أزعج الإعلان عن منح جائزة نوبل للآداب لعام 2011 لتوماس ترانسترومر، الشاعر السويدي الذي ولد في ستوكهولم عام 1931، بعضا من الصحافة كما يحدث في أغلب الأحيان مع هذه الجائزة. إلا أن ذلك لم يكن ليدهش الملاحظ المطَّلع، فترانسترومر هو على الأرجح الشاعر الأول الآن في العالم من حيث عددُ ترجمات أعماله . فكم مؤلفا، على اختلاف أجناس الأدب، يمكنه أن يتباهى بأنه قد ترجمت أعماله إلى أكثر من خمسين لغةً؟ إنه حال هذا الرجل المتكتم، والذي تتمتع أعماله القصيرة ( نحو خمسين ديواناً شعرياً قصيراً، وأقل من ثلاثمائة قصيدة في المجموع) بشعبية واسعة في السويد. لقد حال تواضع السويديين وحده، الشعب الأقل شوفينية في العالم، دون تتويج أكاديمية نوبل إياه في أوقت أبكر( ففي قرن واحد تم تكريم ستة كتاب سويديين فقط). وإذا كان الحكام قد توصلوا أخيراً إلى هذا القرار ، فإن سبب ذلك، ربما، اللوم الذي وجهه لهم مواطنوهم لأنهم لم يكرّْموا، عندما كان الوقت لا يزال يسمح بذلكً، أكبر شعراء اللغة السويدية المعاصرين، وهو الفنلندي بو كاربلان(Bo Carpelan) ، الذي ولد عام1926 وتوفي في فبراير (شباط) الماضي دون أن يحصل قط على الجائزة. فهذا الأخير ، وإن كانت أعماله أقل ترجمة في العالم، هو ذو أنتاج أكثر غزارة وأكثر تجديدا شكلياً ، ويشمل روايات كذلك، وهو كان يستحق جائزة نوبل مثل ترانسترومر. ولكن لا يهم ! ينبغي الاغتباط لأن جوائز نوبل، التي نسيت إدراج العديد من الشعراء الكبار في قوائم الفائزين، ولم تعر الشعر منذ خمس عشرة سنة أقل اهتمام، قد قامت باختيار لا يقبل الجدال أدبياً. ترانسترومر، الذي ترجمت أعماله في وقد جد مبكر إلى الإنجليزية، تُرجم في وقت متأخر إلى الفرنسية. واكتشفناه عام 1989في باريس أثناء قراءة جديرة بالذكرى، جرت في المركز السويدي الكائن بشارع بايين حيث رافقه مترجمه جاك أوتان الذي كان قد نشر للتوّْ في لو كاستور أسترال مختارات أولى من شعره. لقد أحسسنا بالأسى الكثير عندما أنبئنا، بعد أقل من عام على هذا، أن ذلك الرجل ذا الصوت اللطيف الذي كان يقرأ قصائده بكثير من الحماسة ويتحدث عن مساره الشعري والشخصي، ببساطة عميقة، قد أصيب بنوبة دماغية شديدة تركته يعاني من الحُبسة aphasie (1). وفي عام1996، نشر جاك أوتان، دائما ً في لو كاستور أسترال، الأعمال الكاملة التي أعيد نشرها في مجموعة «شعر/غاليمار» تحت عنوان «بلطيقيات» Baltiques (المقتبس من إحدى قصائده الطويلة الأكثر تميُّزاً). وخلال تلك الفترة، عاد ترانسترومر، الذي ظل يعاني من الفالج الشّْقي Hemiplegie (2) ولكن مع تعافيه النسبي من الحُبسة ، إلى الكتابة ، حيث كان يملي على زوجته، مونيكا، قصائد قصيرة انتزعها، كلمة بعد أخرى من الصمت: «غوندول الشقاء»(1996)،» قصائد قصيرة»(2002) وأخيراً، «اللغز الكبير» (2004)، وسلسلة من قصائد الهايكو( كل هذه الدواوين يتضمنها حاليا مجلد « شعر/ غاليمار»). وكان الشاعر ، قبل وقت قصير من الحادث الدماغي ، قد بدأ كتابة سيرة حياته من أجل ابنتيه، لم يقدر على متابعة كتابتها، ووافق أخيرا على نشرها عام 1993: ترجمت هذه الفصول التي حال المرض دون إتمامها إلى الفرنسية من طرف جاك أوتان في لو كاستور أسترال عام 2004 تحت عنوان» الذكريات تراقبني»( وهو عنوان مقتطف من إحدى قصائده)، وهي بلا شك أفضل توطئة لأعماله، فقد تسنى الوقت للشاعر ليحكي عن النشأة، البطيئة والمتدرجة، لنزوعه وملكته الشعريين. حتى إذا كان من غير اللائق تقريباً، البحث في أبياته عن سبق إخبار حدسي بالطريقة التي رزأه الدهر بها ( غير أننا نجده حرفياً فيها، ص.201 )، يجدر بالأحرى ملاحظة أن ترانسترومر هو شاعر ارتكزت أعماله دائما على وعي حاد جداً بحدود اللغة وخطر التردي اليومي الذي يتهدد الكلمات. وإذا كانت الموسيقى والإهداء إلى الموسيقيين الذين يحبهم حاضرين بقوة لديه (منذ الحادث الذي تعرض له، وهو يواصل العزف على البيانو مؤدياً أعمالاً كُتبت لليد اليسرى، من بينها أعمال كتبها أصدقاء مؤلفون خصيصاً من أجله)، فإن ذلك يعود إلى كون شعره كله يبحث لدى هؤلاء، عن أمثلة للشجاعة الفنية:» أنا أرفع علم هايدن- وهو ما يعني : / إننا لن نستسلم. لكننا نريد السلام.» فالموسيقيُّ، كما الشاعر، عليه أن يقاوم اللوازم الموسيقية، والصيغ الجاهزة. ويقول ترانسترومر عن نفسه في قصيدة عنوانها»مارس 1979» إنه» تعِبٌ من كل أولئك الذين يأتون بكلمات، بكلمات لكن ليس بلغةٍ» . وتلك اللغة المفقودة يقرؤها فجأةً في آثار خطى أيْلٍ على الثلج. كما لدى نوفاليس، فالمرئي لديه مليءٌ بالحروف الهيروغليفية التي ينبغي فك رموزها، وهو الذي كان في صباه يجمع بشغف الفراشات، والحشرات، والصخور، والنباتات، ودون أن يفكر في الشعر، كان يحلم أن يصبح عالم حشرات. إن الطريق الملكي لمقاومة تردي الكلمات هو الاستعارة، التي أصبح ترانسترومر سيدَها دون منازع. وهي، بالنسبة إليه، أسْرٌ كوني للتحول، وتفيد أولا في التعبير عن مرونة وتلاشي وعدم استقرار الأنا ، التي يُنظر إليها كالصالب Quille(3) المغمور بالماء لسفينة، وكطوافة، أو مرساة مطمورة في الوحل. وكثير من استعارات ترانسترومر لها الصفة الخاصة بالحلم، فعند هذا المسافر الكبير (يتجول شعره حول العالم، من تركيا إلى البرتغال، ومن نيويورك إلى شنغهاي)يتداخل زمن السفر وزمن الحلم، وأحيانا يمتزجان، كما تتداخل في بعض قصائده العصور، لأن الزمن بالنسبة إليه «متاهة»: « رحل جوته في 1926 إلى أفريقيا في زيِّ جيد[André Gide] وهناك رأى كل شئ.» وفي موضع آخر، تبرز في غير نظام في الذاكرة أسماءُ شعراء »مكتوبة بطباشير الحياة على السبورة السوداء للموت «، وذلك لا يخلو من سخرية مما ستذكره الأجيال المقبلة من كل شاعر. في حين يصف نص آخر الشاعر المطرود من القصيدة التي كان بصدد كتابتها: فالقصيدة إذ لم تعد مخلوقته ، ستوجد منذ الآن بدونه. حتى ذكرياته الخاصة هي حرباوات تذوب في المنظر ، وهي لا تكاد تُرى و» تراقبه» (عنوان هذه القصيدة هو أيضاً عنوان سيرته الذاتية). فكل شئ هو سلبٌ في هذا الشعر الذي يزاوج بطريقة مدهشة بين شبقية نادرة، وحتى مفرطة الحيوية وحس زهد لا يستغرب معه أنه دفع الشاعر بعد كتابته قصائد مطوَّلة و»سيمفونية» إلى ممارسة الهايكو: كان سيتجه إلى هذا النوع من القصائد بلا شك، حتى بدون الإكراه الجسدي الذي أجبره على أن يقتصد في كلماته. لن نقدر على استنفاد غنى هذه الأعمال الشعرية النادرة في أسطر قليلة جدا، وسنضيف ، حتى ننهي هذا المقال، أن الخاصية الأكثر تفردا لترانسترومر تتجلى في أنه أعطى طابعا فرديا إلى أقصى حد لكلٍّ من قصائده. فنحن نحس حقاً بأنه لم يتحكم قطُّ في زمام أي « فن شعري». وكل واحدة من قصائده هي شخص له طبعه، وشكله، وهُويته. وكلٌّ منها ولدت من لقاء : من توقف في فندق على الطريق في أوكلاهوما، كما من رؤية حية زجاج (4) Orvet ذات صباح على العشب . فالشاعر الذي هو سيد الاستعارة هو أيضا سيد المناسبة العابرة. وقد ظل ذلك الطفل الذي، حتى يُطوِّع لغز الموت الكبير، يقبض بعناد على فراشات الزمن في الغرز الهشة لشبكته. ************ مراجع صاحب المقال: بلطيقيات: الأعمال الكاملة 1954 2004 ، توماس ترانسترومر، ترجمه عن السويدية وقدم له : جاك أوتان، دار النشر: شعر/غاليمار، ص.378. الذكريات تراقبني، توماس ترانسترومر، ترجمه عن السويدية وكتب خاتمته : جاك أوتان، دار النشر: لو كاستور أسترال، ص. 102. مقتطف من شعره (من ترجمة جاك أوتان إلى الفرنسية) السويد مركب جُرَّ إلى الأرض، منزوع الشراع والدفة. ترتسم صواريه بخشونة على سماء آفلة. والأفول يدوم أطول من النهار- الطريق الذي يؤدي إليه ممتليءٌ حصىً: لا يصل الضوءُ إلا حوالي منتصف النهار وينتصب كوليسيوم الشتاء حينذاك في ضوء السحاب الخلاب. بغتة ً، يصعد دخان من القرى، مدوِّخاً أبيضَ. السحبُ عاليةٌ إلى أبعد حدٍّ. قرب جذور الشجرة السماوية، يحرثُ البحرُ شارداً، كما لو أنه يصغي إلى ما لا يوصفُ. من «سبع عشرة قصيدة» (1954) - - - المصدر : « لوماغازين ليتيرير» دجنبر 2011. هوامش: فقد القدرة على التعبير بالكلام أو بالكتابة، أو عدم القدرة على فهم معنى الكلمات المنطوقة. (1) شلل يصيب جانباً واحدا من الجسد وينشأ عن إصابة في الدماغ أو النخاع الشوكي. (2) عارضة رئيسية تمتد على طول قعر القارب. (3) جنس زحافات من العظاء تشبه الحية. (4) وبعدها زيارة الاروقة والورشات .وعلى امتداد 6 أيام سيعرف المهرجان عدة أنشطة ثقافية من تأطير للورشات المفتوحة مثل ورشة الحكاية والكتابة والرسم حيث سيتم تنشيطها من طرف الاساتذة محمد طوير، جواد النخيلي ثم عدنان مويسي. في الوقت الذي سيتم توقيع كتاب «الشظايا» للاستاذ محمد الاشعري بتعاون مع بيت الشعر المغربي بمشاركة خالد بلقاسم وأحمد جريد، وسيقدم حميد اجماهري شهادته رفقة أحمد المسيح، وسيقوم بتسيير هذه الجلسة نجيب خداري . كما سيتم توقيع كتاب حسن أوريد «فيروز المحيط» بمشاركة حسن مخافي وعبد الدين حمروش وعبد الكريم الجويطي في قراءة نقدية. وسيتم اختتام أشغال اليوم الثاني بندوة حول «راهنية المسرح المغربي» بمشاركة يونس الوليدي وعبد الكريم برشيد ورشيد بناني. أما أشغال اليوم الثالث فستنطلق بندوة حول موضوع «أزمة القراءة بالمغرب بين التشخيص و اقتراح الحلول » من تأطير مصطفى العمراني، سمير بوزويتة، حسن السعدي وحسن الوزاني ثم بنعيسى الزياتي. ومساء سيتم تنظيم أمسيات فاس الشعرية سيشارك الشعراء محمد بودويك، رشيد المومني، عبد السلام المساوي ، مراد القادري. أما يوم الثلاثاء سيعرف المعرض الجهوي للكتاب ندوة حول «الادب الامازيغي رؤية مستقبلية » بتعاون مع كلية سايس و المعهد الملكي للثقافة الامازيغية وسيعمل على تقديم مواضيعها وشروحها كل من أحمد منادي، العزوزي عبد المنعم، مولاي هاشم الجرموني، فؤاد ساعة ثم محمد الوالي . يوم الاربعاء هناك ندوة «القراءة و الرهان الثقافي بالمغرب» بتعاون مع اتحاد كتاب المغرب وسيكون الحضور على موعد مع أحمد شراك، ادريس كثير، حسن الوزاني، جمال بوطيب، حاضي الحمياني.. ليتم بعد ذلك توقيع إصدارات لكتاب الجهة بتعاون مع اتحاد كتاب المغرب و حفل التوقيعات سيهم «امرأة لا تحصى » لبودويك (شعر)، «خيط ريان» للمساوي، «لحن عسكري لاغنية عاطفية» لكثير، «هشاشة الفن المفرطة» لشراك، «معارج العبور- سيرة الجغرافيات الذاتية» لشهبون، «العنوان في الرواية العربية - دراسة تحليلية» لبوطيب. يوم الخميس سيعرف حفل اختتام الدورة الثانية للمعرض الجهوي للكتاب بحفل موسيقي من طرف طلبة المعهد الموسيقى بفاس.