"ما قدهم الفيل زيدهوم الفيلة".. هارون الرشيد والسلطان الحسن الأول    ‬برادة يدافع عن نتائج "مدارس الريادة"    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة ...المغرب يشارك في فعاليات حدث رفيع المستوى حول الأسر المنتجة وريادة الأعمال    مجلس النواب يصادق على مشروع قانون الإضراب    المخرج شعيب مسعودي يؤطر ورشة إعداد الممثل بالناظور    أكرم الروماني مدرب مؤقت ل"الماص"    الجيش الملكي يعتمد ملعب مكناس لاستضافة مباريات دوري الأبطال    تبون يهدد الجزائريين بالقمع.. سياسة التصعيد في مواجهة الغضب الشعبي    حصيلة الأمن الوطني لسنة 2024.. تفكيك 947 عصابة إجرامية واعتقال 1561 شخصاً في جرائم مختلفة    بركة: أغلب مدن المملكة ستستفيد من المونديال... والطريق السيار القاري الرباط-البيضاء سيفتتح في 2029    وزير العدل يقدم الخطوط العريضة لما تحقق في موضوع مراجعة قانون الأسرة    الحصيلة السنوية للمديرية العامة للأمن الوطني: أرقام حول المباريات الوظيفية للالتحاق بسلك الشرطة        الاعلان عن الدورة الثانية لمهرجان AZEMM'ART للفنون التشكيلية والموسيقى    أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية .. رأي المجلس العلمي جاء مطابقا لأغلب المسائل 17 المحالة على النظر الشرعي        البيضاء: توقيف أربعيني متورط في ترويج المخدرات    هولندا: إدانة خمسة أشخاص في قضية ضرب مشجعين إسرائيليين في امستردام    آخرها احتياطيات تقدر بمليار طن في عرض البحر قبالة سواحل أكادير .. كثافة التنقيب عن الغاز والنفط بالمغرب مازالت «ضعيفة» والاكتشافات «محدودة نسبيا» لكنها مشجعة    الصناعة التقليدية تجسد بمختلف تعبيراتها تعددية المملكة (أزولاي)    المغرب يستورد 900 ألف طن من القمح الروسي في ظل تراجع صادرات فرنسا    جمهور الرجاء ممنوع من التنقل لبركان    وزارة الدفاع تدمج الفصائل السورية    مراجعة مدونة الأسرة.. المجلس العلمي الأعلى يتحفظ على 3 مقترحات لهذا السبب    الدورة العاشرة لمهرجان "بويا" النسائي الدولي للموسيقى في الحسيمة    العلوم الاجتماعية والفن المعاصر في ندوة بمعهد الفنون الجميلة بتطوان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية : البحاثة محمد الفاسي : مؤرخ الأدب والفنون ومحقق التراث    تفاصيل الاجتماع الأول لفدرالية الصحافة الرياضية بالمغرب    يوسف النصيري يرفض عرض النصر السعودي    الشبكة الدفاع عن الحق في الصحة تدعو إلى التصدي للإعلانات المضللة        توقيع اتفاقية بين المجلس الأعلى للتربية والتكوين ووزارة الانتقال الرقمي    "أفريقيا" تطلق منصة لحملة المشاريع    إلغاء التعصيب ونسب الولد خارج الزواج.. التوفيق يكشف عن بدائل العلماء في مسائل تخالف الشرع ضمن تعديلات مدونة الأسرة    أول دواء مستخلص من «الكيف» سيسوق في النصف الأول من 2025    مجلس الحكومة يتدارس أربعة مشاريع مراسيم    الملك يشيد بالعلاقات الأخوية مع ليبيا    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    نظرية جديدة تفسر آلية تخزين الذكريات في أدمغة البشر    العصبة تكشف عن مواعيد مباريات الجولة ال17 من البطولة الاحترافية    "فيفبرو" يعارض تعديلات "فيفا" المؤقتة في لوائح الانتقالات    الإعلان عن تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة        عودة نحو 25 ألف سوري إلى بلدهم منذ سقوط نظام الأسد    مستشار الأمن القومي بجمهورية العراق يجدد موقف بلاده الداعم للوحدة الترابية للمغرب        "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    المغرب يشارك في أشغال الدورة الأولى لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب بالرياض    اختطاف المخيم وشعارات المقاومة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الاتحاد الاشتراكي» تزور معتصمي إميضر فوق قمة جبل ألبّان .. أربعة أشهر ونيف من الاعتصام لأجل مطالب اجتماعية وسط صمت تام من قبل المسؤولين ووسائل الإعلام الرسمية
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 19 - 12 - 2011

لا يمكن للعابر في الطريق الرابطة بين مدينة بومالن دادس ومدينة تنغير، ألاّ يقابل صباحا مع شروق الشمس أو عصرا نسوة وأطفالا صغارا، وأحيانا رجالا طاعنين في السن يقطعون زرافات أو وحدانا مسافة ثلاثة كيلومترات تقريبا، يحملون أو يتأبطون أغراضا ومؤنا. نفس السيناريو يتكرّر كل يوم في رحلة ذهاب وإياب واضحة الأهداف، صامدة لا يشوبها وهن ولا تردّد.
قد يبدو الأمر للبعض من بعيد، روتينيا يتعلق بنشاط يومي اعتادت عليه النساء خاصة، بهذه المنطقة المهمشة والمنسية، غير أنك كلما اقتربت من وجوههن شعرت أنّ هناك حزنا أكبر ممّا يوصف أحيانا، و«الحزن الأكبر ليس يقال» كما عبّر شاعر إفريقيا محمد الفيتوري يوما. هذا ما حدث معي وأنا أصل إلى قرية «إميضر» بعد مسافة 50 كلم من قلعة امكونة، سألت مرافقي وأنا أنظر إلى النساء متشحات بهمتهنّ يحثثن الخطو إلى وجهة معينة: إلى أين تؤمّ هؤلاء النسوة نشيطات؟ ربّما في اتجاه جبل ألبّان، أجاب مرافقي.
بالفعل أيقنت أنّ وجهة نساء إميضر هي ما أقصده أيضا، إنه جبل «ألبّان» الذي يحرس قرية إميضر، ويفتح لها صدره منذ ما ينيف عن أربعة أشهر، أي منذ أعلن السكان اعتصامهم ضدّ أمواج «الحكرة» والتهميش والنسيان التي ظلّ طوفانها يضربهم عقودا من الزمن، فصار «الجبل» مأواهم و»سلاحهم» في نفس الوقت.
ربما القليل من سمع محليا عن صمود رجال ونساء وأطفال على قمة شمّاء لجبل سيدخل التاريخ السياسي والاجتماعي للمنطقة، وربما الكثير جدّا لا يصدق وطنيا أنّ هناك سكانا من قرية إميضر تحدّوا صمت الجهات المسؤولة، وقساوة الطبيعة، وشظف العيش، وقلة الحيلة، لسان حالهم قول الشاعر توفيق زياد: «هنا باقون على صدوركم كالجدار...»، صدق أو لا تصدّق، إنّه واقع حال مغرب «الديموقراطية»، مغرب «العهد الجديد».
لم تكن معاناة سكان إميضر خلال هذه الشهور الأربعة من الاعتصام يسيرة خصوصا حين يتآلب صمت المسؤولين مع الصمت الإعلامي، فطيلة هذه المدة لم يطأ قمة «ألبّان» سوى مجلة « TELQUEL» و «نحن» .
تنقلت الاتحاد الاشتراكي كأول جريدة ناطقة بالعربية مرتين إلى عين المكان لتنصت إلى «الإميضريين» ومعاناتهم، وأيضا لتسجل لحظات الفرح المقتنصة من حياتهم الموزعة بين معتصم يرتفع بنحو 1400 متر، وقرية فرض عليها الموت الرمزي على بعد 3 كيلومترات، إنها رحلة تكشف ما يحدث من انتهاك لحقوق الإنسان في المغرب العميق، مغرب الجنوب الشرقي، صدّق أو لا تصدّق.
كل الطرق تؤدّي إلى جبل ألبّان
وصلت صحبة رفيقي إلى قرية إميضر في منتصف النهار، أثار استغرابنا هالة السكون التي تخيم على المنطقة، وحدها المنازل والبنايات (المتآكل معظمها) تنتصب في صمت جنائزي حدادا على أمر ما، يبدو الوضع غير مفهوم لمن يجهل ما يحدث في إميضر، بعد قليل من وصولنا وعلى امتداد الطريق لاحت لنا سيّارة تنهب الإسفلت نهبا،إنّه (ع.ط) دليلي في رحلة التعرف على قرية «استبدلت حياة بحياة».
حملنا (ع.ط) عبر طرقات القرية حيث التقطنا صورا تؤرخ لزمن توقف غصبا: الإعدادية، دار الشباب، دار الطالب، المدرسة الابتدائية، المستوصف ، نادي الأطفال الصغار...كلّ شيء هنا يحيل على «الموت الرمزي»، لقد قاطع السكان كلّ المرافق. توجهنا إلى جبل «ألبّان»، ركنّا السيارة عند تلة وترجّلنا صعودا نحو «حياة أخرى» .
«ماشي من تمّا أ السي الأستاذ، هاداك الطريق ديال النسا»، عاجلني (ع.ط) بينما اتخذ طريقا يسار الجبل، ونبّهني إلى أنّ طريقنا على اليمين، فطريق النساء للنساء، «نحن نحترم النساء ويجب أن نترك لهن حريتهن حتى في الطريق، من يدري فربما يرغبن في قضاء حاجتهنّ أحيانا، فيحرجن إن كنّ برفقة الرجال في طريق واحد» أردف دليلي.طرق مختلفة تتفرع من مداخل ومخارج قرية إميضر لتتجمع عند سفح «ألبّان» حيث ينحفر طريقان نحو قمّة واحدة في نهاية المطاف، إنها خلاصة «السيرة الإميضرية» .
تنهض النساء باكرا، يهيئن الفطور ويحملنه إلى أطفالهنّ وأزواجهنّ في المعتصم، السادسة صباحا أو بعدها بقليل تراهنّ ذارعات الطريق في اتجاه ألبّان، ثلاثة كيلومترات فضلا عن 1400 متر صعودا، هي الخارطة التي تقطعها هؤلاء النساء في برنامج يومي منذ ما ينيف عن أربعة أشهر من الاعتصام.
هناك في القمة تنتصب حياة أخرى بكل مظاهرها، انتقلت من القرية، انخراط في أشغال يومية إلى حدود الساعة الثانية زوالا حيث وقت «أكراو» AGRAW أو «الحلقيّة»، تناقش خلالها مستجدات القضية والقرارات، وتعطى المداخلات بشكل ديموقراطي وشفاف للرجال كما النساء والأطفال كما الشيوخ.
متسلقا جبل ألبان، تتراءى لي في الأفق أعلام مغربية تأكيدا من هؤلاء السكان على مغربيتهم التي يعتزون بها، ولو أنّ هذا الانتماء يظل ناقصا على الأقل من جهة الحقوق، كما يرى محمد أجريد عن لجنة الحوار.
وصلت مع دليلي إلى القمة بعد لهاث واضح، ضاعفه انخراطنا في أحاديث مختلفة بشأن وضع السكان الكارثي. في الواقع تفاجأت بما ينضح على وجوه السكان المعتصمين من مظاهر الفرح، رغم ما يعيشونه من معاناة، سيتبدّد استغرابي حين أخبرني الدليل أنّ الأمر يتعلق بمناسبة سعيدة (حفل عقيقة). «أنا أيضا أقمت حفل ازدياد مولود لي هنا على قمّة ألبّان قبل مدّة» أضاف (ع.ط). لم تمنع ظروف الحياة الصعبة الإميضريين من اقتناص لحظات للفرح، ولم يؤجلوا حياتهم البتة، إذ ترى بيوتات صغيرة متناثرة في الجبل تدلّ على همتهم ونشاطهم، بعضها تحيط به مساحات مغروسة وقصب كأنها نوع من الأمل الأخضر في غد أفضل، الأطفال الصغار يلعبون هنا وهناك بمرح وبراءة، زمر من الشيوخ والشبان يتوزعون على جغرافية الجبل منهمكين في أحاديث أو أنشطة تهمّ معيشهم الجديد، لقد تحوّل ألبّان من قمة جرداء إلى قمة خضراء بسواعد أحفاد عسو وباسلام.
المعتصم يسير على وتيرة تنظيم محكم، فهناك لجنة مكلفة بالحراسة نهارا بعد انفضاض ( agraw، وهبوط النساء من الجبل تحت أعين الرجال، ولجنة مكلفة بالإعلام، ولجنة مراقبة تخوم الجبل، واللجنة التنظيمية، ولجنة الحوار، وأخيرا لجنة الحراسة الليلية (فيها أزيد من 20 شخصا).
في الساعة الثالثة بعد الزوال يرفع agraw، وتنزل النساء من الجبل، يليهنّ الرجال، ثم يلتقون عند نقطة في سفح الجبل، حيث ينتظمون مثنى مثنى في مسيرة حتى القرية(المسيرة في رأسها وذيلها ووسطها شباب بأجهزة لاسلكية للتواصل وتنظيم مرور وسائل النقل)، يرافقهنّ الرجال المكلفون بذلك، ويعود هؤلاء إلى المعتصم. إنه «الخبز اليومي» لقرية إميضر ضدّ أوجه التهميش والظلم منذ أربعة أشهر ويزيد. فماذا يريد الإميضريون من هذا النضال كمغاربة؟ هل أخفقوا؟ هل أصابوا؟ هل هم مجرد «مشاغبين» كما يحلو لبعض الجهات نعتهم؟ وهل يرفعون مطالب ذات طابع سياسي؟ أم هي مطالب اجتماعية واقتصادية محضة؟ وقبل ذلك ما هي الأسس التاريخية والاجتماعية والاقتصادية لهؤلاء «السكان الأشاوس»؟
إميضر: عن التاريخ والجغرافيا والإنسان
تقع جماعة إميضر في تراب إقليم تنغير، على بعد 30كلم من مدينة تنغير، و25 كلم من مدينة بومالن دادس، تابعة لاتحادية أيت عطّا ، وهي قبائل معروفة تاريخيا بشجاعتها وصمودها في وجه المستعمر الفرنسي بقيادة المقاوم عسو وباسلام صاحب معركة بوكافر 1933، كما يشهد لناسها اجتماعيا بحسن الضيافة وكرم الأخلاق . تضمّ الجماعة سبعة دواوير هي: أيت امحمّد، أيت ابراهيم، أيت إيغير، أنونيزم، إيزومكن، إيكيس، تابولخيرت، تبلغ مساحة إميضر 140 كلم مربع، وصل عدد سكانها حسب إحصاء 2004 إلى 5000 نسمة ( الآن ينيف عدد سكانها على 8000 على الأقل)، ترتكز أنشطة السكان المعيشية على الفلاحة وتربية الماشية، ونظرا لكون المنطقة تعرف تساقطات مطرية ضئيلة جدا، فإنّ الساكنة تعتمد في أنشطتها وحياتها على مياه السواقي والآبار التي شهد منسوبها تراجعا كبيرا جرّاء الاستغلال المفرط للفرشة المائية من خلال نقط التنقيب التي قامت بها الشركة المشغلة لمنجم إميضر، حيث أنّ كمية المياه المستخرجة والتي تتجاوز بالتدقيق 18 لترا في الثانية، أي 64800 لتر في الساعة، و 46656 مترا مكعّبا شهريا، باستهلاك سنوي يصل إلى 559872 مترا مكعّبا.
وقد شهدت هذه المنطقة ، شأنها شأن الجنوب الشرقي عامة، تهميشا وحيفا واضحين في ما يخصّ البنيات التحتية والقطاعات الحيوية، فأقرب ثانوية مثلا على بعد 30 كلم، والمستوصف الصغير بالقرية الذي تؤمّه ممرضة واحدة يغلق أبوابه في الساعة الثالثة بعد الزوال، ويشتغل من الاثنين إلى الجمعة فقط، كما لا تتوفر به حتى أبسط الأدوية. فهل هذا هو حال قرية يضخّ المنجم الواقع في ترابها الملايير في ميزانية الدولة؟ يتساءل دليلي.
منجم إميضر: حكاية جبل الفضّة
بمحاذاة جبل صاغرو 2710م على بعد 10 كلم من قرية إميضر، و40 كلم غرب مدينة تنغير، و 150 كلم شرق مدينة ورزازات، على ارتفاع 1500 متر عن سطح البحر، يقع أشهر مناجم الفضة بالمغرب والعالم: منجم إميضر، وهو أول منجم لإنتاج الفضة بالمغرب، والعاشر بإفريقيا. اكتشف في العصر الوسيط ما بين القرن 8 والقرن 12، أي ما بين الموحدين والأدارسة( كما تؤشر على ذلك القطع النقدية لتلك الحقبة)، حيث انطلقت أشغال استغلال ثروته المعدنية منذئذ على صفيحة من 300 متر طولا، وعمق لا يتجاوز 60 مترا، بعد ذلك سيتعرض لغمر المياه فتتوقف الأشغال به إلى غاية الستينات من القرن الماضي، حيث سيساعد المسح الطبوغرافي على اكتشافه، ليستأنف استغلاله من جديد.
في البداية أجريت الأبحاث على المنجم المكتشف من طرف «مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية» BRPM، غير أنّ مهمة القيام بالدراسات وتقييم الأشغال الأولى وانطلاق الأشغال الجديدة استلزمت إحداث شركة جديدة سنة 1969، الأمر الذي أنجب «شركة معادن إميضر SMI»، كان يساهم في رأسمالها كلّ من «مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية» بنسبة 69% ، و «وأومنيوم إفريقيا»(أونا) بنسبة 31%، هذا إلى حدود 1996(سنة الخصخصة)، ولم تباشر أعمال الحفر المنجمي إلاّ سنة 1978 من طرف مكتب الأبحاث التابع للدولة، وذلك بعد حملة واسعة للتنقيب عن الفضة بإدخال تقنيات حديثة آنذاك، حيث تأكد وجود احتياطي ضخم.
في السنوات الموالية أنجزت الشركة المنجمية مشروع توسيع يتضمّن بنيات تحتية جديدة اجتماعية كالحي السكني بتنغير الذي ضمّ 300 سكن للعمال، وبنيات معدنية كمعمل المعالجة، كما أسس معمل جديد - بعد إغلاق المعمل القديم - ذي طاقة إنتاجية مضاعفة، إذ كان ينتج وقتها ما بين 14 و15 طنّا من الفضة شهريا، أما سنويا فينتج 200 طنّ من الفضة الخالصة الموجهة للتصدير نحو أوربا.
في أواسط التسعينات (1996) فوّت المنجم لمجموعة مناجم «أونا» في إطار سياسة الخصخصة بثمن لا يتعدّى 644 مليون درهم( نشرته الاتحاد الاشتراكي بتاريخ 24/09/1996) وفي سياق صفقة غامضة وقتها، حيث تمّ استبعاد المستثمرين الآخرين، كما لم يفصح عن المقاييس المعتمدة في تحديد الثمن، وعن نتائج التقييم والخبرة(أوديت) الذين قامت بهما إحدى الشركات الخاصة بهدف إخفاء حجم المدّخرات المعدنية الحقيقيّة التي تختزنها المناجم الأربعة المفوتة وقتها، خاصة منجم إميضر.
وتشغل شركة معادن إميضر - حسب ما أفادتنا به إدارة المنجم - حوالي 1000 شخص (ما بين تقنيين ومهندسين وعمّال) 30% منهم ينتمون لجماعة إميضر، و25% من الدواوير المجاورة. وعلى المستوى العام، فإنّ 75% من المستخدمين ينتمون إلى محور الرشيدية، تنغير، ورزازات، كما تشجع الشركة إنشاء مقاولات فرعية( مقاولات العمل من الباطن) لمضاعفة عدد العمال من أبناء المنطقة، ولو أنّ هناك من يرى أنّ هذه المقاولات تلجأ إلى تشغيل عمّال مجردين من الحقوق بأبخس الرواتب وفي شروط مهينة بناء على عقدة محددة الأجل.
«الإلدورادو» الموعود أم شوكة في خاصرة المنطقة؟
لا يبدو من خلال الحديث مع سكان المنطقة(سواء العمال بالمنجم أو غيرهم)، أنّ منطقة إميضر حديثة عهد بالنضال، فلطالما واجهت الظلم والتهميش، واستماتت في الدفاع عن حقوقها. كما جاء على لسان الكثير منهم، وأيضا من خلال اطلاعنا على ما تيسر من الوثائق والتقارير النقابية، يعود تاريخ النضال والصراع بين العمال والشركة إلى بداية التسعينات من القرن الماضي، وتحديدا إلى سنة 1991 حيث أقدمت الشركة وقتها ، على اقتحام سكن الأرامل بالحي السكني بتنغير في محاولة لإخراجهنّ بدعوى تنفيذ حكم قضائي، وقد أسفر هذا الأمر عن تمرّد عمّالي عاصف، توّج بمسيرة عمالية انطلقت من الحي السكني عند مدخل تنغير وصولا إلى مركز المدينة، ممّا جعل إدارة الشركة تتراجع. كانت هذه الأحداث وغيرها مقدمات تمهيدية لما عرف في تاريخ المنطقة ب«إضراب الستة أشهر»، وهو إضراب جاء نتيجة لتعنّت الشركة في الاستجابة لمطالب العمّال، وعلى رأسها التعويض عن السكن بما قدره 10 ملايين سنتيم في حالة التوقف عن العمل بالمنجم، علاوة على مطالب أخرى من قبيل: التعويض عن الأمراض وتطبيق بروتوكول 1987 القاضي بتشغيل أبناء العمّال، وقد خاضوا في البداية إضرابا إنذاريا لمدة 24 ساعة يوم 20/12/1991، بتنسيق مع نقابتين هما(ك.د.ش) و(ا.ع.ش.م)، ثمّ إضرابا آخر لمدة 48 ساعة يومي 26 و27 دجنبر 1991، ونظرا لسياسة صمّ الآذان من قبل الإدارة سوف يمدد هذا الإضراب إلى ستة أشهر، أثمرت توقيع بروتوكول 92 الذي جلب مجموعة من المكتسبات الإيجابية وقتها.
ما بين 96 و97 سينتفض عدد من شباب قرية إميضر على كمّاشة الإقصاء والتهميش التي كانت تطبق على المنطقة، بعدما حزّ في نفوسهم أن يروا ثروات المنطقة تنهب ولا يستفيدون منها حبّة خرذل، وقد انتظمت هذه الانتفاضة السكانية في اعتصام مفتوح على جنبات الطريق الرئيسية القريبة من المنجم رافعة لافتات تطالب بحقوقها. لم تكن مطالب المعتصمين وقتها تتجاوز الحق في الشغل بالمنجم، خاصة وأنّ البروتوكولات الموقعة بين الشركة والنقابات حول إعطاء الأسبقية لأبناء العمّال في التشغيل، لم تكن في صالح بقية السكان. هذه الانتفاضة هي ما ألهم ساكنة إميضر فوق جبل «ألبان» للانتظام في حركة نضالية أطلقت على نفسها «على درب 96 إميضر» من أجل تحيين ما تمّ تغافله أو الصمت عنه من قبل المسؤولين. «لقد ألفنا، وصرنا على دراية بكلّ أشكال الردع والاتهام التي تحاك ضد الساكنة والعمّال منذ التسعينات في محاولة لترهيبنا تارة عن طريق القوة، وتارة بتلفيق تهم سرقة الفضة وتهريبها من أجل تبرير الاعتقالات»، حدّثني دليلي بنبرة يخالطها حزن دفين، قبل أن يستطرد:« لماذا لا يلاحقون اللصوص والمهربين الحقيقيين الذين يعرفونهم حق المعرفة؟».
يبدو أنّ اعتمال الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي ظلّّ يتخبّط في مرارته كلّ من عمّال منجم إميضر، وكذا ساكنة المنطقة بشيبها وشبابها، بنسائها ورجالها، قد ألهب النار التاريخية المتجذرة جذوتها في أرواح الإميضريين ونفوسهم، نار صاغت قبسها جبال صاغرو الشمّاء، فوصل بركانها إلى «ألبّان» في غشت 2011 .
النضال المشترك بين الساكنة والجماعة وإرهاصات القطيعة
اندلعت احتجاجات ساكنة إميضر بشكل قوي ضدّ الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي بالمنطقة في 12 فبراير 2010، حيث نفذت اعتصاما مفتوحا على بعد عشرات الأمتار من المنجم، وذلك في ظلّ التوتّر وشدّ الحبل مع الشركة، وعدم توصّل الطرفين إلى اتفاق بعد سلسلة من اللقاءات بينهما حول سبل استغلال الشركة للمياه الجوفية ومقالع الرمال المتواجدة في تراب الجماعة.
في لقاء الجريدة لرئيس جماعة إميضر الحسين بحامو، أشار إلى أنّه «ومنذ توليه المنصب كانت لديه رغبة أكيدة في حل ملف إميضر، وقد وجه سنة 2010 دعوة للشركة المنجمية أكثر من ثلاث مرات من أجل الجلوس إلى طاولة الحوار، لكن لم يلق استجابة، ولا يعرف السبب تحديدا. في نفس السنة سوف تلبي الجماعة طلب عامل إقليم ورزازات من أجل الحوار مع الشركة بحضور النائب البرلماني عن المنطقة آنذاك، حيث وقّعت اتفاقية تقضي بإلزام الشركة بتشغيل 50% كلما أرادت إضافة عمّال جدد( بمعنى إذا احتاجت إلى أربعة عمّال، عليها أن تختار اثنين من المنطقة) علاوة على حفر خطّارة 100 متر، وبناء قاعتين بالإعدادية، وتوفير حافلتين صغيرتين، وحافلتين أخريين للنقل المدرسي بين إميضر وتنغير، وهذا ما حدث بالفعل، بل إنّ الشركة اقترحت في الحوار تشغيل 60 % عوض 50%، وتشغيل 20 شخصا من الجماعة، كما تعهدت بتوفير النقل المدرسي، ورصد مبلغ 12 مليون سنتيم لأجل البنزين وراتب السائق وغيرها، زيادة على توفير ثلاث حافلات صغيرة».
ويفيد رئيس الجماعة أنّ جماعته قد حققت مكسبا هاما للمنطقة حين أجبرت سنة 2010 الشركة المنجمية على التصريح بالمساحة الإجمالية الحقيقية التي تستغلها ،وهي 375 هكتارا عوض 25 هكتارا التي كانت تصرّح بها لسنوات، وذلك للاستفادة من الأرباح المتوافرة، لاسيما وأنّ سومة كراء الأرض سنويا تبلغ 2500 درهم، وهو ثمن على هزالته يوفر ميزانية لابأس بها.
وفي سؤاله عن المستفيد من ثمن كراء الأرض للشركة، أفاد الرئيس أنها لفائدة صندوق الأراضي السلالية بالعمالة، يفوتها بعد التصريح للجماعة، وأكّد لنا أنّ هذه الوضعية ستسوّى قريبا، فتضخّ النقود في ميزانية الجماعة من أجل استثمارها في النهوض بحاجيات المنطقة ومشاريعها لسنة 2012 .
أمام كل هذه المكتسبات، يضيف رئيس الجماعة، لم يتقبّل السكّان ما حققناه، واعتبروا أنّ المجلس الجماعي قد باع القضية، وطلبوا منّا الابتعاد، فابتعدنا، «رفضونا كجماعة نكونوا في الحوار، بالفعل استجبنا لرغبتهم، خفنا على روسنا أخويا، أنا شخصيا تعرض منزلي للرشق بالحجارة فالجوج دالليل» يقول الرئيس.
وبشأن مقاطعة الدراسة من طرف تلاميذ الابتدائي والإعدادي والطلبة بإميضر منذ مطلع السنة، يفيد رئيس الجماعة أنه راسل النيابة( فيما يخص الابتدائي والإعدادي) لحلّ هذا المشكل، ولم يتلق جوابا، ويضيف أنّ الوضع غير صحيح بالمرة، فلا يعقل أن يطالب السكان بحقّ ويضيعوا حقا آخر، مثلا في السنة المقبلة سيكون هناك اكتظاظ كبير في المستوى الأول مما سيطرح مشاكل إضافية. وفي سؤال الجريدة عن الأخطار التي تحدق بالمنطقة جراء مخلفات التصنيع والإنتاج بالمنجم، أشار إلى أنّها مخاطر بيئية بالأساس، تتجلى مثلا في نفوق عدد كبير من رؤوس الماشية جرّاء المياه الملوثة بمخرجات المنجم من المواد السامة المتسربة إلى المصادر المائية، وهذه المخاطر لا تشكل خطرا فقط على سكان إميضر، وإنما على سكان حوض تودغى أيضا، وقد أعدّ المجلس الجماعي تقريرا بيئيا معززا بالصور يجمل الأضرار في ما يلي: * تلوث المياه السطحية والجوفية * تلوث الهواء الناتج عن الغازات المنبعثة من الشركة * تراجع منسوب المياه في السواقي والآبار بسبب الاستغلال المفرط للفرشة المائية * تسرب المياه المستعملة والملوثة بمادة السيانور(مادة محظورة دوليا لا تحلل إلا بعد مرور قرن من الزمان!)* تلوث وتدهور الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي الذي يتمثل في انقراض بعض أنواع النبات والوحيش * تلوث وتدهور التربة بسبب المواد السامة الناتج عن غياب الحواجز الوقائية.
وعن أهم النقاط المطلبية التي صاغتها الجماعة والسكان في نضالاتهم لسنة 2010 : * إجراء خبرة للوقوف على الأضرار الملحقة بالسواقي والآبار والفرشة المائية بصفة عامة * تخصيص 75% من اليد العاملة لأبناء المنطقة * وضع عدّاد جديد في البئر المزود للمنجم على أن يكون تسييره ثلاثيا (المجلس الجماعي والشركة والسلطة المحلية) * تحديد الكمية المسموح بها شهريا مراعاة للمتضررين * بناء صهاريج للنفايات الصلبة والسائلة تحول دون تسربها إلى الأودية والآبار في مكان بعيد عن المجاري المائية * تشجير المناطق المجاورة للمنجم * بناء سدود تلية لتغذية الفرشة المائية وتخفيف الأضرار عن الساكنة. فماذا حدث بالضبط من 2010 وحتى غشت 2011؟ ما الذي تحقق على أرض إميضر؟ وما الذي انضاف إلى معاناة سكّانها؟
تمخض جبل الفضة فأنجب فأرا
انطلقت شرارة النضال مرة أخرى على أرض إميضر مع مستهل شهر غشت 2011، يروي لنا امحمد أجريد،عن لجنة الحوار( الطالب المجاز الذي تعلو قسماته صرامة يخالطها مزيج من المرارة والقوة) بلغة أمازيغية صادقة عن تعنت إدارة المنجم وإعراضها عن الحوار الجدّي، وغياب أيّ إرادة حقيقية سواء لديها أو لدى السلطات والمسؤولين في حلّ ملف إميضر. فخلال صيف 2011 استأنف النضال مجموعة من الطلبة من أبناء المنطقة (74 طالبا) من أجل ضمان حقهم في الشغل بالمنجم، فحسب بروتوكول سابق بين الشركة والسكان، يشغّل المنجم عددا من الطلبة بشكل موسمي خلال عطلة الصيف، وخلال غشت الماضي كان عدد الطلبة (70) يفوق عدد المناصب الشاغرة(39)، يضيف محمد أجريد، لكن المعايير التي تمّ من خلالها انتقاء 39 عاملا تتوفر أيضا في الباقين من أصل 70 .
التحقت ساكنة إميضر بصفوف الطلبة المحتجين جرّاء معاناتها من ندرة الماء بالأساس، فقد انقطع عن صنابيرهم منذ أبريل 2011 وحتى غشت، وكان يسمح لهم بالشرب خلال رمضان لمدة نصف ساعة قبيل أذان المغرب، هذا «التعطيش» جعل السكان ينتفضون ويقطعون بدورهم الماء عن المنجم من الصمّام la vanne المزوّد في أعلى جبل ألبّان، فعادت مياههم إلى مجاريها بعد شهر ونصف من عملية القطع، مما أثر من جهة أخرى على إنتاجية المنجم، كما عمدت الساكنة في سياق تصعيدي، إلى منع الرمل عن المنجم ممّا عطّل عملية البناء داخله.
«الماء هو أساس القضية، نراه ينسحب من أرضنا، يهرّب، يستنزف، بل إنّ أثر هذا الاستنزاف قد امتدّ إلى منطقة تدعى (الخربات) بنواحي تنجداد على بعد 80كلم من إميضر، فما بالك بالمناطق المجاورة» يقول امحمد أجريد.
انطلقت الحركات الاحتجاجية منذ فاتح غشت، استهلتها الساكنة بوقفة احتجاجية تعبوية، تلتها عدة محطات أبرزها: المسيرة الشعبية التي قطعت 10 كلم نحو منجم إميضر، شارك فيها أزيد من 3500 مواطن ومواطنة من جميع الفئات والأعمار يوم 14 غشت 2011، وأيضا وقفات واعتصامات أمام مقرّ الجماعة القروية. وأمام صمت الجهات المعنية قرّر السكان لعب ورقة أخرى، إذ نظموا مسيرة نحو جبل ألبّان حيث يوجد أضخم خزان مائي لتزويد المنجم، قام السكان خلالها بإغلاق قنوات المياه يوم الثلاثاء 16 غشت لمدة أربع ساعات ونصف. تمادى الصمت عن مطالب الساكنة، فتأججت النار في الصدور، ليخرج الإميضريون في اعتصام مفتوح هذه المرة منذ 20 غشت 2011 وإلى الآن، حيث أغلقوا الصّمّام الرئيسي لأن الاتفاقية المبرمة انتهت سنة 2009 ولم تجدد، ولأنهم يعانون من العطش وندرة الماء. يقول محمد أكراولي (طالب مجاز يكاد لا يرسي نظره في عينيك من تواضعه ودماثته) «نحن لا نطلب شيئا مستحيلا، إنها حقوقنا كمغاربة عانوا كثيرا من التهميش، ملفنا المطلبي شامل لجماعة إميضر بدواويرها السبعة، وأول هذه المطالب القطع مع التشغيل الموسمي الذي كان معمولا به من قبل، والمطالبة بتشغيل نسبة 75% بشكل رسمي من أبناء المنطقة المعطلين، بالإضافة إلى مطالب اجتماعية وبيئية أخرى من قبيل: توفير الأطر والطواقم الطبية والأدوية، بناء ثانوية، تقنين استغلال الشركة للمياه الجوفية ومقالع الرمال، التفكير في كيفية التعامل مع المواد السامة التي تهدد البيئة والسكان وغيرها». في سؤاله عن مدى استجابة الشركة للملف المطلبي المرفوع، أجاب:« الشركة المنجمية اقترحت تشغيل 20 شخصا فقط، عوض الحديث عن نسبة ولو عن طريق التفاوض، فيما صمتت عن باقي المطالب، بل ضاعفت استغلالها وكأن أمر المنطقة وساكنتها لا يهمّها مطلقا».
أمام هذا التجاهل قرّرت ساكنة إميضر الاستمرار في اعتصامها ونضالاتها، حيث أضحت تخوض مسيرات بشكل يومي، آخرها المسيرة التلاميذية التي شارك فيها أزيد من 600 تلميذ يوم 6 دجنبر 2011، وأيضا مسيرة السكان إلى موقع يضمّ آليات لتكسير الحجارة لصالح المنجم الذي عمل على استقدام شركة تدعى «سيفامين» مختصة في تزويده بالحصى والرمال، وقد أفشل السكان محاولة لسرقة الرمال بتاريخ 13 دجنبر 2011 . وحسب محمد أكراولي، فإنّ عقدة الشركة للاستغلال قد انتهت سنة 2006 ولم تجدّد بعد، كما أنّ مقرها يجب أن يكون بمحاذاة الوادي كما ينص على ذلك دفتر التحملات، فما يقوم به هؤلاء يخلّف أضرارا منها انجراف التربة، إننا نحمي أرضنا من هذا الاستنزاف، ونحن لا نخشى كل هذه الجيوش الأمنية التي استدعتها الشركة لترهيبنا، فنحن مواطنون ولسنا مجرمين». يضيف الشاب ذو الثالثة والعشرين ربيعا: « نحن لا مانع لدينا من قيام الشركة بأشغالها، فقط يجب أن يكون ذلك في إطار قانوني مع رفع الأضرار والأخطار التي تهدد المنطقة جرّاء الاستغلال المفرط، وأيضا الاستجابة لمطلب التشغيل الذي نركز عليه، فمن بين الخروقات التي لجأت إليها الشركة استغلال المياه والرمال بشكل غير قانونيّ، ومحاولة إنشاء محطة فرعية للكهرباء دون وجه حقّ من خلال الاستيلاء على قطعة أرضية، وأيضا استغلال بئر «تاركيت» بدون وثيقة قانونية منذ 1986 إلخ».
يخوض الإميضريون كل هذه الأشكال النضالية بعد أن تنبع مقرراتها من أعلى جبل ألبّان في «أكراو» اليومي، دون أن يبارح فريق منهم هذا الجبل. وأنا أتجوّل بين دروب حياة الإميضريين في ألبّان، استوقفت طفلا صغيرا: لماذا أنتم في الجبل؟ لأنهم أخذوا ماءنا وكلّ ما نملك. ألا تفكّر في العودة إلى المدرسة الآن؟ لا. ومتى ستعود؟ حين ينتهي المشكل.
كبش الفداء الذي تحوّل إلى رمز
«لم يعد مجرّد عامل عادٍ أو واحد من ساكنة إميضر فقط، إنه رمز قضيتنا» نبس دليلي (ع.ط) ونحن نلتهم الجبل بأقدامنا مضيفا «رجل نشيط حركي يشتغل ميكانيكيا في المنجم، ناصر قضية إميضر وناضل إلى جانب الساكنة حتى طالته يد الاعتقال في الخامس من أكتوبر 2011 بتهمة السرقة. في اليوم المخطط لتلبيسه الجرم، طلب منه رئيسه أن يحضر الطعام بواسطة سيارة، مع العلم أنّ وظيفته داخل المنجم، ولم يطلب منه أن يسوق سيارة من قبل، انصاع للأمر غير عالم بما تخبئه يد المجرمين الحقيقيين في السيارة، عند بوابة الخروج سوف يفتش، وتضبط في السيارة كمية من الفضة اتهم لاحقا بسرقتها، يضيف دليلي: «الملف مطبوخ بدهاء، ولو أنه تمّ إخفاء بعض المعطيات، فالكمية التي ضبطت في السيارة لا تتجاوز 18 غراما، بينما القانون الداخلي للمنجم يشير إلى أن تهمة السرقة تثبت بعد حيازة 55 غراما فما فوق، بمعنى أنّ 18 غراما قد يحملها أحيانا شخص في أسفل حذائه دون أن يدري مثلا، كما أنّ القانون يقول بتقديم المتهم مع المسروق إلى المحكمة، فلماذا لم تقدّم الكمية المحجوزة في قاعة المحكمة؟ ولماذا أيضا لفقت لمصطفى اشطوبان تهمتان مختلفتان ومتناقضتان في نفس الآن، السرقة والعصيان المدني، ثم أسقطت تهمة العصيان المدني ليؤاخذ بالسرقة ويحكم عليه بأربع سنوات سجنا نافذا يوم فاتح دجنبر 2011 ؟ لقد أرادوا كسر ظهرنا باعتقال مصطفى والتلويح باعتقالات أخرى، لكنهم أخطأوا التقدير، نحن حتى وإن لم ننتصر فقد ربحنا تلاحمنا واتحادنا كساكنة إميضرية قوية وصامدة، يكفينا أننا سندخل التاريخ من بابه الواسع إلى جانب رموز أخرى من الجنوب الشرقي».
في لقاء الجريدة لمبارك اشطوبان، والد المعتقل مصطفى أشطوبان صرّح قائلا: « نعلم جيدا سبب اعتقال ابني مصطفى، لقد اعتقل باطلا، والحمد لله على كل حال، نهار يتكتب يطلق سراحو غادي يخرج، اتهموه بالسرقة وهي سرقة لم تثبت عليه، السبب الرئيسي هو نشاطه إلى جانب سكان المنطقة وتضامنه ودفاعه عن حقوقهم، أريد أن أقول أننا معتصمون هنا حتى تتحقق مطالبنا، ولن نتراجع أبدا، وحقوقنا هي مشروعة، فلا نطلب باطلا، والحمد لله أن دولتنا هي دولة الحق والقانون».أما والدة مصطفى اشطوبان فحين وصلها خبر اعتقال ابنها ( كما أورد دليلي) صاحت فيمن أبلغها الخبر« كونوا رجالا فالمسؤولون يريدون فكّ المعتصم وزعزعة عزيمتكم بهذا الأمر(تقصد اعتقال ابنها)، ابني وإن اعتقل سوف يطلق سراحه يوما بكل تأكيد، عام، عامان، أربعة، سوف يفرج عنه في نهاية المطاف، الأمر المهم هو ألاّ تتراجعوا أو تضعفوا». إنها رمز المرأة الأمازيغية القوية التي كانت تقف وراء ظهر الرجل في جبال صاغرو وتلهب حماسه بالزغاريد حتى يتقدم إلى ساحة الوغى مثل أسد هصور» .أضاف(ع.ط).
إدارة مناجم إميضر: الرأي الآخر
في زيارتي الثانية لإميضر قصدت شركة مناجم إميضر لأجل الإنصات إلى صوت الإدارة، ونظرا لتسلسل الهيكلة الإدارية وبحكم الاختصاصات، فقد حالتني الإدارة المحلية بإميضر على الإدارة المركزية بالدار البيضاء، هذه الأخيرة أجابت بسعة صدر عن كلّ ما يتعلق بالقضية، فبالنسبة لمطلب التشغيل، ترى الإدارة أنّ المنجم ملتزم باتفاقية مع نقابة(ك.د.ش) التي تعطي الأولوية لتشغيل أبناء العمال بالمنجم، لذلك فلا منصب يمنح خارج معايير هذه الاتفاقية. وما اقتراح الشركة ل20 منصبا إلاّ اتفاق مع المكتب النقابي للنقابة المذكورة، من جهة أخرى فالشركة توفر مناصب شغل موسمية للطلبة المنحدرين من الجماعة( مئات المناصب الموسمية توفرت خلال سنة 2010)، كما أنشأت مقاولتين فرعيتين(مقاولات الباطن) لأجل جلب يد عاملة بنسبة 50% من جماعة إميضر.
بالنسبة لمسألة استغلال المياه، فقد أبرزت دراسة لآثار استغلال الفرشة المائية أنجزت من طرف مكتب مختص مختار من قبل الساكنة أنّ لا علاقة عضوية بين الفرشة المائية وتغذية الخطارات، وأنّ مشكل المياه ناجم مباشرة عن ندرة الأمطار كما تثبت ذلك معطيات وإحصاءات مديرية الأرصاد الجوية ووكالة الحوض المائي، وقد كان متفقا القيام بتتبع دوري ودائم من طرف الشركة والساكنة لحجم تدفق الخطارات، لكن ذلك رفض من طرف السكان.أما مسألة قانونية استغلال المياه بالمنطقة، ترى إدارة الشركة، أنّ لها كل الصلاحيات الضرورية والقانونية وفقا لقانون 10-95 الذي ينظم استغلال الثروات المائية، وقد التزمت في وقت مضى بإنشاء وتجهيز آليات التنقيب والحفر لتغذية برج المياه ، الموجود في جماعة إميضر لكن الساكنة اعترضت ورفضت هذا المشروع لأسباب غير مفهومة. وتشير الشركة أيضا إلى أنها تقوم بعملية تنقيب عن مواقع صالحة لإنشاء سدود تلّية بتعاون مع وكالة الحوض المائي لزيز، كما ستساهم في تزويد المنطقة بالشبكة المائية وتحسينها بتعاون مع المكتب الوطني للماء الصالح للشرب.
في ما يخصّ التلوث البيئي، تؤكد إدارة الشركة أنّ مادة «السيانور» ليست مادة ممنوعة كما يشاع، ذلك أنها تستعمل في كلّ الصناعات المعدنية في العالم أجمع، بل حتى في بعض الدول الأوروبية المعروفة بمتطلباتها الملحة والصارمة في مجال المحافظة على البيئة ( فنلندا والسويد مثلا)، وقد قامت الشركة بأبحاث واستثمارات مهمة لتحسين إجراءات المعالجة لأجل تحسين التدبير البيئي بشكل مستمر، حيث اعتمدت إجراءً يسمى «التعويم» FLOTTATION بغية تقليص حجم المواد والمنتوجات المعالجة ب»السيانور»، فمن قبل كانت نسبة 100% من المنتوجات تعالج بهذه المادة، الآن أصبحت 18% من الحجم الإجمالي هي التي تعالج، أما المياه الناجمة عن مخلفات التصنيع والإنتاج والمعالجة فتجمع في سدود وحواجز مهيأة خصيصا لذلك و»محيّدة « NEUTRALISEES، ويعاد تدويرها RECYCLEES ، وهذه الإجراءات ساهمت أيضا في الاقتصاد المائي.
ترى إدارة المنجم أنّها استجابت بشكل قوي لمعظم ما جاء في الملف المطلبي لساكنة إميضر، ففي آخر اجتماع للحوار في 23 و24 نونبر مع اللجنة المنبثقة من السكان وبحضور السلطات المحلية، التزمت الشركة بالعديد من التدابير لصالح المنطقة منها: دعم مساهماتها من أجل إنشاء بنيات تحتية أساسية ورصدت لذلك غلافا ماليا مهمّا. المساهمة في أعباء التنقل المدرسي بالنسبة للتلاميذ بالإضافة إلى الحافلات الصغيرة الممنوحة لهذا الغرض. المساهمة في توفير اللوازم المدرسية ومنح مساعدة للفتيات المتمدرسات. الاستعداد للمساهمة في إنشاء أقسام في ثانوية إذا وافقت وزارة التربية الوطنية على تشييد الثانوية بالجماعة. بعد كل هذا لا يفهم المتحدث باسم إدارة الشركة لماذا يصرّ السكان المعتصمون على احتجاجاتهم ومواصلة غلق صمّام الماء الرئيسي أعلى جبل ألبّان الذي يزود المنجم، وأيضا منع إنشاء محطة فرعية للكهرباء من أجل مشروع التوسيع بالمنجم، والحفر المائية في المناطق المجاورة للمنجم. ويؤكد المتحدّث أن هذا الأمر الذي يمس حرية عمل الشركة في خرق واضح للقانون، سيتسبب مستقبلا في أضرار للمنجم قد تكون لها انعكاسات سلبية على المنطقة، لذلك يجب على كل الأطراف المعنيّة أن تتحمل مسؤوليتها في هذا الصدد.
عن الآفاق والآمال وأشياء أخرى...
لا يبدو على سكان إميضر أيّ ميل إلى العنف أو التخريب أو عرقلة الأمن أو أيّ شيء من هذا القبيل كما يزعم بعض الناس الذين يعتاشون على الأكاذيب ويقتاتون بالإشاعات لأغراض في نفوسهم، فكلما نظرت في عين «إميضري» يجذبك بريق من الإصرار والقوة والوثوق لا تفارقه طيبة ودماثة وابتسامة صافية أيضا، شباب إميضر على الخصوص هم فتية آمنوا بقضيتهم فزادتهم صلابة وتحديا، ليس هدفهم المواجهة المجانية، تحركاتهم وحساباتهم تخضع لتنظيم محكم وديموقراطي، مطالبهم اجتماعية واقتصادية بالأساس، لا يتفقون مع من يحاول «تسييس» قضيتهم و«أدلجتها»، مستعدون للحوار والتفاوض شريطة التزام الجدية والمسؤولية، وتفعيل الحلول، يقول امحمد أجريد: « لا نرفض الحوار مع أي جهة شرط أن يكون جادا ومسؤولا، يأتي بالحلّ لرفع الضرر والتهميش عن المنطقة»، يضيف: «لدينا أمل في الحكومة الجديدة لحل ملف إميضر بما يرضي الساكنة وينصفها».
وعن آفاق النضال أجاب:« البرنامج النضالي مرتبط بطريقة تعاطي المسؤولين مع الملف، بمعنى أنه لكلّ فعل ردّ فعل مناسب ومتزامن، أشير هنا إلى أنّ قمة الوعي الذي وصلت إليه ساكنة إميضر يتلخص في عبارة (حقوقنا أو الموت دون ذلك)».
سألنا محمد أكراولي(لجنة الإعلام) عن مستوى التضامن مع القضية الإميضرية من قبل الجمعيات والمجتمع المدني، وأيضا عن مستوى الحضور الإعلامي فأجاب: «زارتنا في معتصم ألبان العديد من الإطارات بإقليم تنغير، وأيضا فعاليات جمعوية وسياسية وتربوية معبرين عن تضامنهم الواسع معنا، على المستوى الإعلامي، للأسف لم يزرنا غير مجلة TELQUELو «الاتحاد الاشتراكي» مشكورين، مع العلم أننا اتصلنا بعدة جهات إعلامية مرئية ومسموعة( 2M، الأمازيغية، الأولى، شذا إف إم، راديو دوزيم) الأمازيغية للأسف وصلت حتى مدينة تنغير(على بعد 30 كلم من المعتصم)، ووعدونا بالحضور ولم يفعلوا، كما راسلنا عدة منابر مكتوبة، ولم يحضر أحد إلى عين المكان، الأنكى أنّ بعض الجرائد التي تكتب في دفء الحجرات عمدت إلى نشر معلومات مغلوطة وغير دقيقة من شأنها أن تسيء إلى قضيتنا، مثلا أننا قررنا هجرة المنطقة وجمع البطائق الوطنية وتسليمها للعمالة، وهذا الأمر لم يحدث حتى على مستوى التفكير، وقد أرسلنا بيان حقيقة في هذا الصدد، لكنه لم ينشر للأسف. وكأنني بهذا الذي نشر الخبر أو نطق به لا يعرف الإنسان الأمازيغي وعلاقته بالأرض، لحسن الحظ أنّ هناك بدائل إعلامية تخدم قضيتنا وتعرف بها على نطاق واسع( يقصد الإعلام الإلكتروني من خلال مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والتويتر واليوتوب).
في انتظار أن تعرف قضية إميضر طريقها نحو الحل النهائي في ظلّ أفق سياسي جديد واعد بالانفراج، سيظلّ جبل ألبّان حضنا مفتوحا لساكنة إميضر، من قمته تشرئب الأعناق بعزيمة لا تكلّ وصبر لا ينضب ويقين عميق أنّ المعاناة لا تقصم الظهر فقط كما يعتقد الضعفاء، وإنما تصوغ درعا واقيا لا تخترقه سهام الدهر وعاديات الزمن. فهل من حياة لمن ينادي الإميضريون؟ أم سيكتب عليهم أن يظلوا حاملين ل «جنسية مغربية مع وقف التنفيذ» كما عبّر امحمد أجريد ونحن نقفل باب الحوار وننحدر مع شمس العشيّ استعدادا لمغادرة الجبل...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.