتخاذه وسيلة لفرضها بالقوة أو لمجرد الإعلان عنها بهذه الوسيلة واستخدام العنف لحجب الرأي الآخر، بل ولمنعه من التعبير عن ذاته. للحوار المجتمعي مؤسساته التي منها ماهو تشريعي، ومنها ماهوجهوي. كما أن هناك تنظيمات وهيئات تمثيلية للفئات المختلفة في المجتمع تنوب عن الأفراد والجماعات في التعبير عن تصوراتهم للمشكلات المطروحة وللحلول الممكنة لها.والحوار المنظم داخل هذه المؤسسات وحده يكون قادرا على أن يلعب دورا إيجابيا مطلوبا منه. ولذلك يمكن أن نميز بين المجتمعات تبعا لوجود مثل هذه المؤسسات والهيئات بها للحكم بتطورها في إطار ديمقراطي هو المجال الحقيقي لتطور الحوار المجتمعي. يمكن أن يلعب الإعلام بكل مستوياته، أي الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع، دورا إيجابيا في الحوار المجتمعي. ولكن، حيث إن شروط حياة المجتمع متفاعلة ومتبادلة للتأثير، فإن دور الإعلام ذاته يتوقف على شرط التنظيم الديمقراطي للمجتمع ، ليكون في خدمة المجتمع بكامله وليس في خدمة طرف معين من الأطراف المفترض مشاركتها في الحوار. الإعلام الذي تصبح غايته الأساسية هي فرض وجهة نظر معينة يصبح مضادا للغاية المطلوبة منه في كل حوار مجتمعي، إذ يلعب في هذه الحالة دور التمويه ويعوض متلقيه عن الحوار الجاد ذي الأطراف المتعددة بحوار الطرف الواحد مع نفسه. للحوار المجتمعي أيضا هيئاته لأنه لايكون بطبيعته بين أفراد، بل بين تنظيمات سياسية ومجتمعية تمثل فئات من المجتمع، أو تعبر عن وجهة نظر تيار داخل المجتمع في القضايا المطروحة. ومرة أخرى نؤكد أن التنظيم الديمقراطي للمجتمع هو الذي يسمح بوجود هيئات سياسية ومجتمعية مختلفة من حيث مستويات تمثيلها للمواطنين، ومن حيث توجهاتها السياسية والاقتصادية والمجتمعية في نفس الوقت، ولا يصح الحديث عن حوار مجتمعي في حالة وجود شروط مانعة لوجود تلك الهيئات، لأن الحوار المجتمعي في هذه الحالة سيكون مجرد تمويه يقدم ذاته في صيغة حوار، ولكن مع افتقاده للشروط الموضوعية التي تجعل من هذا الدور إطارا للمساهمة في فهم مشاكل المجتمع والاتجاه نحو حلها. هناك في هذا المستوى التي تحدثنا عنه، جدل بين العوامل الفاعلة في الواقع المجتمعي، وهو الجدل الذي ننبه إلى ضرورة أخذه بعين الاعتبار. ولهذا، فإننا لانأخذ بصيغة المطلق أن يكون الحوار المجتمعي بين الهيئات المجتمعية وبين الدولة، وذلك لاعتبارنا أن الدولة ذاتها في الحالة الديمقراطية منبثقة عن المجتمع، وعلى الفاعلين باسمها أن يكونوا هم أيضا على وعي بذلك. ليست الدولة في نشأتها وصيرورتها متعالية على المجتمع، وهي كذلك في سياق الحوار المجتمعي في حالتها الطبيعية. أما التعالي فهو خروج عن الانبثاق الأصلي، وظاهرة لايمكن أن يكون فيها الحوار طريقا لحل مشكلات المجتمع بصورة موضوعية. لكن تبقى الدولة بالنسبة للحوار المجتمعي، ومن حيث هي مجموع المؤسسات المكلفة بتدبير الشأن المجتمعي، هي الطرف الذي توجه إليه المطالب بالحقوق الضائعة أو بتسوية الوضعيات التي بها إشكالات واختلالات. وهذا هو المستوى الذي يجعل الخلط ممكنا بين دور الدولة وبين تعاليها على سياق المطالب في المجتمع. الهيئات المجتمعية والاقتصادية والسياسية المعبرة عن الفئات المجتمعية والاقتصادية والسياسية المختلفة تكون هي بدورها. وهذا مايكون على طرفي الحوار عدم إغفاله، من حيث إن المجتمع هو مرجعيتهما المشتركة. هذا هو الجانب الأول من الإطار الفكري والسياسي الذي يسمح بأن يكون هناك حوار مجتمعي بين الدولة عبر مؤسساتها المختصة في القطاعات المختلفة من الحياة المجتمعية، وبين الهيئات السياسية والنقابية المهنية والمدنية المجتمعية. لكن، حينما تقع مؤسسات الدولة، والفاعلون من خلالها، في فح تناسي أصلها المجتمعي، ويؤدي ذلك إلى نوع من تعاليها على مطالب المجتمع، يصبح الحوار صعبا، بل وإمكانية حصوله وبلوغ نتيجة من خلاله، أمرا مستبعدا. ومن العلامات التي يوحي بها تاريخ الشعوب أن موقف التعالي عن المجتمع، وهو موقف غير ديمقراطي ، لن يقود إلا إلى صراعات عنيفة لاتحل في العمق المشكلات القائمة. السلطة المتعالية بفعل تناسيها للأصل المجتمعي لموقعها ولدورها تحرم المجتمع من كل فرصة للحوار في طرح قضاياه، وتضيع عليه زمنا في بناء نظامه على أسس متينة وقويمة، وتفتح صيرورته على اختيارات تبعده عن السير في طريق الحل السلمي للمشكلات المطروحة فيه. للهيئات المجتمعية والسياسية والاقتصادية مهامها الإيجابية في المجتمع. فهي ، قبل كل شيء بمثابة الرقيب على مدى حفاظ الدولة في سياساتها على حقوق الناس بفئاتهم المختلفة وفي القطاعات المتباينة التي تكون بها فعالياتهم، وهي كذلك التنظيمات التي تكون حريصة على عدم ضياع حقوق الناس في المؤسسات الصناعية والاقتصادية، وهي كذلك من يعمل من أجل التعبيرعن المطالب المجتمعية وتقديمها إلى الأطراف المسؤولة عنها تبعا لنوعيتها. نضيف إلى هذا كله أن تلك الهيئات هي التي تحاور باسم من تمثلهم السلطات المعنية، ولكنها أيضا من يقود أشكال الاحتجاج المجتمعي( توقفات عن العمل أو اعتصامات، مثلا) في الحالات التي تبدو فيها شروط الحوار غير مؤدية إلى نتائج مرغوب فيها. لابد من الإشارة إلى أن هذه الهيئات التي تنوب عن المواطنين في القطاعات المختلفة للتعبير عن مطالبهم وتنظم، في حالات الضرورة الاحتجاجات، تفعل ذلك في الإطار المشروع الذي تسمح به القوانين المنظمة لذلك وفقا للتعاقدات السائدة في المجتمع. الاحتجاج فعل مشروع في حالات عسر الحوار، وهو من المواقف التي تساهم في دينامتة المجتمع ، كما تساعد على الوعي بأن نظام ذلك المجتمع يوجد في حالة لاتسمح له بمنح بعض الفئات المجتمعية الحقوق المستحقة لها. لكننا نقر في الوقت ذاته أن للحركات الاحتجاجية حدودا تتمثل في قدرتها على اتخاذ أشكال لاتلحق الضرر بمؤسسات المجتمع الاقتصادية، ولا تضر كذلك باستمرار الإنتاج في مختلف القطاعات. الهيئات الممثلة لفئات المجتمع في مختلف المستويات منبثقة، كما رأينا ذلك، عن المجتمع وملزمة بالعمل تبعا لذلك في اتجاه الحفاظ على مكتسباته. ولذلك نرى أن المطلوب منها، وهي مسؤولة عن تأطير الحركة الاحتجاجية المجتمعية ، أن تعمل على تنظيم تلك الحركة وفقا لما يجعلها تلعب دورها التنبيهي دون الضرر بمؤسساته ومكتسباته. ذلك أن هناك أسبابا نفسية، وأخرى تتعلق بمدى الوعي المجتمعي للفئات المجتمعية المختلفة، تدفع نحو أن تتخذ الحركات الاحتجاجية طابع العنف والفوضى الذي يتعامل مع مؤسسات الدولة والمجتمع وكأنها ملك للفئات المهيمنة وحدها، في حين أنه يجب التعامل معها بوصفها مكتسبات للمجتمع بأكمله. ماذا تكون نتيجة إغفال الأصل في الموقع والسلطة والوظيفة بالنسبة لطرفي الحوار؟ إنها ظهور الشروط الملائمة للعنف المستمر. عنف الدولة الموجه إلى المجتمع وفئاته وهيئاته الممثلة له، وهو مايمنع الحقوق من أن يكون لها مكان في التفكير، ثم عنف الفئات المجتمعية المحرومة من حقوقها، وهو مايكون له في كثير من الأحيان آثار سلبية على الإنتاج المجتمعي ومؤسساته ومكتسباته.حيث يلتقي طرفا الحوار عبر انبثاقهما معا عن المجتمع، فإن مصالح المجتمع ذاته هي التي ينبغي أن تكون مجال التوافقات في ذلك الحوار. -2- لايمكن لدراسة الحوار المجتمعي، بكيفية تفي بالغاية المطلوبة من هذه الدراسة، إذا اكتفينا بالبحث في الشروط التي تجعله ممكنا، بل لابد بعد ما قلناه عن شروط الحوار المجتمعي من التوجه نحو البحث في مضامينه ، أي القضايا التي يدور حولها. هناك باستمرار قضايا تطرح على المجتمع، سواء تعلق الأمر بالجديد منها، أو تعلق بقضايا يعود طرحها في إطار شروط جديدة. الحوار المجتمعي هو الطريقة المثلى والمطلوبة دائما لاستعادة المجتمع لتوازنه كلما اختل بفعل المشاكل المطروحة. المجتمع في هذا المعنى مثل الكائن الحي الذي تختل وظائفه ويعود إلى حالة التوازن من تلقاء نفسه أو بفعل تأثير خارجي فيه.وستزداد معرفتنا بالدور الإيجابي للحوار المجتمعي بعد تحديد أهم موضوعات ذلك الحوار. المسألة الأولى التي تواجه كل حوار مجتمعي، والتي تشكل في نفس الوقت أهم المسائل التي يمكن أن تطرح، هي البناء السياسي للمجتمع، علما بأن ذلك يكون على أساس تعاقد. سنكتفي في هذا المقام بالتلميح إلى طابعها العام، تاركين التفاصيل لدراسة موسعة أخرى. غاية الحوار في هذا الموضوع هي الوصول إلى توازن مجتمعي بين مكوناته، بحيث لايغيب أي مكون منها أو يتم تغييبه بوعي ضمن سياسة معينة. فغياب أي مكون من مكونات المجتمع لأسباب موضوعية أو ذاتية، أي باختياره الواعي يجعل الحوار المجتمعي المطلوب غير ممكن، ويبعد عن نظام المجتمع الفوائد المرجوة منه. ومن جهة أخرى، يكون الحوار المجتمعي حول هذه المسألة التي تبدو شاملة، وبمثابة المدخل السليم لموضوعات الحوار الأخرى، سبيلا للعمل من أجل منع تيارين متعارضين في نفس الوقت من حيث نظرتهما إلى تكوين المجتمع وصيرورته. يأتي التيار الأول من الدولة ومؤسساتها، وذلك في الحالات التي تكون فيها الدولة متعالية على المجتمع ومشاكله التي تريد حلها دون استشارة مكونات المجتمع. ويظهر التيار الثاني لدى الهيئات والتنظيمات التي تعبر عن مطالب فئات المجتمع في القطاعات المختلفة للحياة المجتمعية، وذلك في الحالات التي تبلغ فيها الاحتجاجات أشكالا من التعبير عنها لها أضرار على مؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية والمجتمعية. نعتبر الحوار في هذا المستوى الذي تحدثنا عنه مظهرا ليقظة مستمرة ومطلوبة للسؤال الديمقراطي حول أسس بنائه السياسي ومصادر المشروعية للأطراف الفاعلة فيه، ولشروط وظائفها وحدود تلك الوظائف. الدولة بمؤسساتها والهيئات المجتمعية والسياسية والاقتصادية، وهما الطرفان الموضوعيان في كل حوار، منبثقة جميعها عن المجتمع الذي يظل في جميع الأحوال مرجعهما الأساسي، والذي تظل المصالح المشتركة بين جميع فئاته، ومن واجب جميع الأطراف العمل على الحفاظ عليها، وهي كذلك المعيار الذي تقاس به مصداقية الأطراف المشاركة في الحوار المجتمعي. الدولة المشاركة في الحوار المجتمعي منبثقة من المجتمع، ويقظة السؤال الديمقراطي هي الحرص الدائم على هذه العلاقة بالمجتمع، وحتى لاتنحرف مؤسسات الدولة نحو نسيان أصلها والتعامل بنوع من التعالي مع قضايا مجتمعها والمشكلات المطروحة على تطوره المستمر نحو التوازن المطلوب دائما. حين تنحرف الدولة عن العمل وفق أصلها يقود ذلك إلى نوع من الاختلالات التي تجعل الحوار عسيرا، وتعوق الاستفادة من إيجابياته. كل مظهر من مظاهر تعالي الدولة على المجتمع يجعل مؤسسات الدولة التي تدخل الحوار وكأنها لاتحاور إلا ذاتها. من جهة الهيئات التي تمثل المجتمع في الحوار، فإن الأساس ينبغي أن يكون، في هذا المحور الذي نحن بصدده، هو التنبيه باستمرار إلى الأسس الواقعية والتعاقدية التي تستند إليها مشروعية الدولة ومؤسساتها، وصد كل انفصال عن تلك الأسس، وهو الانفصال الذي يقود نحو مادعوناه سابقا تعالي الدولة على المجتمع وقضاياه ومشاكله. لكن هذه الهيئات ذات الطابع المجتمعي والسياسي والنقابي ملزمة بدورها أن تعتبر أن الدولة ذاتها مكسب من مكاسب المجتمع، وأن الاتجاه نحو تفكيك مؤسساتها وشروط عملها فيه ضرر للمجتمع من جهة أخرى. المسألة الأساسية الثانية في الحوار المجتمعي، الذي يؤمل منه أن يلعب دورا في دعم تأسيس المجتمعي الديمقراطي وفي تطوير شروطه لتطوير هذا النظام السياسي، هي ضمان الحقوق المدنية لكل فئات المجتمع. ونقصد بالحقوق المدنية هنا تلك التي تعود إلى الإنسان بصفة عامة في أي مجتمع كان يعيش فيه: ضمان الحياة والصحة والعلاج، وضمان التعليم والتكوين لكل عضو من أعضاء المجتمع، وتوفير شروط الشغل الذي يساهم به الإنسان في الانتاج المجتمعي ويتلقى مقابله أجرا يوفر له حاجيات حياته الأساسية. وهناك حقوق أخرى يشملها الحوار المجتمعي في المجتمع الذي يطور بداخله نظاما سياسيا ديمقراطيا، وهي الحريات السياسية والاقتصادية، وحرية الاختيار الفكري، والحقوق الثقافية للجهات في البلد الواحد أو لكل بلد في علاقته ببقية البلدان والجهات في العالم. لايمكن تصور البلد ديمقراطيا على صعيد الوطن الواحد أو بمعايير العصر مع غياب أو تغييب هذه الحقوق التي ذكرناها جميعا. ويلعب الحوار المجتمعي إذا توفرت شروطه دور التنبيه المستمر في أي مجتمع لكل الانحرافات التي لاتلبى الحقوق الواجبة في حق كل إنسان. يحتل مجال الإنتاج مكانة متميزة ضمن القضايا التي تطرحها الأطراف المختلفة في كل حوار مجتمعي. وقد أكد ثلة من الفلاسفة وعلماء الاجتماع والاقتصاد أنه لاغنى عن مساهمة كل فئات المجتمع في إنتاج ما يحتاجه كل واحد منهم في حياته، إذ لايمكن للفرد أن ينتج كل ماهو في حاجة إليه، بل ولاحتى المجموعة البشرية المحدودة. ليس مقامنا ملائما لتفصيل القول في هذه الحقيقة الواردة لدى المفكرين ألمختلفي الانشغالات والاختصاصات في مجال الفكر، ونكتفي هما بالانطلاق مما اتفقوا على تأكيده. نرى، انطلاقا من هذه الرؤية العامة عن الإنتاج المجتمعي في كل قطاعات الإنتاج في المجتمع، أن مشاركة فئات المجتمع بكاملها في عملية الإنتاج تجعل الجميع على علاقة بذلك الإنتاج نفسه، ويكون من مظاهر العدالة المجتمعية أن يكون من حق كل الفئات طرح السؤال حول عائدات الإنتاج وحول مجموع الثروات التي تعود للبلاد كلها بكل فئاتها. العدالة المجتمعية تتطلب التوزيع العادل لتلك الثروات وإدماج عائداتها ضمن مشاريع التنمية التي تنفع كل المواطنين وتساعد على الرفع من مستواهم المعيشي. إذا قلنا بضرورة رفع مستوى الحياة عند المواطنين، دل ذلك على أن التنمية حق من حقوق المواطنين على كل سلطة ينيبونها عنهم في تدبير شأنهم العام، ودل كذلك على أن الحوار المجتمعي في هذا المستوى طبيعي بالنسبة لكل مجتمع تعقد مكوناته العزم على تنمية مستمرة للمجتمع في كل القطاعات الاقتصادية الإنتاجية، وفي جميع مظاهر الحياة. ونلمس بذلك الإطار العام لكل حوار مجتمعي يهم الحياة المجتمعية والاقتصادية للمواطنين. ماتحدثنا عنه هو الإطار العام الذي تثار فيه مشكلات تتعلق بمستوى الحياة الإنسانية في حدها الأدنى، وتثار فيه كذلك ضرورة معادلة أجور العاملين في الإنتاج مع هذا الحد الأدنى من الحياة. فليس من العدالة المجتمعية في شيء أن يظل ما يتلقاه جزء كبير من المواطنين لايفي حتى بتحقيق الحد الأدنى من الحياة. هذا مظهر نقص بالنسبة لكل مجتمع يسعى إلى الديمقراطية، لابمعناها المؤسساتي والصوري القانوني فحسب، بل كذلك بمعناها الواقعي الذي يهم شروط حياة الفئات المكونة للمجتمع. الحوار المجتمعي الفعال مستمر في هذا المستوى،ومنبه لاختلالات الحياة المجتمعية. كانت غايتنا هي ملامسة الحوار المجتمعي من حيث ضرورته ووظائفه وقضاياه، دون الادعاء بأننا لامسنا كل القضايا التي يمكن أن يتعلق بها ذلك الحوار، والتي نرى أن كل واحدة منها تستحق تخصيص دراسة لها لتناولها من جميع جوانبها.