حين قرر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الخروج إلى المعارضة، تأكد من جديد أن الروح النضالية الجامعة لمناضليه لا يمكن إلا أن تعبر عن قدرة أجهزته على تحقيق التجانس في المواقف مع أطروحته الإيديولوجية ومتطلبات الواقع السياسي، أطروحة تؤمن أن الفرد بطبيعته خير بطبعه، يعمل، ينتج، يكتشف، يتقدم، وبذلك فهو لا يستحمل الحواجز التي تعرقل طبيعته. إن الدولة في أدبيات الاتحادي لا يمكن أن تكون إلا محفزة للمبادرات، وموسعة لمجال الحريات، ونابذة للاستبداد بشقيه الثقافي والسياسي، وممهدة لطرق السعي، ومشجعة على الكسب وطلب العلم، وداعمة للاجتهاد والابتكار، ومحافظة على الأمن في الداخل، ومساهمة في ديمومة السلم في الخارج، ومدعمة للمهارات الطبيعية المعترف بها دوليا،... الدولة في تمثلات الاتحادي يجب أن يندثر فيها الفساد والعنف والاستبداد بكل أشكاله، والسطو على خيرات البلاد. إنها الدولة، ذات الأهداف المتناغمة مع أهداف المجتمع، التي تركز على الأخلاق والعقل من أجل استغلال الطبيعة بالشكل الذي يساهم في ديمومة التنمية، وتغليب الفضيلة، وتجسيد السلطة العامة الحقيقية، وتقليص التناقض بين الفضيلة والرذيلة، بين الخير والشر، بين العقل والجسم، بين الشهوة والتعقل، بين المصلحة والقيمة. في اعتقادي، لقد تأكد أن الاتحادي لا يمكن أن يقبل، من باب المسؤولية التاريخية، المشاركة في الحكومة تحت ذريعة «إتمام الإصلاحات» حفاظا على «مصلحة البلاد»، والأمر في عمقه لا يكاد يتجاوز المرور من حالة توافقية معينة إلى وضع توافقي جديد تكون فيه السياسة ناقصة حزبيا وثقافيا. المطلوب اليوم، بالنسبة للإتحاد، وهو في المعارضة رسميا، هو الإنصات للمجتمع بالشكل الذي يمكنه من بلورة الاستراتيجيات الناجعة لمواجهة رواد الفكر الأسطوري ومناهضي مسار تقوية كل أشكال مؤسسات الدولة والمجتمع، ومن ثم تحقيق التوافق المطلوب بين العقل والأخلاق كأساس لتقوية التنسيق بين أهداف الفرد والجماعة مع الدولة العاقلة العقلانية الأخلاقية. ومن أجل ذلك، تقتضي مصلحة البلاد الحرص الدقيق والدائم على تنزيل روح الدستور الجديد وترسيخه في الممارسات المؤسساتية والمجتمعية، وهذا لن يتأتى إلا في حالة عودة الإتحاد الاشتراكي إلى أمجاده النضالية وتصالحه مع قواعده وأبنائه، أمجاد غمرت السجل التاريخي للبلاد بأحداث لا يمكن أن ينساها المغاربة. وأعتقد، أن الحياد الإيجابي للدولة في تدبيرها للاستحقاقات الانتخابية يجب أن يشكل محفزا لتقوية الإرادات الصادقة لتحقيق التراكمات المطلوبة في مجال تخليق الحياة العامة وتقوية الفعل العمومي وتقويمه من خلال توفر البرلمان على معارضة قوية سياسيا وفكريا يقودها حزب القوات الشعبية، معارضة بخاصيات محفزة على التئام الأسرة الاتحادية أولا، وعلى توحيد اليسار والفعاليات الحداثية ثانيا.