استكملت أمس الثلاثاء جولة الإعادة للمرحلة الأولى من الانتخابات التشريعية في مصر، وسط توقعات بتأكيد فوز الإسلاميين الذين حصدوا نحو 60% من أصوات الناخبين خلال الجولة الأولى التي جرت الأسبوع الماضي. وتجري الإعادة في تسع محافظات على 52 مقعدا من المقاعد ال56 التي يتم انتخابها بنظام الدوائر الفردية، بعد أن تم حسم أربعة مقاعد فردية في الجولة الأولى في المرحلة الأولى من أول انتخابات تشريعية مصرية بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع حسني مبارك في 11 فبراير الماضي، لكن الإقبال أمس كان ضعيفا مقارنة بتلك الجولة. ومنذ فتحت مراكز الاقتراع أبوابها في الثامنة من صباح الاثنين، سيطر الهدوء على معظم اللجان التي توزعت على تسع محافظات، وتفاوتت نسب الإقبال ما بين ضئيلة ومتوسطة. وتراوحت أسباب هذا الإحجام بداية مما يراه البعض تلاشي فورة الحماس التي تحلى بها المصريون في أول انتخابات برلمانية تقام بعد الثورة التي أطاحت بالرئيس المخلوع محمد حسني مبارك. ويرى آخرون أن السبب يرجع أساسا إلى اقتصار الاقتراع على مقاعد الفردي دون مقاعد القائمة التي تمثل ثلثيْ مقاعد البرلمان وتم حسمها في المحافظات التسع الأسبوع الماضي. ويبدو أن الإقبال تأثر أيضا بالمنافسة في كثير من الدوائر على مرشحين من التيار الإسلامي، سواء كان التحالف الديمقراطي الذي يقوده حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين) أو حزب النور الذي يقود الأحزاب ذات التوجه السلفي، علما بأن أحد مرشحي السلفيين عزا تراجع الإقبال إلى تزامنه مع يوم عاشوراء الذي يحرص على صيامه كثير من المسلمين، وتوقع أن يتغير الحال في اليوم الثاني والأخير لجولة الإعادة. وفي المقابل، طالب مرشحون آخرون المجلس العسكري الحاكم في البلاد بمنح العاملين في الهيئات الحكومية عطلة رسمية الثلاثاء حتى يتمكنوا من المشاركة في التصويت، بعد أن بدا في اليوم الأول أن عدد المشاركين ربما لا يتجاوز 20% من عدد الناخبين. يذكر أن اللجوء إلى جولة الإعادة على مستوى المقاعد الفردية التي تشكل ثلث مقاعد البرلمان، جاء بعد فشل الغالبية الساحقة من المرشحين في الفوز بأكثر من نصف أصوات الناخبين في دوائرهم، حيث لم يحقق هذا الإنجاز إلا أربعة مرشحين، فيما تأجل الحسم في 27 دائرة انتخابية بها 52 مقعدا يتنافس عليها 104 مرشح . وخاض مرشحو القوى الإسلامية التنافس على 51 من هذه المقاعد، علما بأن 23 منها شهدت اقتصار التنافس على مرشحيْن ينتمي أحدهما لحزب الإخوان والآخر للأحزاب السلفية. وبنهاية اقتراع الاثنين، استمر تبادل الاتهامات بين القوى المختلفة بشأن ارتكاب انتهاكات لكن الأمر كان بصورة أقل مما حدث الأسبوع الماضي، وتركزت هذه الانتهاكات في ممارسة الدعاية أمام لجان الاقتراع وحشد الناخبين للتصويت. كما وقعت بعض المشكلات بسبب رفض عدد من القضاة مشاركة سيدات منقبات في الاقتراع دون كشف وجوههن، خاصة أن اللجنة العليا للانتخابات لم تنفذ ما تعهدت به من توفير سيدة في كل لجنة لمساعدة القاضي في التأكد من هوية المنقبات. من جهة أخرى سادت حالة من الارتباك بسبب صدور عدد من الأحكام القضائية التي تقضي بوقف انتخابات الإعادة في عدة دوائر، بناء على شكاوى من المرشحين الذين يشكو بعضهم من تغيير رمزه الانتخابي، في حين يشكك آخرون في الأجواء التي سادت عملية الفرز في دوائر أخرى. وتركزت أبرز هذه الأحكام -التي صدرت عن محاكم القضاء الإداري- في محافظات القاهرة والإسكندرية وأسيوط، قبل أن يُفاجأ الجميع مساء بحكم من المحكمة الإدارية العليا يؤيد حكما صدر أول أمس ببطلان انتخابات الدائرة الأولى في القاهرة ومقرها قسم شرطة «الساحل»، وهو حكم نهائي لا يجوز الطعن فيه. وكانت اللجنة العليا للانتخابات قد تجاهلت الأحكام القضائية التي صدرت في اليومين الماضيين عن القضاء الإداري ببطلان الانتخابات ووقفها في بعض الدوائر، وبرر رئيس اللجنة المستشار عبد المعز إبراهيم ذلك بأنه في انتظار كلمة الفصل من المحكمة الإدارية العليا التي تنظر الطعون وسيتم الالتزام بأي حكم يصدر عنها. وتشهد جولة الإعادة منافسة حامية بين الحزبين الإسلاميين الرئيسيين، وهما حزب الحرية والعدالة الواجهة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين الذي يتنافس مرشحوه على 47 مقعدا، وحزب النور السلفي الذي يخوضها ب26 مرشحا، مما يعني أن هذا العدد الأخير من المقاعد سيكون محسوما سلفا للإسلاميين. كما ينافس مرشحو التيار الليبرالي الذي يشارك في الانتخابات من خلال ستة أحزاب وتحالفات متنافسة حصلت مجتمعة على 29% من أصوات الناخبين. وحتى إغلاق صناديق الاقتراع في الساعة السابعة مساء أؤل أمس بالتوقيت المحلي لم ترد شكاوى من انتهاكات تذكر خلال عمليات الاقتراع، إلا أن العديد من المرشحين تقدموا بطعون في نتائج الجولة الأولى للانتخابات سواء لأخطاء في الإجراءات أو في احتساب الأصوات، وقضت محاكم القضاء الإداري بوقف إعلان النتائج ووقف انتخابات الجولة الثانية في أكثر من دائرة. إلا أن اللجنة العليا للانتخابات قالت إنه لم يتم إبلاغها رسميا بهذه الأحكام وقررت الاستمرار في إجراء الانتخابات في جميع الدوائر. وتجري انتخابات مجلس الشعب المصري على ثلاث مراحل تشمل كل منها تسع محافظات، وفقا لنظام انتخابي معقد يخصص 70% من المقاعد للقوائم النسبية، و30% للانتخابات بنظام الدوائر الفردية. وستبدأ المرحلة الثانية للانتخابات في 14 دجنبر الحالي، ثم تجرى المرحلة الثالثة مطلع الشهر التالي لتعلن النتائج النهائية في منتصف يناير المقبل. ولم تتضح بعد طبيعة التحالفات السياسية التي ستسعى إلى إبرامها جماعة الإخوان وهي القوة السياسية الأكثر تنظيما في مصر. كما لا يزال الثقل الحقيقي لحزب النور في مجلس الشعب المقبل مجهولا، إذ يتوقع بعض المحللين أن يحسن نتائجه في المرحلتين الثانية والثالثة للانتخابات التي تشمل محافظات يتمتع فيها بوجود كبير خصوصا في دلتا النيل، ومرسى مطروح (شمال غرب البلاد). ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن رئيس حزب النور عماد عبد الغفور قوله أول أمس إنه لا يستبعد التحالف بين حزبه وجماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة لتكوين تحالف برلماني أو حكومي، على أن يتم ذلك في إطار ائتلاف وطني موسع، وليس إسلاميا محضا. وأكد أن «وجود تحالفات إسلامية محضة هو أمر سيزيد من انقسام الشعب المصري، وضد مصلحة الأمة». من جهته قال رئيس حزب الحرية والعدالة محمد مرسي إن الحديث عن التحالفات السياسية داخل البرلمان المقبل أو تشكيل ائتلاف حكومي لا يزال سابقا لأوانه، نافيا وجود صراع مع المجلس العسكري حول صلاحيات تشكيل الحكومة. وتأتي جولة الإعادة فيما يواصل رئيس الوزراء المكلف كمال الجنزوري مشاوراته لاختيار أعضاء حكومته، بينما يجري المجلس العسكري الممسك بالسلطة منذ سقوط مبارك مشاورات لتشكيل مجلس استشاري يضم شخصيات من مختلف الاتجاهات ليساهم في وضع السياسات خلال الفترة الانتقالية التي يفترض أن تنتهي بانتخاب رئيس الجمهورية في موعد لا يتجاوز 30 يونيو المقبل. على الصعيد الدبلوماسي رحبت فرنسا ب»الانتخابات الحرة والنزيهة» التي جرت في مصر، متجنبة التعليق على التقدم الذي سجله الإسلاميون. وقال رومان نادال مساعد المتحدث باسم الخارجية الفرنسية في مؤتمر صحفي «نرحب بالمشاركة الكبيرة للمصريين في العمليات الانتخابية التي جرت بشكل حر ونزيه وبهدوء، حسب منظمات غير حكومية متخصصة في مراقبة الانتخابات». واعتبر المتحدث أن «المشاركة الكبيرة للمواطنين في انتخابات حرة ونزيهة هي الرد الأفضل الذي يمكن أن تقدمه أمة لمواجهة ضرورات التحول والتحديات الدولية».