لقد أصبح الواقع يفاجئنا باستمرار، بمدى التطور الذي حققته أساليب النصب ، وتقنيات السطو على أرزاق الناس، مما أصبح يثير إحساس التوجس والامتعاض، كلما تداولت الألسن أخبارا حول بعض هذه النوازل ، لاسيما حين يلاحظ المرء أن هذه الأيادي الماكرة ، قد أصبحت تطال مصادر أرزاق الناس في منابعها العميقة ، عبر أروقة وزارة المالية ودواليب مصالح التأجير ، كما حدث مؤخرا للسيد الأمين الخمار ، الأستاذ بثانوية عمر بن الخطاب التأهيلية بمكناس ، حيث تفاجأ عند أواخر شهر غشت 2011 باقتطاع من مرتبه بمبلغ 7203.38 درهما ، فبادر بالاتصال بمختلف الجهات ذات الصلة ، بداية من مصلحة الموارد البشرية التابعة لوزارة التربية الوطنية بالرباط ، التي أخبره مسؤولوها بأن أمر الاقتطاع يتعلق بقرض سبق له أن أخذه من شركة السلف الشعبي ، لكن عند اتصاله بإدارة هذه الشركة بالرباط ، سلموه وثيقة تثبت أنه غير مدين لها بأي مبلغ ، مما فاجأ مسؤول مصلحة الموارد البشرية، الذي أحاله هذه المرة على الخزينة العامة حيث طالبوه بكتابة طلب في الموضوع ، من أجل القيام بالتحريات اللازمة والاتصال به فيما بعد ، لكن الاتصال الأسبق ، هو الذي ورد عليه من إدارة شركة السلف الشعبي بالبيضاء،حيث طلبت منه الاتصال بمصلحة الشركة بفاس ،إلا أن أحد مسؤولي هذه المصلحة هو الذي بادر بالاتصال المباشر به بمدينة مكناس، حيث أخبره بأن عملية القرض تمت بمصلحة الشركة بفاس ، وأطلعه على ملف يحمل مجموعة من الوثائق، من ضمنها بطاقة تعريف طالب القرض، التي مكننا السيد الأمين الخمار من صورتها طبق الأصل، بعد أن تمكن من الحصول عليها، ويتأكد فعلا من خلال المقارنة بين بطاقته الشخصية وهذه الصورة، أنها لا تحمل من هويته سوى اسمه العائلي والشخصي، أما بقية المعطيات: كرقم البطاقة ورمزها وتاريخ الازدياد ومكان الإقامة وصورة صاحب البطاقة، فكلها مغايرة، ومن ضمن وثائق هذا الملف التي لم يتمكن من الحصول عليها، يضيف السيد الأمين، يوجد بيان التزامات، يتضمن بدوره معطيات مطابقة لوضعيته وأخرى مغايرة ، زيادة على فاتورة للكهرباء ، تحمل عنوانا بمدينة سيدي قاسم ، بينما تحمل بطاقة التعريف المتضمة بالملف عنوانا بمدينة إمزار كندر، والوثيقة الوحيدة السليمة بهذا الملف، هي بيان الحساب البنكي لشهر يونيه 2011 . وبموازاة مع هذه المستجدات، توصل المعني بمراسلة مؤرخة بيوم 03 أكتوبر 2011 صادرة من طرف الخازن الرئيسي المكلف بالمركز الوطني للمعالجات، بمثابة الجواب عن الطلب الذي كان قد تقدم به بتاريخ : 09 / 09 / 2011 يخبره بأنه قد راسل شركة السلف الشعبي في شأن الاقتطاع المنجز على راتبه ، ووافته بنسخة من الترخيص بالاقتطاع موقعة ومصادق عليها من طرف السلطات المحلية، ويتضح من خلال الاطلاع على هذه الوثيقة، أنها تحمل بدورها إسم الأمين الخمار، لكنها تحمل رقما ورمزا مخالفين لرقم ورمز بطاقته الشخصية، كما توضح هذه الوثيقة أن سبب الاقتطاع يتعلق بقرض تبلغ قيمته 300000.00 ده يتم استرجاعه وفق حصة شهرية بمبلغ: 7203.38 لمدة ستين شهرا مع فوائد بنسبة: 9 في المائة ، وبذلك يصبح المبلغ الإجمالي للدين مع الفوائد هو : 432202.80 درهما . ويصرح السيد الأمين، أن أحد مسؤولي المفتشية العامة للسلف الشعبي بالبيضاء، قد اتصل به وأكد له أن الشركة بدورها ضحية نصب، وهي تمارس التحريات اللازمة، وستقوم برفع الحجز عن راتبه مع تعويض ما تم اقتطاعه، لكنه لم يحدد تاريخا معينا، مما جعله يراسل مصلحة السلف الشعبي بفاس ، مطالبا إياها بأن تسلمه جدول تسديد الدين، أو تمكنه من وثيقة تثبت خلو ذمته منه، لكن مسؤول المصلحة رفض الأمرين معا، مما جعل المعني يرفع شكاية إلى السيد وكيل الملك لدى ابتدائية فاس، يطلب اتخاذ الإجراءات اللازمة لإنصافه مما تعرض له. والجدير بالإشارة ، أن ثلاثة أساتذة آخرين من ثانوية عمر بن الخطاب بمكناس، وهي التي يعمل فيها الأستاذ الأمين الخمار، قد تعرضوا لمحاولات نصب على أجورهم، لكن تدخل جهات أمنية وبنكية، أفضت إلى قبر هذه المحاولات قبل سريان مفعولها، كما أن هناك مؤسسات تعليمية أخرى بالمدينة قد تعرض بعض أطرها لمثل هذه العمليات، كما حدث لإحدى الأستاذات بثانوية مولاي حفيظ، التي لم تتمكن من استرجاع المبالغ المقتطعة من راتبها إلا بعد جهد ومشقة . ولعل تكرار مثل هذه العمليات والمحاولات النصبية، وانتشار أخبارها وتفاصيلها بين الناس بالمدينة ، قد جعل الكثيرين يتوجسون خيفة من أن تطال أمثال هذه الأيادي الزئبقية أجورهم، وهو ما عبر عنه الأساتذة العاملون بثانوية عمر بن الخطاب التأهيلية بالملموس، حين نظموا وقفة احتجاجية لمدة ساعة واحدة خلال يوم: 12 أكتوبر 2011 مصحوبة بتوجيه مراسلة موقعة من طرف 92 أستاذا، إلى مجموعة من الجهات المعنية (وزارات: التربية الوطنية، العدل، الداخلية، الاقتصاد والمالية، والوزارة الأولى) حيث عبروا من خلال هذه المراسلة، عن تضامنهم مع زميلهم الأمين الخمار، ومطالبتهم بإرجاع حقوقه، والضرب بكل قوة على أيدي المتورطين في هذه العملية، مع إبداء تخوفهم من «سقوط ضحايا جدد» إذا لم تحسم الأمور بالجدية والصرامة المطلوبتين.