في أجواء الخريف البلجيكي الذي تنتعش فيه الحركة الثقافية، وعلى وقع أصداء الربيع العربي في المهجر، يعرف قصر الفنون الجميلة ببروكسيل ودار الصحافة بأنفرس، عروضاً مسرحية وموسيقية تعكس بعض صور الثقافة العربية المعاصرة في أوربا، يقدمها فنانون ومثقفون أوروبيون عرب ما بين 12 و26 نونبر تحت مظلة «موسم». وهو مشروع ثقافي سنوي انطلق قبل 11 سنة في كل من مدينتي بروكسيل وأنفرس، حاملاً لافتة «مركز الفنون المتنقل» (في إستيحاء من البدو الرحل)، لتقديم ثقافة العالم العربي مشرقاً ومغرباً في حلة فنية رفيعة، ولفتح أبواب الثقافة واسعاً أمام الجمهور البلجيكي والعربي، بمضمونها التقدمي وشكلها المبدع، وبرؤية فنية عريضة وانتقائية تبحث عن الجدّة في الإبداع، بصوره المتراوحة بين الأدب والشعر والغناء والموسيقى والمسرح، في تثقيف وفرجة ومتعة، عبر إنتاجات مشتركة بلجيكية عربية. يعود هذا المشروع في عامه العاشر هذا، في برنامج طموح مشجع، ليفتح آفاقاً أوسع أمام الفنانين العرب المقيمين في مختلف دول أوربا، بدعم من القسم الثقافي التابع لمفوضية الاتحاد الأوربي، وليطل أساساً من على خشبة المسرح، بشكل فيه أكثر من تجديد، خاصة بتركيزه على الرقص المسرحي، واتساع الرقعة الجغرافية التي تحتضن الفنانين المشاركين، لتمتد إلى هولندة وفرنسا وانجلترة والدانمرك. والواقع أن باقة الفنانين المشاركين في دورة «موسم» هذا العام أكثر من مثيرة. حيث يجتمع فيها ثلة من الفنانين العالميين من ختلف المشارب. فهناك تصميم رقص تقدمه الجزائرية نصيرة بلعزة، والتونسية هالة فطومي وكلاهما فرنسيتان. كما أن هناك تعبيرات وتشخيصات مسرحية يعرضها العراقي مهند رشيد والمغربي توفيق إزيديو، إضافة إلى المسرحي المغربي البلجيكي عبد المالك قاضي الذي يساهم رفقة مصممة الرقص المغربية مريم الجزولي. على خشبة مسرح «موسم» يصعد أيضاً حسن خيون، دريد عباس وعمار البوجراد وهم ثلاثة شباب عراقيين من النجوم الفنية الصاعدة الذين ينجزون مشاريعهم الأولى في إطار موسم. الفن الموسيقي الغنائي لم يغب عن طبعة «موسم» الحادية عشرة، بل سجل حضوراً متميزاً سواء بتعبيره التقليدي أم المتجدد. فهناك فرقة «عائلة أسد» الموسيقية البرازيلية من أصول لبنانية، وعميد الأغنية المغربية عبد الوهاب الدكالي وعازف العود العراقي الفنان نصير شمة بمرافقة العازف العراقي المقيم ببلجيكا أنور أبو دراغ. كما أن هناك فريق «التحالف الغنائي»، وهو ثمرة تعاون موسيقي بين فناني هيب هوب عرب ومجموعة الروك المغربية «هوسة»، مما يتيح فرصة الصعود أمام شباب عربي موهوب من الدارالبيضاء وعمان والجزائر وبيروت. على هامش الندوة الصحفية التي نظمت قبل افتتاح العروض، التقينا بمدير المشروع الثقافي الجديد محمد إيقوبعان، فكان هذا الحوار: } ما تعريفك لمشروع موسم هذا العام؟ إنها طبعة ثقافية أخرى لمشروع موسم الذي ننجزه منذ عشر سنوات، تتميز أولاً بطابعها الأوربي وكونها تحمل اسم moussem.ue ، مما يعطيها بعداً أوربيا وما يعني ذلك من إتاحة فرص أكبر أمام الفنانين الأوربيين من أصل عربي أو الفنانين العرب المقيمين بأوربا، ومساعدتهم في نشاطهم سواء على مستوى الإنتاج أو التوزيع، وخلق شبكة تواصل بينهم، وإقامة حوار بين الفعاليات الثقافية المتواجدة على الساحة الأوربية على اختلافها. } أعمال «موسم» في السابق كانت دائماً تحت شعار خلق فضاء للفنانين من أصل مغاربي أو عربي فما الجديد في الموسم الأوربي؟ الجديد هو أننا وسعنا المجال الثقافي والجغرافي ليصل إلى عواصم أوربية أخرى. فبعدما كان نشاطنا مقتصراً على أجواء أنتفربن ثم بروكسيل، يتوسع اليوم ليشمل كلاً من ليفربول وستوكهولم وأمستردام وباريس، مع أمل توسيع الشبكة إلى دول أوربية أخرى. } ما برنامج المشروع الجديد وما هي مكوناته؟ إنه مشروع إنتاجات فنانين ستقدم لأول مرة في أنتفربن وبروكسيل ، على أن يتم توزيعها في مدن أوربية أخرى. وعلى رأس هذه الإنتاجات عروض تقدم في بلجيكا وسيقدم بعضها في مهرجان المسرح المقبل في مدينة آفينيون. } في مقدمة البرنامج نجد عروضاً مسرحية متميزة عن مألوف المسرح العربي... نعم، هناك عرض مسرحي راقص، من إنتاج صبري سعد الهمص، وهو فنان مسرحي هولندي من أصل مصري أو مسرحي مصري مقيم في هولندة، يعمل مع فرقة مسرحية في القاهرة. ويقدم في إطار «موسم» عملاً مسرحياً مستوحى من نصوص الكاتب المسرحي اليوناني سوفوكليس عن أوديب ، يخلق فيه حواراً بين الممثلين المصريين ومسرحيين هولنديين، من خلال اعتماده ً على الترجمة والمقاربة، مثيراً الجدل بين صيغة العمل المسرحي القديم والمعروف عالمياً، وحلته المصرية الجديدة...في إشارة إلى أن رواية أوديب مبنية على قصة مصرية تروى عن أخناتون. وسيقدم هذا العمل على الصعيد الأوربي باللغة الانجليزية. وهناك أيضاً المونولوغ والحوار الثنائي من إنجاز فنانين مسرحيين عراقيين يشتغلان مع مشروع «موسم» كضيوف في إطار التعاون التشجيعي المؤقت لمدة سنة. وقد تلقيا تكوينهما الفني في العراق، قبل أن تجبرهما الحرب على اللجوء السياسي إلى أوربا. وسيقدمان في هذا المشروع عملين لهما علاقة بتجربتهما ومعاناتهما منذ حرب1979 وهو عمل ينبني على ظروف عودة الخميني إلى إيران ثم الحرب الإيرانية العراقية وحكم صدام. ويحمل عملهما المسرحي عنوان «سيناريو الحب» متحدثاً عن الحرب الأخيرة التي شنها الأمريكيون والحلفاء على العراق، من خلال علاقة بين جندي على جبهة القتال وزوجة تنتظر عودته في البيت. } وماذا عن الرقص الموسيقي الذي لا يستبعد الدين؟ هناك ناصرة بالعزة، وهي مصممة رقص فرنسية من أصل جزائري (جزائرية مقيمة بفرنسا) تهدف في عروضها إلى خلق لغة فنية جديدة للفن المعاصر، منطلقة من الحركة التي يبعثها الرقص الروحي الذي تعرفه الفرق الصوفية مثلاً. وفعلاً فهذه الفنانة تنطلق من الإرث الإسلامي لإنتاج فن معاصر، معلنة اعتزازها بهويتها المسلمة، معتبرة أن ذلك لا يتعارض مع اعتمادها على الإبداع. وهي بذلك تضيف طابعاً جديدا إلى الرقص المعاصر في أوربا. } هل ساهم طاقم «موسم» نفسه في إنتاج ما يقدم للجمهور 2011؟ نعم. هناك عمل مسرحي سيقدمه المخرج المغربي عبد المالك قادة المقيم ببلجيكا والذي أنجز وساهم في إنجاز أعمال مسرحية كثيرة،عاملاً مع فرق بلجيكية فلامانية على الخصوص.. وسيقدم في هذا الإطار عملاً يعتمد فيه على نص الكاتب السينمائي الإيطالي بازوليني على إيقاع موسيقى شوبيرت، بتعاون مع مريم الجزولي، مصممة الرقص المغربية المقيمة بالدارالبيضاء. ويحمل هذا العمل عنوان «من أنا؟» } بفهم من هذا أن موسم الذي عودنا على الموسيقى، يعتمد هذا العام أساساً على المسرح بصورة الرقص الفني. هل هو خيار أم هو فن الممكن؟ بصراحة، تقديم عروض الموسيقى والغناء مسألة سهلة نسبياً. ولنا تجربة في هذا الميدان كما تعرف. لكننا تخصصنا في المسرح والرقص المعاصر، وهما فنان يجري بينهما حوار. ويجري فيهما حوار مع «الآخر» (المشاهد). مما يجعل منهما وسيلة فنيى ذات خصوصية . وبالمناسبة أخبرك أننا بصدد إدخال الأدب والشعر والفنون التشكيلية في برنامج موسم العام المقبل. } اعتمدتم في تنظيم وتمويل أنشطتكم السنوية السابقة، على هيآت فلامانية بلجيكية، غير أنكم أنجزتم مشروع هذا العام «موسم أوربا»، مع مفوضية الاتحاد الأوربي. فكيف كان التعاون على هذا الصعيد؟ يمكن أن أقول إنه كان من أسهل ما يكون، رغم صعوبة طبيعية ظاهرة. فعلى عكس ما تعودناه من تساهل في تعامل البلديات والسلطات المحلية معنا،تطلب الأمر منا مجهوداً كبيراً لتحضير المشروع وتهيئة الملفات لمواجهة الجدية والانضباط والصرامة التي يتسم بها تعامل هيآت الاتحاد الأوربي مع شركائه. } فالمشروع إذن، عمل مشترك بين «موسم» والاتحاد الاوربي؟ نعم، بمعنى أن الاتحاد الأوربي يمولّل 50 بالمئة من تكاليف المشروع في حين يقوم «موسم» بتوفير الباقي عبر هيآت ومؤسسات أخرى. وعلى هذا يعتبر الاتحاد الأوبي نفسه شريكاً في مشروع moussem.ue وليس ممولاً. ولهذا ينتدب مسؤولة ثقافية للمساهمة في تحضير برنامجنا والمشاركة في مؤتمرنا الصحافي وعروضنا، لتقييم المشروع ككل، ولمساعدتنا على إنجازه. } ما حدود وأبعاد تدخل المفوضية الأوربية في المشروع والحالة هذه؟ نصائح؟ اقتراحات؟ مراقبة؟ فرض اتجاه وتوجيه؟ في أوربا يا صديقي نحن لا نعرف ولا نقبل تدخلاً خارجياً في المجال الثقافي، فحرية التعبير هنا شبه مقدسة. كل ما في الأمر أنه يجب تقديم ملف يتضمن الجانب المالي من المشروع أي جرد التكاليف، على أن تقوم بدراسته لجنة مستقلة مكونة من ثلاثة أعضاء لا ينتمي أي منهم لدولة الجهة التي تقدم المشروع، وتخلص إلى إعطاء المشروع المقدم نقطة تقييم، كما يحدث في تصحيح نسخ الامتحانات. ولقد قدمت للمفوضية هذا العام 280 ملفاً حصل الملف المتعلق بمشروع «موسم» على 9 نقاط من عشرة. } لاحظت في مطبوع الإعلان عن نشاط هذا المشروع، وجود جملة تقول «المفوضية تتحفظ من مضمون المشروع» فماذا يعني هذا أنها لا تتحمل أي مسؤولية رغم شراكتها؟ هل في الأمر حرية مطلقة من جانبكم أم تملص من جانب المفوضية؟ إنه نوع من الحرية التي يتمتع بها المشروع. فنحن لسنا بحضرة حكومات تملي علينا ما يجب أن نفعله وما لا يجب. فالمفوضية الأوربية تموّل المشروع الثقافي حسب جودته ومهنيته، دون أن يكون لها موقف بشأن المضمون، ودون أن تتدخل فيه بأي رأي إيجابياً كان أم سلبياً، إذ أن ذلك من شأن الفنان والهيأة التي تقدم المشروع لا غير. بمعنى أن مواقف الهيأة الثقافية وحق الفنان في التعبير عناصر لا يؤثر فيها التمويل الأوربي... وهذا يعني أنه من حقنا وببإمكاننا أن نأخذ موقفاً معادياً لدول الاتحاد الأوربي دون أن يمس ذلك مشاركته لنا في المشروع.