تزامن إجراء انتخابات 25 نونبر مع انتخابين آخرين، في كل من تونس ومصر. وتبين من الملاحظة والمتابعة الإعلامية أن الإقبال في الحالتين الأخيرتين ؛كان فوق المتوقع ، بل كان ظاهرة حقيقية في التصويت في هذين البلدين. ويكشف جزء من التفسير أن العملية مراتبطة أساسا بشعور المواطنين في تونس ومصر أنهم يصوتون لأول مرة باطمئنان كبير بأن لصوتهم.. صوتا ومعنى، وأنه لا أحد يعرف مسبقا من هو الفائز ونسبة الفوز. كما أن التونسيين والمصريين، حسب هذا الرأي، يتملكهم الشعور بالبداية. في البدء كانت الكلمة للشعب ، ثم سلبت منه من طرف أحزاب إدارية مصنوعة في مطبخ الأنظمة، فأعلن الشعب العصيان وبقي يتفرج. كما يرى جزء من المحللين أن الأمر يتعلق بعودة المعنى الى السياسة والشعور بأن التأثيرات الجانبية من مال وضغوط، غير حاضرة في هذا الاقتراع. قد نسلم بما يقوله الفقهاء بأنه لا قياس مع وجود الفارق، وبالتالي نعفي أنفسنا من مقارنة ما حدث يوم 25 نونبر في بلادنا وبين التصويت في البلدين الآخرين. فهذا تصويت بعد ثورتين ، وهنا تصويت بلا ثورة ولا انتفاضات، هناك تصويت لإعطاء شرعية للنظامين الجديدين، وهنا تصويت لإعطاء شرعية ديموقراطية للمتنافسين، في حين أن النظام قائم ولا يحتاج إلى إثبات شرعية. وهناك أيضا عناصر أخرى قد تدفع الى إسقاط المقارنة من فهم ما جرى في البلاد، لكن الحقيقة أن انتخابات المغرب، بالرغم من الطفرة الكمية والنوعية المشهودة والإنجاز التاريخي ، حيث أوفت بلادنا بعهدها، بإقامة انتخابات ديموقراطية فعلية، فإن نسبة المشاركة لم تكن بالحجم الذي توقعناه جميعا. وعدم التوافد بشكل كبير يعادل أو يضاهي ما عشناه في اقتراعات أخرى، قد يكون مقدمة للشك، ولعل النسبة التي اختفت يوم الاقتراع هي أكبر صوت أو تصويت، في الحالة الراهنة مع كل الرهانات السياسية والتاريخية التي يعيشها المغرب اليوم. لقد كان العزوف النسبي ، الى جانب التصويت الكبير على حزب العدالة والتنمية ، من أهم مميزات الاقتراع العام للجمعة الماضية، يضاف إليه ، أيضا الاستعمال الكثيف للمال. فقد تبين أن المال لم يندحر في هذه المعركة ، بل ما زال قادرا على صنع جزء من »الشرعية» أو اللاشرعية في الانتخابات ، والمؤسسات. لقد فاقت المبالغ ما كان متصورا في بعض الدوائر، حيث لم تعد خيالية، بل أصبحت من شدة واقعيتها ، مبالغ حمقاء، وهو ما يعني بأننا لم نقطع دابر الفساد الانتخابي، وأننا سنجر هذه الآفة لزمن سياسي آخر.