توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    الإدارة السورية الجديدة تُعلن أحمد الشرع رئيساً للبلاد    مجلة الشرطة تسلط الضوء في عددها الجديد على الشرطة السينوتقنية (فيديو)    بسبب سوء الأحوال الجوية.. وزارة التجهيز تهيب بمستعملي الطرق توخي الحيطة والحذر    جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام 2025 تكرّم جهود بارزة في نشر المعرفة الإسلامية    رسمياً..أحمد الشرع رئيسًا لسوريا    وزارة التجهيز تحذر مستعملي الطرق من سوء الأحوال الجوية على خلفية نزول أمطار رعدية قوية    طنجة: تساقطات مطرية غزيرة وسيول جارفة تغرق عددا من الأحياء الشعبية (فيديو)    المغرب التطواني يتعاقد مع مدير رياضي تداركا لشبح السقوط    محكمة الاستئناف بطنجة: البت في 328.704 قضية خلال سنة 2024    وفاة الكاتب الصحفي والروائي المصري محمد جبريل    نادي "غلطة سراي" يودع زياش    الحموشي يجري سلسلة اجتماعات بمدريد لتوسيع مجالات التعاون الأمني مع إسبانيا وألمانيا    أخنوش يذكر بالولوج العادل للأدوية    بلجيكا تؤكد دعمها لمبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي لقضية الصحراء.. توجه أوروبي متزايد لدعم السيادة المغربية    أونسا يؤكد إخضاع مشروبات "كوكا كولا" لمراقبة صارمة    الشبكة الكهربائية.. استثمار يفوق 27 مليار درهم خلال السنوات الخمس المقبلة    قيادة حزب الاستقلال تدعم سعي نزار بركة إلى رئاسة الحكومة المقبلة    جهة طنجة-تطوان-الحسيمة تستفيد من استثمارات استراتيجية ضمن 17,3 مليار درهم صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمارات    معهد التاريخ يبرز عالمية المغرب    حصيلة أداء اليوم ببورصة البيضاء    رسميا.. الوداد يعزز صفوفه بضم مالسا    جائزة عبد الله كنون تكرّم الإبداع الفكري في دورتها الثانية عشرة حول "اللغة العربية وتحديات العولمة"    مركز الإصلاح يواجه الحصبة بالتلقيح    انهيار الطريق بين الحسيمة والجبهة..اتخاذ عدة إجراءات لضمان استمرار حركة السير    6 أفلام مغربية ضمن 47 مشروعا فازت بمنح مؤسسة الدوحة للأفلام    حزب "النهج" يستنكر التعسف في هدم المنازل بالأحياء المهمشة    إفران تطمح إلى الحصول على العلامة الدولية لمدينة نظيفة 100 في المائة    طقس المغرب: رياح قوية وأمطار رعدية وتساقطات ثلجية بهذه المناطق    الفنان المغربي علي أبو علي في ذمة الله    مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة يطلق منصة رقمية لتعزيز الشفافية في دعم الجمعيات والتعاونيات    ساعة نهاية العالم تقترب أكثر من منتصف الليل.. 89 ثانية تفصلنا عن الكارثة    الريان يعلن إنهاء التعاقد مع المغربي أشرف بن شرقي    تقرير: 66% من أسئلة النواب دون جواب حكومي والبرلمانيات أكثر نشاطا من زملائهن    ترامب يأمر بتقييد إجراءات عمليات التحول الجنسي للقاصرين    الطيب حمضي ل"رسالة 24″: تفشي الحصبة لن يؤدي إلى حجر صحي أو إغلاق المدارس    أمراض معدية تستنفر التعليم والصحة    المؤسسة الوطنية للمتاحف وصندوق الإيداع والتدبير يوقعان اتفاقيتين استراتيجيتين لتعزيز المشهد الثقافي بالدار البيضاء    ليفاندوفسكي:" أرغب في إثبات أن العمر مجرد رقم"    دلالات ‬الموقف ‬المغربي ‬المتزن ‬و ‬المتفرد ‬من ‬رؤية ‬الرئيس ‬ترامب    توقيف مروج للبوفا مبحوث عنه بموجب مذكرات بحث وطنية    توقيف شخص بتهمة التخطيط لقتل وزير في الولايات المتحدة    المَطْرْقة.. وباء بوحمرون / الحوز / المراحيض العمومية (فيديو)    نجم كرة القدم الإسباني المعجزة لامين يامال إشترى لجدته وأمه وأبيه ثلاثة منازل في عمره 16 سنة    إجلاء 176 شخصًا بعد اندلاع النيران في طائرة بكوريا الجنوبية    التعاونيات كقوة دافعة للتنمية: نحو نظم زراعية وغذائية أكثر استدامة في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا    "كاف" يقرر رفع عدد المنتخبات المشاركة في "كان" تحت 17 سنة المقرر في المغرب إلى 16 منتخبا    الرجاء الرياضي يفك ارتباطه رسميا بالمدافع ياسر بالدي خلال فترة الإنتقالات الشتوية الحالية.    المغرب يتصدر قائمة الوجهات السياحية الموصى بها لعام 2025 من قبل كبار منظمي الرحلات البرازيليين    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون متعلق بنظام الضمان الاجتماعي    الذهب يصل إلى هذا المستوى    علاج غريب وغير متوقع لمرض "ألزهايمر"    عائلة الشاب حسني والشاب عقيل تمنع حفلهما بالمغرب    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حقوق الإنسان بين الشخص والمجتمع والدولة
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 23 - 05 - 2011


1
هناك أطراف ثلاثة متفاعلة من حيث التأثير والتقبل في مسألة العمل بمقتضى حقوق الإنسان: الشخص الإنساني من حيث هو ذات مفردة، والدولة من حيث إنها تشرف عبر مؤسساتها على سير الشأن العام، ثم المجتمع من حيث هو البنية التي تشمل الأفراد وتنبثق عنها الدولة بكل مؤسساتها. تتجاذب الأطراف الثلاثة السالفة الذكر كل تفكير في مسألة حقوق الإنسان، وذلك ما يجعل تحليل هذه المسألة متوترا بين أخذ هذا الطرف أوذاك مأخذ الأولوية.
ننطلق في معالجتنا لهذا الموضوع من النظر إلى الأطراف الثلاثة السالفة الذكر، أي الفرد والمجتمع والدولة،بوصفها توجد في حالة تبادل التأثير والأدوار. فليس هناك طرف يكون دائما في حالة من يطلب حقوق الإنسان، وليس بين تلك الأطراف كلها من يوجد في وضع انايع الآخر بتلك الحقوق. هناك أخذ وعطاء لايتوقفان بالنسبة لحقوق الإنسان بين الفرد والدولة والمجتمع.
المقصود لدينا بالشخص الإنساني هو الذات المندمجة في إطار شبكة التعاقدات التي يتأسس عليها كل مجتمع. الشخص الإنساني، من حيث هو ذات فردية، هومجال عمق العمل بمقتضى حقوق الإنسان. فنع الثورات التي تمت في أوربا وأمريكا ظهرت الذات الفردية من حيث هي عضو فاعل في المجتمع ومتفاعل معه، ومن حيث هو كذلك الذات التي تطلب منها واجبات ويكون على المجتمع أن يحفظ لها حقوقا. لكن هذا لا يمنع من القول بأن الفرد ذاته من جهة أخرى فاعل في تطبيق تلك الحقوق ذاتها عند احترامه لها في الحالات التي تعود فيها إلى غيره أو إلى المجتمع أو إلى الدولة. ولذلك، فإننا مع انطلاقنا من اعتبار الشخص الإنساني الفرد النواة التي ينبغي أن يبلغها تطبيق بنود حقوق الإنسان، ننظر إليه من جهة أخرى بوصفه ذاتا فاعلة في ذلك التطبيق نفسه. فالعمل بمقتضى حقوق الإنسان لايتقدم في أي مجتمع بفضل مطالبة الذوات الفردية بما يجب لصالحها من حقوق فحسب، بل يتقدم كذلك بفضل عملها على احترام تلك الحقوق داخل المحيط المجتمعي الذي تعيش فيه. ويكون الأمر كذلك عندما يحترم الشخص الإنساني الفرد، وهو يطالب بحقوقه، حقوق أجهزة الدولة المكلفة بتدبير الشأن العام للمجتمع وتعمل على الحفاظ على النظام والقانون وتطبيق العدالة.هذا هو جدل حقوق الإنسان بالنسبة للذات الإنسانية الفردية. الفرد- المواطن،إذن، هو مرجع الحقوق التي يمارسها ويطالب بها، وليس مجرد ذات متقبلة لتلك الحقوق فحسب.
لابد لفهم حقيقة ميثاق حقوق الإنسان وتمثل بعض الإشكالات المطروحة بالنسبة إليه في عالم اليوم ،في نفس الوقت، من أن نأخذ بعين الاعتبار أن الشخص الإنساني بالمعنى الذي تدل عليه العبارة الواردة في نص الإعلان العالمي عن حقوق الإنسان هو نتاج لعدد من التطورات التي عرفتها الإنسانية.الشخص الإنساني الذي تنسب إليه الحقوق اليوم تركيب واقعي من مجموع المطالب التي قامت في المجتمعات المختلفة، ومن مجموع الحقوق التي تم اكتسابها مع تطور المجتمعات في العمل بمقتضى حقوق الإنسان.
نرى في ضوء ماسبق ذكره أن المجتمعات التي لم تتطور بداخلها الحريات العامة، ولم تتطور بداخلها المؤسسات التي يمكن أن تضمن العدالة لمواطنيها، تواجه اليوم صعوبات متعددة في إدماج العمل بمقتضى حقوق الإنسان ضمن سياساتها في كل المجالات. فالعلاقات التقليدية السائدة في كثير من المجتمعات بين السلطة والمجتمع، ثم الأشكال العتيقة السائدة لعلاقات الإنسان بمحيطه المجتمعي العام والخاص، وغياب أو ضعف تقاليد الحرية، كلها عوامل تساهم إلى جانب عوامل أخرى في قصور التوجه نحو اعتبار حقوق الشخص الإنساني ممن حيث هو ذات فردية. مجتمع حقوق الإنسان هو المجتمع الذي تأخذ فيه الذات الفردية قيمتها، وكذلك حرياتها في الاختيار الذي يرتبط به وجودها.
2
ما هو دور المجتمع، من جهة أخرى، في إرساء أسس الحياة التي تسود فيها حقوق الإنسان؟ وهل المجتمع هو مصدر حقوق الفرد والجهة التي يكون على طالب كل حق أن يتوجه نحوها، أم أن للمجتمع بدوره حقوقا على مجموع الأعضاء الذين يتشكل منهم؟
نرى أنه يمكن من هذه الناحية القول إن المجتمع ، كما أكد ذلك عالم الاجتماع الفرنسي دوركهايم مستقل عن الأفراد الذين تتكون منهم من حيث حقوقه عليهم. فهو ليست الجهة التي يكون من واجبها أن توفر شروط الحياة التي تجعل الأفراد متمتعين بالحقوق فحسب، بل إن له أيضا حقوقا على الأفراد. وهذه الحقوق هي التي تشكل واجباتهم التي تسمح لهم بالمطالبة بحقوقهم. فما يربط الفرد بالمجتمع يتضمن قوانين وتعاقدات تنتظم وفقها سلوكات الأفراد ، وتكون كذلك معيارا لاتفاق تلك السلوكات مع ماهو متوافق حوله في مجال المجتمع. ماهي،إذن، حقوق المجتمع؟وكيف تقوم؟
إنها ،من جهة أولى، الحقوق المشتركة للجميع، أي تلك التي لاتعود بالحصر إلى أفراد معينين، بل هي التي تتطلبها حياة الناس ضمن جماعة. غير أن هذه الحقوق تظهر، من جهة أخرى، في صيغة واجبات للأفراد إزاء المجتمع الذي يعيشون فيه. فكما أن للأفراد تبادلا للحقوق والواجبات، فإن هناك جدلا للحقوق والواجبات في علاقة الأفراد بالمجتمع. يهيئ المجتمع الشروط التي تجعل الأفراد يتمتعون بحقوقهم، ولكن يكون على الأفراد في نفس الوقت أن يحافظوا على مايعود إلى المجتمع وتتشكل منه واجباتهم.
يتمثل دور المجتمع، في مقابل ما ذكرناه له من حقوق، في ممارسة رقابة على كل أنواع خرق تلك الحقوق، سواء كان مصدرها هو الدولة بمختلف أجهزتها أو كان مصدرها هو الأشخاص كذوات فردية. ووسيلة المجتمع في ذلك هي تأسيس الهيئات التي بإمكانها أن تساعد على طرح الأسئلة الضرورية التي توجه العمل في مجال حقوق الإنسان وتقومه حين ينحرف عن مساره، بل وتكون لها المبادرة في اقتراح طرق العمل من أجل توسيع مجال الحقوق في المجتمع. فتلك الهيئات مصدر لليقظة المستمرة الواجبة للحرص على تطبيق البنود الخاصة بحقوق الإنسان، ولا تنوب المؤسسات التي تؤسسها الدولة عن هيئات المجتمع أو يمكن أن تجعل وجودها غير ضروري. فالدولة ذاتها منبثقة عن المجتمع ، والمؤسسات التابعة لها تراقب من جهة الدولة ذاتها مدى تطبيق أجهزتها لحقوق الإنسان، كما تكون من بين المؤسسات التي تقوم بالمبادرات من أجل النهوض بحقوق الإنسان في المجتمع الذي تكون منبثقة عنه والذي ينيبها عنه(بما تتضمنه من مؤسسات) في خلق الأجواء التي تشيع ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع. ولكن المجتمع يظل في جميع الأحوال هو المرجعية الأساسية وهو المصدر الرئيسي لتحديد المعايير ولمتابعة مدى انطباق القيم التي ترتبط بمواثيق حقوق الإنسان. الدولة بعد من أبعاد الحياة المجتمعية، وليست مجرد مجموعة من المؤسسات الفوقية أو الشكلية التي قد تكون ستارا تختفي وراءه الحكومات لتمارس سياساتها المناهضة، في لواقع، لمواثيق حقوق الإنسان.
نرى في إطار العلاقة المتبادلة بين الفرد والمجتمع أنه من الملائم لتوجه تفكيرنا تحديد حقوق المجتمع الذي اعتبرناه كيانا مستقلا عن الأفراد المنتمين إليه.
1) المظهر الأول لحقوق المجتمع المطلوبة من أعضائه هو احترام القوانين والتعاقدات السائدة فيه. واحترام القوانين يعطي المعنى الحقيقي للحرية في إطار المجتمع، وذلك لأنه يبرز أن الحرية المقصودة في مجتمع حقوق الإنسان ليست مطلقة، بل هي حرية تؤطرها القوانين التي تضمن للجميع حرياته في المجالات المختلفة للفعل الإنساني. لايعني احترام القوانين أي نوع من الخضوع للقهر إذا ماكان الأمر متعلقا بالإنسان ككائن مجتمعي.وذلك لأن التربية الملائمة للعمل بمقتضى حقوق الإنسان تعمل في نفس الوقت على توعية الفرد بحرياته ودفعه نحو الوعي بحريات الآخرين التي يكون من الواجب عليه الحفاظ عليها في إطار تعايش إيجابي يسمح بتطبيق الحقوق الواجبة بالنسبة للجميع. وقد أشار بعض الفلاسفة نذكر من بينهم الألماني كنط والفرنسي سارتر إلى أن على كل شخص أن يتصور أفعاله بمثابة قانون شامل لجميع الناس بحيث تكون قانونا عاما للسلوك الواجب، كما كان يرى كنط، أو بتصور كافة الناس يتمتعون بحق اتباعه في فعله، كما أكد ذلك سارتر.(2) وفي الواقع، فإن التربية المجتمعية الملائمة هي التي تجعل احترام القانون لدى الإنسان فعلا لايخضع فيه الفرد لقهر بقدر مايكون ذلك لديه نابعا عن اختيار حر. احترام القانون بهذا المعنى لا يتعارض مع الحريات أو ينفيها لأنه بذاته فعل صادر عن ممارسة الحرية.وهذا هو المعنى الذي يكون به احترام القانون فعلا يؤسس لحياة مجتمعية تنبني على تمتيع الجميع بحرياته وحقوقه الأخرى.(3)
2) المظهر الثاني للحقوق الجماعية هو الحفاظ على ماهو عام ومشترك.فمهما كانت طبيعة النظام المجتمعي والسياسي والإنتاجي، ومهما كان نظام الملكية في المجتمع، فإن هناك ما يعود إلى ملكية الأفراد وما يرجع إلى ملكية الجماعة التي يتعايش أولئك الأفراد ضمنها.ومن مظاهر الشخصية الاعتبارية للجماعة، ومن حقوقها أيضا، وجود العام والمشترك. يتمثل ماهو عام في المؤسسات الإدارية والإنتاجية، الحكومية أو غير الحكومية، التي تكون مكلفة بتدبير الشأن العام للمجتمع. فإن هذه المؤسسات هي التي تضمن سير الشأن العام بما يضمن مصلحة الجميع، وهي كذلك مظهر السلم المجتمعي الذي يسمح بتعايش الناس ضمن جماعة واحدة تنتظم بداخلها مصالحهم وتتقاطع سلوكاتهم وفقا لتعاقدات وقوانين. إن من حق المجتمع احترام أعضائه لكل المؤسسات المجتمعية الإدارية والاقتصادية والإنتاجية. فبدون هذا الاحترام ستنتفي عن أي تجمع صفة المجتمع، وسيكون ذلك التجمع بمثابة ماهو سابق على تأسيس المجتمع كما نستفيد ذلك من نظرية التعاقد المجتمعي.وليس مما يدل على الحرية الإيجابية التي ينبغي على المجتمع التكفل بضمان توفير شروطها المساس بتلك المؤسسات العامة. ويمكن أن نذكر كذلك بالإضافة إلى المؤسسات التدبيرية العامة بعض المظاهر الأخرى لماهوعام ومشترك، مثل العمران العمومي المرتبط باستخدام بعض الإدارات له، ومثل الحدائق العمومية ذات الفائدة على جمالية البيئة المحيطة وضمانها لصحة الإنسان التي هي حق من حقوقه. فالمساس بما هوعام في هذه الحالة حرمان للناس من حقهم فيه من الجهة التي تكون مصالحهم وأحوالهم مرتبطة بوجوده وسلامته.وتدمير المشترك عمل مناقض لما يضمن حقوق الإنسان. والحرية التي يتوهم الكثيرون أنهم سلكوا بها لإتلاف ما هو مشترك تكون منافية للعمل بمقتضى ضمان حقوق الإنسان على مستوى الجماعة التي يتعايش بداخلها أفراد. ومن أمثلة المشترك في حياة الجماعة كذلك المال العام المكون من مساهمة أعضاء المجتمع بفضل تسديدهم لواجباتهم العامة والمخصص لتدبير الشأن العام. فالمساس بهذا المال العام بالصورة التي تقود إلى ضياعه أو توجيهه لخدمة مصالح شخصية أو فئوية أمر يتنافى مع العمل من أجل ضمان حقوق الإنسان، إذا كان المقصود بذلك أن تكون تلك الحقوق واجبة بالنسبة لكل أعضاء المجتمع. لكننا نلاحظ في كثير من المجتمعات عدم الحفاظ على ماهو عام ومشترك، وهو الأمر الذي يبين أن الطريق طويل من أجل الإنجاز الفعلي لتلك الحقوق في المجنمعات التي تظهر فيها سلوكات تخل بأسس التعاقد فيها وتمس بماهو مشترك يمثل أساس التعايش داخل نفس الجماعة البشرية.
3) المظهر الثالث للحقوق الجماعية هو مساهمة الأفراد في الحياة الجماعية بمختلف مستوياتها الإنتاجية والاقتصادية والمجتمعية والسياسية. ففي مقابل الحريات التي يكون على المجتمع ضمانها لأعضائه يكون من حق المجتمع عليهم مساهمتهم في صيرورة الحياة فيه. وكل امتناع عن ذلك، سواء كان موضوع وعي أو لم يكن، هو تناف مع العمل بمقتضى حقوق الإنسان التي ينبغي أن تكون واحدة بالنسبة للجميع، والتي يكون مظهر ضمانها هو وجودها في جوانب الحياة في المجتمع. من المطلوب من الأفراد في مقابل ما ينالونه من حقوق أن يعملوا على المساهمة الإنتاجية لتوفيركل الحاجيات للجميع، ومن المطلوب منهم كذلك القيام بالأفعال التي تضمن تكافل المجتمع بتوزيع العمل والوظائف المختلفة، كما ينسجم مع هذا أيضاالعمل على بناء حياة إقتصادية تتحقق فيها مصالح الجميع وحياة سياسية تضمن قيام العدالة والتمثيلية بالنسبة لكل أعضاء المجتمع. ونضيف إلى هذا كله ضرورة المساهمة في تطوير المجتمع بالعمل على كل ما يضمن استمرار حياته التربوية والثقافية والعلمية.هذا العمل هو الذي يتوافق مع حقوق الإنسان.
بوقوفنا على هذه الجوانب المختلفة لحقوق الإنسان على صعيدالمجتمع ، نكون قد أبرزنا جوانب رهان كل مجتمع يسعى إلى توفير شروط الحياة الملائمة لتمتيع الإنسان بكل حقوقه: رهان التكامل بين الحرية والقانون، إذ مجتمع حقوق الإنسان هو في نفس الوقت ودون تعارض مجتمع الحريات والعمل بمقتضى قوانين وتعاقدات، ثم رهان الفرد والمجتمع، إذ مجتمع حقوق الإنسان هو المجتمع الذي يضمن حريات الأفراد دن أن يكون في ذلك مساس بما يجعل التعايش بينهم ممكنا في إطار جماعي واحد.
3
ننتقل إلى توجيه التساؤل عن دور الدولة بأجهزتها ومؤسساتها. ونرى أن هذا الدور يكمن في العمل على توفير الشروط الملائمة لكي يتمتع كل أعضاء المجتمع، بدون تمييز في العرق أو الجنس أو الدين أو الإيديولوجيات أو الانتماء الفئوي، بكل ما يعود إليهم من حقوق، وذلك عبر الأجهزة الأمنية الحامية لحقوق الإنسان والهيئات العدلية التي تتعلق بتطبيق العدالة للحفاظ على تلك الحقوق.
حيث إن أجهزة الدولة تكون منتدبة لتدبير الشأن العام، فإنه من اللازم هنا وضع سياسات عامة من أجل توفير شروط الحد الأدنى للعيش بالنسبة لكل المواطنين وحمايتهم مما يقضي على حياتهم أو يعرضهم للمجاعة أو للأمراض المضرة بتلك الحياة. لكن كثيرا من البلدان في عالم اليوم غير قادرة نظرا لنقص في الوسائل للقيام بتلك الأدوار، وهو ما يدعو إلى ضرورة التعاون الدولي عبر المنظمات المختصة في ذلك.
من أدوار الدولة أيضا حماية حريات الأشخاص، ووضع سياسة للحفاظ عليها واحترامها من طرف الجميع. الإنسان في حاجة إلى ضمان حرياته في الاعتقاد والتفكير والفعل،وقد نشأت الدولة في المجتمع لتقوم بهذه الأدوار وتكتسب عبر ذلك مشروعيتها داخله.
تلعب الدولة في حالات أخرى أدوارا معاكسة لما أشرنا إليه، وذلك حين تصبح أجهزتها الأمنية والقضائية ومؤسساتها الإدارية والاقتصادية والمالية مصدر خرق لحقوق الإنسان. ويصعب في مثل هذه الحالات الحديث عن تطبيق حقوق الإنسان، حتى وإن كانت تلك الحقوق موجودة في النصوص الدستورية أو في قوانين أخرى أدنى من هذه النصوص. وتمثل هذه الحالات التي نجد لها نماذج في مختلف أنحاء العالم واقعا يعوق تطبيق المواثيق الدولية حول حقوق الإنسان.
حين تصبح أجهزة الدولة أداة لحرمان أعضاء المجتمع من حق أساسي هو الحق في اختيار الحكام ومحاسبتهم عبر المؤسسات المختصة في هذا المستوى، يصعب بعد ذلك منح المجتمع حقوقا أخرى قد تصبح هي المدخل لطرح شرعية السلطة موضع سؤال. ووجود أنظمة استبدادية في العالم المعاصر علامة على أن الطريق نحو تعميم العمل بمقتضى حقوق الإنسان ما يزال طويلا.
قد تكون أدوار الشخص الإنساني الفرد والمجتمع والدولة متضاربة حين يفترق فيها الإنجاز عن المطالبة، وأما توافقها فيكون حين يصبح المطلب والإنجاز من شأن المجتمع بكامله، بأعضائه، وهيئاته المجتمعية والسياسية، وبأجهزة الدولة التي يهمها تطبيق حقوق الإنسان. يتعلق الأمر بأدوار متكاملة لأطراف ثلاثة: الفرد، والمجتمع، الدولة. والدرس الأساسي الذي ستفيده من التحليل الذي قمنا به لأدوار تلك الأطراف الثلاثة هو أنه لاوجود لطرف يكون في موقع المطالب وحده في مقابل طرف آخر يمنح الحقوق ويحافظ عليها. فالكل مسئول عن العمل يقتضى حقوق الإنسان يطلب منها الجانب الذي يستحق أن يكون له، ولكنه يمارس إزاء الأطراف الأخرى الحفاظ على حقوقها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.