خرجت ليبيا من حربها الأهلية الأخيرة التي تمخضت عن زوال نظام العقيد معمر القذافي ولديها أكثر من 300 ميليشيا ودون أن يتم التوصل إلى إجماع سياسي بخصوص تشكيل جيش وطني، وهو ما أثار مخاوف من أن يترسخ وجود الجماعات غير النظامية المدججة بالسلاح وأن تُشكِّل تحدياً على المدى البعيد للمسؤولين، وفقاً لما نقلته صحيفة واشنطن بوست الأميركيّة عن مسؤولين في طرابلس. وبينما تم انتخاب عبد الرحيم الكيب، يوم الاثنين، رئيساً لحكومة مؤقتة في ليبيا، فإن المسلحين الذين فازوا بالحرب التي استمرت على مدار 8 أشهر قد أعلنوا بوضوح أنهم لن يرضخوا بخنوع للسلطات المدنية الجديدة. وأوردت الصحيفة في هذا الشأن عن أنيس شريف، متحدث باسم عبد الحكيم بلحاج، هذا الشخص الإسلامي الذي ينظر إليه على أنه قائد لإحدى الميليشيات المهيمنة في طرابلس، قوله :« تأسيس جيش جديد لن يتم ببيان رسمي أو بقرار. بل لابد أن يتم بعد مفاوضات». وشدد دبلوماسيون، في المقابل، على أن كبح جماح الميليشيات أمر حاسم لاستعادة النظام بعد انتهاء القتال بين الثوار الذين كانوا يلقون الدعم من الناتو وبين المواليين للعقيد القذافي. كما أعلن الناتو رسمياً انتهاء مهماته في ليبيا مساء أول أمس ، وقد منح بالتالي البلاد المسؤولية الكاملة فيما يتعلق بالأوضاع الأمنية مستقبلاً. ورغم أن المقاتلين مازالوا يعيشون أجواءً احتفاليةً منذ انتهاء الحرب، إلا أن العديد من المواجهات التي وقعت بين الميليشيات المتنافسة قد هددت بحدوث تصعيد في أعمال العنف، بما في ذلك ما حدث في مطار طرابلس يوم الاثنين. وقال مسؤول غربي في طرابلس، لم تسمه الصحيفة: «الخطر هو أن هناك رجالاً عائدين من المعركة، تهيمن عليهم مشاعر الملل وإحساس جديد بالهوية الإقليمية والفخر الشخصي». وأشار هذا المسؤول كذلك إلى أن قادة الجيش والميليشيات يدركون الحاجة لتسريح أو دمج المقاتلين في الأجهزة الأمنية، موضحاً أن المهم هنا هي الموافقة على خطة لتحقيق ذلك والإقدام كذلك على تنفيذها. ثم لفتت واشنطن بوست من جهتها إلى أن جهود إعادة إطلاق الجيش قد تعثرت نتيجة لضعف الحكومة المركزية والتناحر بين الثوار. وعاود شريف ليقول إن أحد أهم أهداف المجلس الوطني الانتقالي هو تجنب حدوث فراغ سياسي في البلاد، وتابع «لقد فشلوا تماماً في تلك الجزئية»، منوهاً في هذا الصدد إلى أن كثير من أعضاء المجلس ظلوا في مدينة بنغازي الواقعة شرق البلاد، معقل الثورة، بعد أن تم طرد قوات القذافي من طرابلس في غشت الماضي. وأضاف: «حيث تركوا العاصمة في حالة فراغ سياسي، وحينها قررت بعض الميليشيات من مناطق أخرى أن تنتقل إلى هناك وتقدم كذلك على إقامة معسكرات». وقال مسؤولون أيضاً إن المقاتلين الإسلاميين اختلفوا مع الثوار الذين كانوا ينتمون للجيش الوطني بشأن من يجب أن يقود قوات ليبيا المسلحة الجديدة، وهو ما جعل منصب القيادة شاغراً. كما فوجئ الرجل الثاني للجيش، نائب رئيس هيئة الأركان، سليمان محمود العبيدي، الشهر الماضي، حينما قامت ميليشيا من منطقة زيلتان، الواقعة غرب البلاد، بفرض سيطرتها على قاعدته الموجودة في طرابلس، وقت أن كان خارج البلاد، على حسب ما نقلته الصحيفة الأمريكية عن مجموعة من مساعديه. ورداً على ذلك، قام العبيدي باستدعاء حوالي 700 شخص من الثوار المدججين بالسلاح وهدد باستعادة السيطرة على القاعدة، وهي إحدى مقرات إمدادات الجيش القديمة في غرب طرابلس، وفقا لما ذكره نجله ومستشاره القانوني هيثم العبيدي. وأضاف :» قد يتحول الأمر إلى مواجهة حقيقية. ونحن غاضبون للغاية. وقد تم نزع فتيل الأزمة فقط عندما تدخل رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل». ولفتت الصحيفة في الختام إلى أن عدم وجود جيش وقوة شرطة موحدة في ليبيا قد تسبب في إثارة نشطاء حقوق الإنسان، الذين يقولون إن الميليشيات تنزل العدالة على أساس مخصص لسجناء البلاد السياسيين الذين يقدر عددهم بحوالي 700 سجين، وتلجأ في بعض الأحيان إلى التعذيب. وأوضح مسؤولون غربيون أن هناك ما لا يقل عن 100 ميليشيا في مدينة مصراتة، التي تعرضت لحصار دموي أثناء الحرب، فضلاً عن وجود أكثر من 150 في العاصمة طرابلس، وعشرات أخرى في بنغازي.