تماشيا مع مشروع الاحتراف، الذي تنشده الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، تقرر أن يتم إحداث مراكز للتكوين خاصة بالفرق الوطنية، والتي ستصبح في القريب العاجل من الشروط اللازمة للحصول على رخصة الممارسة بالبطولة الاحترافية، بالنظر إلى أهمية جانب التأهيل الأكاديمي في كرة القدم الحديثة. ففي السابق كانت المواهب تتربى في «الحواري» والأزقة، قبل أن تلتحق بالفرق المغربية متى ترصدتها عيونها التقنية، لأن ميزانية التكوين لم تكن متوفرة في ظل العوز المادي الذي كان يكبل كرة القدم الوطنية، التي عاشت عقوداً من العشوائية ومن غياب الفكر العلمي والاهتمام بتطوير المواهب وقطاعات الناشئين. وفي السنوات القليلة الماضية تم الانتباه إلى هذا الفراغ، الذي بات يهدد مستقبل كرة القدم الوطنية، خاصة في ظل الزحف الإسمنتي وانقراض الفضاءات الخاصة بالممارسة في الأحياء، فكان الرهان على الأساليب العلمية الحديثة في التكوين، وكان فريقا الرجاء و الجيش الملكي من أول الفرق المغربية التي قررت الانخراط في السياسة العصرية، بإحداث مركزين خاصين بهما، وتوفير إمكانيات بشرية وتقنية لتأطير الممارسين الصغار، وبعدهما تم إنشاء أكاديمية محمد السادس، التي فتحت أبوابها في وجه المواهب، سيرا على النموذج الفرنسي، باعتبار أن المشرف عليها، ناصر لارغيت، عمل في العديد من مراكز التكوين الفرنسية. هذه الأكاديمية تعاقدت مع ذوي الخبرات الكبيرة للعمل على إعداد استراتيجية مستقبلية، دفعت الكثير من الأندية الوطنية، وحتى الجامعة، إلى إعادة النظر في سياستها المتعلقة بالتكوين، فجاءت الاتفاقية مع وزارة الشباب والرياضة، ضمن برنامج تأهيل كرة القدم الوطنية، من أجل إنشاء مراكز للتكوين، ووضعها رهن إشارة الفرق، التي أقبلت هذا الموسم على عهد الاحتراف. لكن في المقابل سلطت عملية التهجير السري لنزلاء مركز تكوين فريق الرجاء البيضاوي الضوء على ظاهرة الحماية القانونية لحقوق الأندية في ممارسيها الصغار، الذين باتوا يتعرضون لإغراءات مالية كبرى من دول الخليج، وخاصة دولة قطر، التي «اختطفت» هؤلاء الشبان، الذين عجزوا عن الصمود في وجه أموالها. ويعتبر رئيس الرجاء، عبد السلام حنات، أن القضية أكبر من فريقه، وتهم السياسة الكروية العامة، لأن هؤلاء الشبان من خيرة لاعبي الفريق الأخضر، وهم لاعبون بمنتخبي الشبان والفتيان، وبالتالي فإن الخسارة عامة، وينبغي التصدي لها من طرف الجميع. الأكيد أن النيابة العامة تحركت، وبادرت إلى فتح تحقيق بناء على شكاية الرجاء ضد مجهول، لكن المطلوب هو إيجاد صيغة مثلى لتحصين هؤلا الصغار من مغريات أموال البترول، وضمان حقوق الأندية، التي عاشت في السنوات الماضية هجرة «قانونية» للعديد من لاعبيها، دون ترخيص من فرقها، التي كانت تتخبط في عشوائية الهواية. إن نهج سياسة التكوين، ووفق المناهج العلمية الحديثة، بات خيارا لا محيد عنه بالنسبة لكرة القدم الوطنية، للقطع مع ظاهرة الانتدابات الإفريقية، التي تبقى في أغلب الأحيان دون التطلعات، مع بعض الاستثناءات القليلة، وأيضا لترشيد النفقات، لأن البحث عن اللاعب الجاهز والقادر على خلق الإضافة يتطلب مبالغ مالية كبرى. وفي المقابل، تتعالى مجموعة من الأصوات المطالبة بتغيير بعض العقليات لطريقتها في التعامل مع الممارسين الصغار، وهنا أستحضر ما قاله المدرب امحمد فاخر في حوار سابق مع الجريدة، حيث أكد أن العديد من مراكز التكوين الحالية مجرد بنايات، صالحة لأي شيء عدا تكوين لاعبين لكرة القدم. في هذا الملف نستعرض بعض التجارب لفرق مغربية انخرطت في سياسة التكوين الأكاديمي لصغارها، والرهانات المرتقبة، في انتظار انخراط باقي الفرق الأخرى، ومن بينها الوداد البيضاوي، التي تراهن على وفاء وزارة الشباب والرياضة بالتزاماتها.